خيارات عديدة لتطوير استقبال السفن.. هل الجزائر بحاجة فعلا لميناء الحمدانية العملاق؟
12 يونيو 2025
أصبح ملف تطوير أداء الموانئ يشكل أحد المحاور الرئيسية التي تعمل الحكومة الجزائرية على تسريعها في الفترة الأخيرة، بإصدار مجموعة من القرارات الخاصة بذلك، ومتابعة مدى تنفيذها ميدانيا بهدف رفع مساهمة المرافئ في تسريع السيرورة الاقتصادية للبلاد، وبالخصوص مع تزايد الاهتمام العالمي بهذا القطاع جرّاء التوترات الحادثة في عدة مناطق، والتي تحاول خلاله الحكومة جعل موانئها نقطة أساسيا للمبادلات التجارية ومركز للرسوّ والعبور في المتوسط، فهل تحقيق هذا الهدف في متناول الجزائر في حال ما نُفذّت القرارات والمشاريع التي تسعى الحكومة إلى تجسيدها؟.
مراد كواشي: تجسيد ميناء الحمدانية يتيح للجزائر الاستقلالية والاعتماد على منشأتها وفك الارتباط ببعض الموانئ الاخرى كالفرنسية منها
ورغم الارتفاع المسجل في أداء الموانئ الكبرى بالبلاد، إلا أنه يبقى أقل مما هو منتظرا بالنظر للموقع الاستراتيجي للبلاد وكذا في حال ما حسنت هذه المؤسسات التابعة لوزارة النقل من خدماتها المختلفة، الأمر الذي يستدعي القيام بإجراءات فعالة تنقل هذه الخدمات إلى مرحلة جديدة تطوى فيها كل المشاكل التي كان يشتكي منها المسافر والمصدّر والمستورد وكل مستخدم للمرافئ.
عدة قرارات
في العاشر من حزيران/جوان الجاري، ترأّس وزير النقل السعيد سعيود، اجتماعًا تنسيقيًا خُصّص لعرض ومناقشة إستراتيجية تسيير وتطوير الموانئ الوطنية، وذلك بحضور المدير العام لمجمع الخدمات المينائية، المدير العام للبحرية التجارية والموانئ، إلى جانب إطارات من الوزارة.
وشهد الاجتماع تقديم عرض تقني مفصل حول آفاق تطوير الموانئ الوطنية وتحسين أدائها، من حيث التسيير والتجهيزات والخدمات اللوجستية، بما يواكب المعايير الدولية، حيث شدد الوزير على ضرورة تبنّي تسيير فعّال وواقعي قائم على النتائج الميدانية والتقدم الفعلي في وتيرة الأشغال.
وأمر الوزير بتشكيل فرق عمل متخصصة تُكلّف بمتابعة مشاريع الموانئ ميدانيًا، وتقييم مدى تقدمها بشكل دوري، بما يضمن بلوغ الأهداف المسطرة، مع اعتماد مينائين كنموذج أولي لتطبيق الإستراتيجية الجديدة، بهدف تقييم فعاليتها ميدانيًا قبل تعميمها على باقي الموانئ الوطنية.
ويعد هذا الاجتماع واحد من عديد اللقاءات والقرارات التي اتخذت في الأشهر الأخيرة لتطوير هذه القطاع، ففي الرابع من الشهر الجاري استمعت الحكومة في اجتماعها الأسبوعي إلى تقرير مرحلي حول مدى التقدم الحاصل بشأن تقليص آجال إقامة السفن ومرور البضائع عند الاستيراد عبر الموانئ، التي تم وضعها في إطار إستراتيجية تطوير الموانئ وترقية تسييرها وذلك تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية بهذا الشأن.
واستمعت الحكومة، أيضا إلى عرض حول مدى تقدم مشروع توسعة وتطوير ميناء جن جن بولاية جيجل، الذي سيجعل منه قطبا هاما لتبادل السلع في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وفي نهاية آذار/مارس الماضي، أعلن الأمين العام لوزارة النقل، جمال الدين عبد الغني دريدي، خلال زيارة إلى ميناء جن جن أنه قد تم إسداء تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ من أجل العمل على التسريع في تفريغ ومعالجة حمولات البواخر من خلال الالتزام بالعمل 24 /24 ساعة، عبر 6 موانئ تجارية، إضافة إلى معاينة للتدخل الميداني لكل المتعاملين عبر المنصة المينائية.
