17-أغسطس-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يوحي خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال إشرافه على اجتماع الحكومة بالولاة الأخير، عن وجود مراكز نفوذ معطّلة لسير الدولة وتعطيل تنفيذ الخطط الإنمائية والقرارات الحكومية على مؤشرين متقاربين يصبّ الأول في أن اهتراء المنظومة الإدارية، كإرث ثقيل موروث من المرحلة السابقة، بعد ثمانية أشهر تقريبًا من العهدة الرئاسية الأولى للرئيس تبون.
المأزق المرتبط بأزمة الدولة سياسي بالأساس ويتعلّق بطرق تعيين المسؤولين وآليات تزوير الانتخاب

ويبقى ترهّل الإدارة أحد أبرز المشكلات الرئيسة في الجزائر، وإحدى دوائر صناعة واختلاق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتقاطع الشبكات النفعية، لكنه يؤشّر في المقابل على أن المأزق المرتبط بأزمة الدولة سياسي بالأساس ويتعلّق بطرق تعيين المسؤولين والآليات الانتخابية المزوّرة، التي تنتج مجالس منتخبة غير نزيهة، ما يفرض تعديل الدستور بشكلٍ يغير قواعد الحكم ويوسّع هوامش الرقابة الشعبية والمدنية والإعلامية لكشف أي تقصير أو تلاعب بالشأن العام.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبون: يجب توفّر مجموعة من الشروط للاستمرار في عهدة ثانية

ووصف الرئيس في حديثه عن ما أسماه "الثورة المضادة"، التعطيل الإداري بأن "العصابة مازالت تحاصر مختلف مشاريع التنمية في الجزائر"، لافتًا إلى أن هناك "مجموعات داخل النظام"، تعمل على إيقاف عجلة التغيير، وإثارة الفتنة السياسية في الشارع.image.gif

وأكدّ الرئيس تبون، في كلمته أمام مسؤولين سامين في الدولة الجزائرية، أن"هناك من النظام السابق من مازال يحلم بالعودة للحكم وباستعادة زمام الأمور، نقول له ذلك زمن ولى، الشعب خرج للشارع وانتهى، هذه عجلة التاريخ ولن تعود، من يعتقد أن البلد ستعود الى ما كانت عليه من سيطرة المال الفاسد والتعيين بهاتف الليل فهو مخطئ"، معبرًا عن إصراره على"التغيير والقضاء على لوبيات النظام السابق وتفكيك مجموعاتها".

أخطاء لا تغتفر

وبلغة تهديدية قال تبون "سنقضي على العصابة أو سنهلك دون ذلك"، محذّرًا الحكومة والمسؤولين من تحركات مريبة لما وصفه بقوى خفية تعمل على إثارة الفتن، وأردف: "خذوا حذركم، هناك قوى مازالت تعمل على زعزعة استقرار البلاد وتتصور أنها قادرة على ذلك، ومن ذلك بث الإشاعات وقلب الحقائق"، وأشار في السياق إلى دلائل مادية على ذلك واستشهد بشركة رجل الأعمال المسجون علي حداد، التي وقعت عقدًا مع شركة ضغط أميركية مؤخّرًا بالقول "هناك من مازال في السجن  وأمواله تتحرك.. 10 مليون دولار تذهب للخارج، من أمر بذلك وكيف خرجت الأموال".

ينكشف جليًا من خطاب تبون، أن عمله في الميدان ليس بالسهل في الظرف الحالي، كما وصفته بعض التحليلات السياسية لـ "الترا جزائر"، بل يحمل تخوّفات عظمى من أن القادم ليس تغييرًا في الواجهة السياسية وليس عملية "ليفتينغ سياسي"، كما وصفها الباحث في العلوم السياسية محمد علي بوذن من جامعة الجزائر، مشدّدًا أن الخطوات القادمة ستكون مركّزة على عدة  مسائل سياسية وإدارية بالدرجة الأولى".

وعلّق على تلك الإشارات التي لاحت في قصر الأمم بالعاصمة الجزائرية، تبنّاها خطاب الرئيس تبون أن"هناك مازالت قوى تعمل في الظلّ"، حسب تعبير الأستاذ بوذن، مشيرًا إلى أن هناك تحديات في مفاصل الدولة هي التي عطلت الإدارة في علاقتها مع المواطن، وخصوصًا في المجالس المحلية التي باتت "منغلقة على نفسها"، تاركة الوضع في الأحياء والبلديات تتراكم فيه عمليات الفساد الإداري، الذي بدوره يخلق ضغطًا رهيبًا على المواطن، يمكن إفلاته في قادم الأيام".

