"خِزانة الجمهورية" ..كيف يُعاد تدوير الوجُوه السياسية في الجزائر؟
7 يونيو 2025
يعرف المشهد السياسي الجزائري ظاهرة متكررة تثير التساؤلات: عودة وجوه سياسية وعسكرية ودبلوماسية بارزة إلى واجهة الأحداث، غالبًا بعد فترات من الغياب أو حتى المتاعب القضائية.
عودة بعض الوجوه للواجهة؛ تزامنت مؤخرًا مع تعيينات حساسة، ليست مجرد مصادفة، بل هي تقليد راسخ يوصف بـ"وعاء النّظام السياسي" أو "خزانة الجمهورية"
لاقت هذه الظاهرة تساؤلات واسعة مع تعيينات حديثة، ليست بجديدة، بل تُعد تقليدًا راسخًا في منظومة الحكم. يصفها المتابعون بـ "خزانة الجمهورية" أو "وعاء النّظام السياسي" الذي يحتفظ بخبراته القديمة.
فهل تعكِس هذه الظاهرة حاجة النظام لخبرات الماضي، أم أنّها طقس من طقوس منظومة حكم تستدعي مخزونها القديم كلما كانت بحاجة لخبراتهم؟وما هي المعايير الخفية التي تُحدد هذه العودة؟
عودة بعد اختفاء
تزامنت عودة بعض الوُجوه السياسية والعسكرية والدبلوماسية للواجهة، سواء بتعيينهم أعضاءً في مجلس الأمة أو سفراءً في دول أجنبية، مع تنصيب العميد عبد القادر واعربي على رأس الفرع الداخلي للمخابرات الجزائرية، وهو ما شكل مفاجأة لدى الرأي العام الوطني.
يُعرف عبد القادر واعربي بلقب "جنرال حسان"، وقد مرّ بفترة صعبة حيث أمضى خمس سنوات في السجن بين 2015 و2020، بعد إقالته من منصبه كقائد لوحدة مكافحة الإرهاب وملاحقته من قِبل القضاء العسكري منتصف عام 2015.
الوعاء الجمهوري
تُشكّل رجوع الوجوه السياسية إلى مسرح الأحداث ودواليب السلطة بعد فترة من المنفى السياسي أو المتاعب القضائية، في نظر متابعين للشأن السياسي في الجزائر، تقليدًا سياسيًا وطقسًا من طقوس منظومة الحكم.
"خِزانة الجمهورية" هي استعارة تُشير إلى أنّ العزل من المنصب أو المنفى السياسي لا يعني نهاية الحياة السياسية لتلك الشخصيات
هذا السلوك يعتمده النظام السياسي الجزائري كلّما واجه فراغًا مؤسساتيًا أو ارتباكًا ناجمًا عن هزة سياسية ومؤسساتية.
ففي مثل هذه الحالات، يلجأ النظام إلى مخزونه القديم المكوّن من شخصيات مدنية وعسكرية نشأت وترعرعت داخل السلطة لعقود طويلة.
وغالبًا ما يُطلق على تلك الوجوه مصطلح سياسي بـ "الوعاء" أو "خِزانة الجمهورية"، وهي استعارة تُشير إلى أنّ العزل من المنصب أو المنفى السياسي لا يعني نهاية الحياة السياسية لتلك الشخصيات.
يعترف المتابعون للساحة السياسية في البلاد بأنّها عملية ترتيب للبيت الداخلي للنظام، حيث يتم إقصاء أو تهميش أو إخفاء شخصيات سياسية وعسكرية لأسباب مرتبطة بالسياق السياسي والمرحلي، مثل امتصاص الغضب الشعبي أو تغيّر موازين القوى.
الدولة العميقة
تُحافظ الدولة العميقة على مُكوّناتها السياسية القديمة، وتولي دائمًا اهتمامًا خاصًا باحتياطها من العناصر السياسية والإدارية والتكنوقراط، فهي تستخدم باستمرار شبكات جديدة وقديمة للحفاظ على استقرار النظام.
كما تستعين بمُوظّفين وعسكريين متقاعدين، حتى وإن كانوا في فترة معينة من المغضوب عليهم، لأنّ الجميع يدرك أن شبكة العلاقات والمصالح المتبادلة داخل السلطة زئبقية الطابع، وقد تتغيّر بشكل جذري أو جزئي في أي لحظة.
عابر الصحراء
على سبيل المثال، عاد عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم رئيسًا للجمهورية بعد فترة من التيه السياسي استمرت نحو 20 عامًا، ناجمة عن الصراع على خلافة الراحل هواري بومدين عام 1979. خلال تلك الفترة، تعرض بوتفليقة لملاحقات قضائية وطُرد من إقامة الدولة، وعُزل من هيئات الحزب، كما نُشر تقرير صحفي يتضمن تقرير مجلس المحاسبة يتهمه باختلاس المال العام.
ومع ذلك، في عام 1999، رجع بوتفليقة وتسلم وسام الاستحقاق الوطني من السيد عمار بو عودة، رئيس مجلس المحاسبة في السبعينيات، وهو المجلس الذي كان قد أصدر في السابق تهم اختلاس المال العام بحقّه.
محمد شريف مساعدية
كان محمد شريف مساعدية من رجال السلطة الأقوياء في فترة الحزب الواحد، حيث تولى الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني. لكن بعد انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 1988، خرج المتظاهرون وهم يرددون شعار "مساعدية سراق المالية"، ما دفع الراحل شاذلي بن جديد إلى مطالبته بالاستقالة والانسحاب من المشهد السياسي.