وقال إن هذا القرار "سيسمح بالوصول إلى معالجة حمولة البواخر في ظرف زمني قصير مما يحسن من مردودية الموانئ، ويعود بالفائدة على الخزينة العمومية، لاسيما مع التقلص المرتقب في مدة مكوث السفن في أرصفة الموانئ وعلى مستوى الحوض وبالتالي تناقص التكاليف الإضافية المدفوعة بالموانئ فضلا عن تقليص تكلفة النقل البحري للبضائع".
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أمر في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 9 شباط فيفري الماضي بالشروع قبل نهاية فبراير بالعمل وفق نظام 24 /24 ساعة، على مستوى الموانئ ذات النشاط الاقتصادي، إضافة إلى إشراك جميع المتعاملين المتواجدين على مستوى الموانئ بغية "مواكبة الحركية الاقتصادية وتقليص المصاريف الزائدة للبواخر التي تنتظر الرسو لفترات طويلة".
وقبل نحو عام من الآن في منتصف شهر تموز/جويلية الماضي، أمر تبون خلال مجلس الوزراء باستحداث شركة جزائرية للأشغال البحرية الكبرى، متخصصة في تهيئة الموانئ، و التحضير لمخطط وطني، لتوسيع عدد من الموانئ بما يحسّن نشاطها.
قطاع حيوي
وفي سياق هذه الترتيبات، قال الخبير الاقتصادي نبيل جمعة لـ"الترا جزائر" إن اتخاذ هذه القرارات يعد مؤشرا واضحا على وجود نظرة إستراتيجية جديدة لهذا القطاع الحيوي ويعكس تحولا في الوعي الرسمي بالنسبة للموانئ كعنصر أساسي في الاقتصاد، وبالخصوص فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد خارج المحروقات، بالنظر إلى أن الموانئ قطاع استراتيجي، وهو بوابة الاقتصاد على العالم، فأكثر من 90 بالمئة من التجارة الخارجية الجزائرية تتم عبر المرافئ.
وأوضح الخبير الاقتصادي عبد الوحيد صرارمة في حديثه مع "الترا جزائر" أن هذه الاهتمام منطقي بالنظر إلى أن تحديث الموانئ الجزائرية يكتسي أهمية بالغة، في ظل الحركية التي يعرفها الاقتصاد الجزائري، كون الموانئ تلعب دورا أساسيا في التجارة الخارجية لأنها بوابة الدولة في مجال التصدير والاستيراد.
وأضاف أن أهمية الموانئ لا تقتصر على النقل البحري الذي يلعب دورا هاما في التجارة الخارجية، أو توفيرها فرص عمل وخدمات لوجيستية، إنما تعزز أيضا القدرة التنافسية للدولة، فبعض الموانئ هي بمثابة مناطق للتجارة الحرة، ويمكن إعطاء مثال بمينائي شنغهاي الصيني وروتردام الهولندي.
نقطة ضعف
بالنسبة لأستاذ الاقتصاد البروفيسور مراد كواشي، فإن منظومة الموانئ مازالت هي الحلقة الأضعف في الاقتصاد الجزائري، بالنظر للخطوات الهامة التي حققها هذا الأخيرة في العقد الجديد سواء من حيث معدل النمو المتواصل أو الناتج المحلي أو المشاريع العملاقة التي تم إطلاقها، إضافة إلى السعي لتحقيق صادرات خارج المحروقات بـ30 مليار دولار أفاق 2030.
ويرى عبد الوحيد صرارمة أن من أهم نقط ضعف الموانئ الجزائرية، والتي تعد تحديات وجب معالجتها، هي القدرة الاستيعابية الضعيفة حيث ما تزال غير قادرة على استيعاب السفن الكبيرة، لذلك تضطر إلى تفريغها في موانئ أجنبية كميناء مرسيليا ونقل حاوياتها عبر سفن أقل حجما إلى المرافئ الجزائرية.
وأضاف صرارمة أن ما يعاب على الموانئ الجزائرية هو ضعف استخدام المعدات والتقنيات التكنولوجية الحديثة، وهو ما يقلل السرعة في التعامل مع السفن والحركية التجارية، إضافة إلى الإجراءات البيروقراطية وإجراءات الجمركة الطويلة مقارنة بما يطبق في موانئ أجنبية، وكذا عدم وجود موانئ متخصصة بالقدر الكافي موجهة مثلا لنقل البترول والحبوب وسلع أخرى.