إرث النظام السابق

لا يمكن لحالم، أن يجد المخرج بالسرعة المرجوة، وانتظارات المواطن الجزائري بعد عام من الحراك الشعبي، ربحنا فيه ما ربحنا، ومازلنا نحلم فيه بأحلام التغيير المنشود على عديد الأصعدة، كما قال الناشط الحقوقي عبد اللطيف يلوز من ولاية أم البواقي، موضحًا لـ "الترا جزائر"، إذ  نواجه عدّة مشكلات متشعبة الأسباب ومعقدة الحلول، أهمها "إرث إداري" يفوح برائحة قضايا الفساد، وبمطامع ومطامح لمجموعات سياسية ومالية في الجزائر، في الاغتراف مجددًا مع السلطة الحالية، في مقابل أن المواطن أصابه الوهن منذ فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومدى تعثر عديد المشاريع على المستوى المحلّي، والتي هي في نظر المحامي يلوز عبارة عن انعكاس مباشر لما يجري في القمة، بالنظر إلى أن المواطن الذي ينتظر بالساعات والأيام لحين تسلم أجرته، لم يثق مجددا في وعود الهيئات السياسية المحلية: "بلدية ودائرة و ولاية"، كما قال.  

الثّابت الوحيد منذ انتخابات 12 كانون الأول/ديسمبر2019، المجموعات السياسية والإدارية على مستوى أكثر من 1500 بلدية، تمكنت من تثبيت جذورها، وأصبحت" صلبة" يصعب تفكيكها أو تغييرها في الوقت الراهن، وهو ما  يوحي أن معركة الرئيس تبون صعبة أو كما وصفها البعض بمواجهة في معركة لن تكون واحدة، أو"حرب معلنة"، طبعًا من خلال خطابه السياسي، يثير وجدان المواطن، ويضع مختلف الأخطاء التي ارتكبتها عديد المديريات عشية عيد الأضحى الفائت كنقص السيولة المالية في مراكز البريد، وانعدام المياه في الحنفيات لأيام طويلة، فضلًا عن ضائقة اقتصادية شديدة بسبب الأزمة الصحية الحالية، على مستوى المستشفيات.

البعض يرى أنّ حديث تبون عن الثّورة المضادة، هو استمرار، لما وصفه سابقًا في لقاءاته الإعلامية، لوجود لوبيات تشتغل في الخفاء تسعى بضرب استقرار الجزائر، مسيرة  سواء في الداخل أومن الخارج، في " مؤامرة أنتجت أزمات متّصلة ببعضها البعض"، حسب تفسير أستاذ العلاقات الدولية عبد العالي مجدوب في تصريح لـ" الترا جزائر"، مشدّدًا على أن الجزائريين على مرّ عقدين من الزمن، عانوا كثيرًا مع أزمة المياه والكهرباء والطرقات المهترئة ونقص السيولة عشية الأعياد، والمناسبات، غير أنها في هذه المرة تحالفت أي هذه المشاكل في ظل أزمة جائحة كورونا، وما تزامنت معها من حرائق للغابات ومشكلة المياه وضغط نفسي على الآلاف من العمال الذين فقدوا مصادر رزقهم بسبب الوباء.

 إذابة الجليد

يعود البعض إلى مشكلة عميقة في المنظومة الجزائرية على أكثر من مستوى وفي أكثر من قطاع،  وكأنها "أحجار الدومينو التي ينتظر أن تسقط الواحدة تلو الأخرى"، تتمثل في عمليات التوظيف في المناصب التي بقيت لسنوات طويلة، تتم عبر الولاءات والتخندق في صف ما، وأيضًا تبتعد عن اللجوء إلى الكفاءات المهنية أو التوظيف حسب الشهادات العليا، رغم وجود الآلاف من أصحاب الشهادات يعانون البطالة، بينما الإدارة الجزائرية ينخرها مرض لا علاج له وهو التوظيف على حساب الكفاءة، وهو ما يتجاوز القيم الأخلاقية والعلمية أيضًا، ذلك ما يتفق مع وجهة نظر الناشطة الحقوقية  والخبيرة في القانون والعلوم الإدارية البروفيسور فريدة بلفراق بجامعة باتنة، التي قالت لـ" الترا جزائر" إن الأزمة الصحية أثبتت بوضوح ما ضيّعته الجزائر لسنوات وعقود بعدم الاعتناء بالكفاءات والعلم والمخرجات الأكاديمية الجامعية.

إحداث التغيير وإطلاق مشاريع تنقذ الملايين في الجزائر يحتاج إلى تجنب سموم الإدارة ومشاكلها، إذ شبهتها الأستاذ بلفراق بعملية إذابة" كرة الثلج" التي تعاظمت من خلال تراكمات الفساد، بل وتساءلت هل يمكننا أن نتقدم ونحن لم نحلّ بعد أزمة العطش وسيولة مالية؟ 

يبدو أن المواجهة القادمة ستكون ساخنة مع الدخول الاجتماعي

الدخول الاجتماعي

بملامح الأمل، التي بدت في العبارات التي استخدمها الرئيس تبون، يُخيّم سواد حالك ترسُمه المشاكل المتعددة القطاعات التي طفت على سطح الحكم في الجزائر منذ أسابيع، وبذلك يبدو أن المواجهة القادمة ستكون ساخنة مع الدخول الاجتماعي، وحلحلة المشاكل وتفكيك شفراتها لن يتأتى بعرضها والتنبيه إليها أمام الرأي العام في الجزائر، لأنّ الجميع يتحمّل جزءًا من المسؤولية، ولأن مختلف المسؤولين في مفاصل الدولة الجزائرية، خاصّة في القاعدة عبر الولايات هم نتاج منظومة سابقة أحكمت قبضتها لعدّة عقود.