واعتبر نبيل جمعة أن التحديات القائمة التي تواجه قطاع الموانئ تتمثل في "البيروقراطية رغم الإصلاحات التي شهدتها بعض الموانئ جرّاء ضعف الشفافية، وتفاوت الأداء بينها فموانئ الجزائر وبجاية ووهران أكثر تطورا مقارنة بمرافئ أخرى، إضافة إلى تطلبها ربطا أكثر بالسكك الحديدية والطرق السريعة، ودن إغفال نقص الكفاءات التسييرية التي يجب توفيرها لتحقيق أي مبتغى في هذا الإطار.
وشهدت الموانئ التجارية الجزائرية خلال النصف الأول من سنة 2024، معالجة 63.42 مليون طن من البضائع في بزيادة تقدر بـ2.53%، مقارنة بالفترة نفسها لسنة 2023، وحوالي 848 ألف حاوية معادلة لـ20 قدما، وتسجيل حوالي 242 ألف مسافر.
مركز دولي
يرى البروفيسور مراد كواشي أن الأهداف الاقتصادية التي تضعها الجزائر تستلزم اليوم أن تعزز وجودها الدولي في مجال الموانئ، وذلك بإنشاء ميناء كبير بمعايير عالمية، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، وكذا مكون هذه البنية التحتية الكبرى ستسمح لها بتجسيد رؤيتها الهادفة إلى أن تصبح بوابة حقيقية للقارة الإفريقية سواء في التصدير أو الاستيراد.
وأوضح كواشي أن تحقيق هذه الهدف يكون بتجسيد مشروع ميناء الحمدانية بولاية تيبازة أو تشييد ميناء آخر، لأن ذلك سيتيح للجزائر الاستقلالية والاعتماد على منشأتها وفك الارتباط ببعض الموانئ الأخرى كالفرنسية منها.
لكن الخبير الاقتصادي عبد الوحيد صرارمة لا يوافق هذا الري، ومرجعا ذلك إلى أن الجزائر ليست بلدا مصدرا للسلع المصنعة تعتمد على قطاع المحروقات بنسبة كبيره في اقتصادها رغم النتائج المحققة في تنويعه في السنوات الأخيرة.
واعتبر أن ميناء الحمدانية مشروع كبير لا تحتاج إليه الجزائر في الظرف الراهن، كونها لم تتحول بعد إلى مركز تجاري دولي، لأن تنفيذ مشروع ميناء ضخم ينافس ميناء مرسيليا مثلا يستوجب في الوقت الراهن الخضوع لمنطق التجارة الدولية والانضواء تحت جناح القوى الاقتصادية الكبرى، وهو ما لا تقبله الجزائر التي ترفض أن تصنف بأنها تحتمي بجناح دولة معينة.
ويرى صرارمة أن تنصبّ الأولوية على تطوير الموانئ الموجودة لجعلها قادرة على استقبال سفن كبيرة، وذلك بتوسيعها من حيث القدرة الاستيعابية والإدارية، عبر تحديث الموانئ الموجودة لتكون لها مساهمة حقيقية في التنمية الاقتصادية، وبعدها التحول في مرحلة ثانية إذا كانت هناك زيادة في التجارة خارج البترول بالانخراط في شبكة دولية للموانئ.
عبد الوحيد صرارمة: الموانئ تعلب دورا أساسيا في تطوير التجارة الخارجية لأنها بوابة تصدير واستيراد
وشدد صرارمة على أن يكون الهدف الأساسي في الوقت الحالي تحديث الموانئ الجزائرية الموجودة أحسن من الانخراط في تنفيذ ميناء ضخم.
وفي هذا الشأن، أعلن الرئيس المدير العام لمجمع الخدمات المينائية "ساربور"، عبد الكريم غزال بحر هذا الأسبوع في تصريح للإذاعة الجزائرية إمكانية تغيير موقع انجاز ميناء الوسط “الحمدانية” الواقع في شرشال نحو ولاية بومرداس، باعتبار الأخيرة الخيار الأمثل لذلك
وقال غزال "قد يكون ميناء دلس أو كاب جنات، لأنه الموقع الآمن الوحيد المتبقي على الساحل الجزائري".
وتكمن أهمية الموانئ الكبرى للجزائر في تمكينها من استقبال السفن الكبرىوتفريغها، وهو ما سيصبح متاحا بشكل واسع بانتهاء التوسعة التي يشهدها ميناء جن جن الذي بدأ رصيفه في تشرين الأول أكتوبر الماضي يستقبل سفن الحاويات الضخمة، بثلاثة أضعاف سعة السفن السابقة، حيث أصبح قادراً على استقبال سفن بسعة 6 ألاف حاوية مكافئة ، مقابل 2500 حاوية في السابق.
نبيل جمعة: الحكومة بدأت تتعامل مع الموانئ أنها أدوات استراتيجية لتنمية الصادرات غير النفطية
سواء تم تنفيذ مشروع ميناء الحمدانية الذي يبدو أنه لم يعد أولوية للحكومة أو استبداله بمرفأ آخر، فإن نجاح الإستراتيجية الحكومية لتطوير قطاع الموانئ يرتبط أولا بتغيير طرق التسيير حتى لو استدعى ذلك إشراك القطاع الخاص، وفق ما يراه البروفيسور مراد كواشي الذي يرى أن تمويل الاستثمارات في هذا القطاعات لا يشكل عائقا بتاتا، لأن الجزائر باستطاعتها الاستعانة بالمؤسسات المالية التي تملك فيها رؤوس أموال كالبنك الإسلامي للتنمية وبنك "بريكس" الذي ضخت فيه أكثر من مليار دولار.
إجراءات
أما نبيل جمعة فيشدد على الذهاب كليا إلى مراجعة طرق تسير الموانئ والتخلي عن النموذج القديم القائم على البيروقراطية، والتوجه إلى نماذج حديثة قريبة إلى الشراكة، وخلق منصات لوجيستية قارية تخص أفريقيا وأسيا والمتوسط، وتحسين الحوكمة ورفع مستوى الكفاءات التشغيلية، ورقمنة الخدمات المينائية، إضافة إلى تقليص زمن المعالجة الجمركية ومحاربة الفساد وتحسين فعالية عليات التصدير والاستيراد.
ويقر جمعة أن الخطوات المتخذة في هذا الشأن تنبئ بتحول فعلي في النظرة الرسمية نحو الموانئ من مجرد نقاط عبور سلع إلى روافع اقتصادية إستراتيجية، وهي النظرة التي تتطلب استكمال هذه الإصلاحات وفق منظور منظومي بربط الموانئ بمراكز الإنتاج والتصنيع والتصدير، لتتحول إلى محركات حقيقية للتنمية الاقتصادية
الكلمات المفتاحية

نسب النمو والمؤشرات الكبرى.. كل شي عن الاقتصاد الجزائري في الثلث الأول لـ2025
سجّل الاقتصاد الجزائري خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، نسبة نمو بلغت 4,5% مقابل 4,2% في الفترة نفسها من عام 2024، وفق تقرير حديث نشره الديوان الوطني للإحصاء.

من بنك "بريكس" إلى "آسيان".. تحالفات جزائرية جديدة تعيد رسم خارطة "البزنس"
في خضم تحولات جيوسياسية عميقة، اختارت الجزائر أن تخلع جلباب التبعية الاقتصادية نحو فرنسا وتنسج خريطة تحالفات جديدة تمتد من ضفاف نهر الميكونغ إلى ضفاف نهر الأمازون، فلم يعد الرهان محصورا في أوروبا التقليدية، بل امتد ليشمل تكتلات صاعدة كـ"آسيان"، ومبادرات عملاقة كـ"الحزام والطريق"، وتحالفات إستراتيجية كبنك "البريكس"، مرورًا بالعمق الإفريقي والعربي ووصولا إلى تقاطعات…

حوار| علي حماني: لا زيادات في أسعار المشروبات هذا الصيف.. واستهلاك المياه المعدنية يقفِز بنسبة 35 بالمائة
كشف رئيس الجمعية الجزائرية لمنتجي المشروبات علي حماني، عن ارتفاع استهلاك المشروبات في السوق الوطنية بنسبة 15% مع بداية موسم الصيف، كما أكد عدم تسجيل أي زيادة في أسعار العصائر والمشروبات الغازية والمياه المعدنية من جانب المنتجين.

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض
توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب
توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض
أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.