وظلّ مساعدية غائبًا عن الساحة السياسية حتى عام 2001، حين تصدّر الواجهة من جديد، وقاد عملية تنحية رئيس مجلس الأمة بشير بومعزة، ليُعاد تعيينه عضوًا في المجلس ثم رئيسًا له.
يوسف الخطيب
كان العقيد يوسف الخطيب، المعروف بلقب "سي حسان"، قائد الولاية التاريخية الرابعة، وبعد استقلال الجزائر عام 1962 كُلّف بحماية العاصمة وضواحيها. خلال الصراع الذي نشأ بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان، انحاز سي حسان إلى جانب الحكومة المؤقتة، لكن الصراع انتهى لصالح قيادة الأركان بقيادة هواري بومدين.
بعد ذلك، قرر يوسف الخطيب الانسحاب كليًا من المشهدين السياسي والعسكري، وعاد لممارسة مهنته المفضلة كطبيب عام.
وخلال أزمة التسعينيات، تم الاستنجاد به نظرًا لرصيده الثوري، حيث تم تعيينه رئيسًا للجنة الحوار الوطني، وفي عام 1994 عُين رئيسًا لندوة الوفاق الوطني.
تبون والعودة من بعيد
عرف عبد المجيد تبون أيضا التهميش والعزل السياسي، استبعد من منصب وزير السكن سنة 2002، ليعود بعد عقد من الزمن إلى المنصب ذاته وذلك في سنة 2017.
كما عين تبون رئيسا للحكومة سنة 2017، ولم تتجاوز عهدته شهرين فقط، وأقيل من منصبه بعد صراع مع كارتل المالي يقوده علي حداد وشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، قبل أن يعود مجددا للحكم ولكن من بوابة قصر المرادية ليتم انتخابه رئيسا للجمهورية نهاية سنة 2019 .
معايير التعيين والعودة
تخضع معايير تعيين وعودة الوجوه السياسية إلى مسرح الأحداث في الجزائر إلى جُملة من الشروط والضوابط، تعود بحسب المراقبين إلى مجموعة من القيود والمؤهلات؛ أهمها الشرعية الثورية.
ويُقصد بالشرعية الثورية ذلك الرصيد الثوري الذي يتمتّع به المسؤول أو الشخص أثناء فترة التحرير الوطني، رصيد يؤهل الشخص لممارسة الحكم دون الحاجة إلى العملية الانتخابية والاقتراع، وتشكل الشرعية الثورية في مخيل الدولة العميقة امتياز يسمح بالمُشاركة في صناعة القرار وإدارة الحُكم.
كما يُعتمد على الشرعية الثورية في امتصاص غضب الشارع، من خلال تعيين شخصية تاريخية ثورية نظيفة ونزيهة يمكن للنّظام من أعادة رسكلة وجوده، على غرار الاستنجاد بشخصية محمد بوضياف وتعيينه في منصب رئيس مجلس الأعلى للدولة سنة 1992.
شرعية مُكافحة الإرهاب
شرعية مكافحة الإرهاب قد لا تعني بالضرورة عناصر عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى، حيث يوجد مكون سياسي ساهم في إدارة البلد خلال الأزمة الأمنية (1992.2000) واكتسب أطرافها شرعية الوقوف مع الدولة ومكافحة الإرهاب، على غرار مناضلي حزب التجمع الوطني، وعلى سبيل الذكر، أحمد عطاف وزير الخارجية الحالي.
فبعد 28 سنة من العُزلة السياسية، عاد أحمد عطاف لتوالي حقيبة وزارة الخارجية سنة 2023، وعرف عن الرجل موقفه الدبلوماسي السلبي من اجتماع المعارضة التي اجتمعت في إيطاليا وأسفرت عن أرضية "سانت ايجديو" سنة 1994، أرضية تدعوا إلى عملية مصالحة وطنية، عكس رؤية السلطة أنداك، ووصف أحمد عطاف الاجتماع ب "لا حدث".
الشرعية الثورية تُشكّل في مُخيلة الدولة العميقة امتيازًا يسمح بالمُشاركة في صناعة القرار وإدارة الحُكم
في سياق متصل؛ قد لا تلتفِت المؤسسة العسكرية إلى عودة الوجوه القديمة إلى مناصب ثانوية أو هامشية من الصف الثاني أو الثالث من المتقاعدين، في المُقابل لديها حقّ الفيتو في عودة هؤلاء إلى مناصب سيادية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تحفّظ المؤسسة العسكرية على عودة شخصيتين لهما ثقل في التاريخ السياسي الجزائري المعاصر.
تتمثّل الشخصية الأولى في طالب الابراهيمي الذي ورد اسمه خلال الحراك الشعبي لقيادة مسار انتقالي أو مرحلي، الشخصية الثانية هو مولود حمروش والذي حاول أن يكون "جوكار" للنّظام السياسي في مقابل عبد العزيز بوتفليقة، فطالب الابراهيمي كان أقرب إلى التيار السياسي التقليدي الذي تحفظ على سياسة "الكلّ الأمني" في معالجة الأزمة الأمنية في التسعينيات.
أمّا مولود حمروش الزعيم الروحي للتيار الإصلاحي داخل النظام، فهو من أنصار تمدين الحكم بشكل يجعل مؤسسة العسكرية تؤدي الأدوار الدستورية فقط.
في الختام، يرى مُتابعون للشأن السياسي في الجزائر أنّ الموت الطبيعي أقرب إلى أي مسؤول من الموت السياسي، بشرط معرفة قواعد اللعبة والالتزام بالانضباط والتحفظ، ثم الصمت.
ومن الأدلة على ما سبق ذكره؛ تنصيب دحو ولد قابلية مؤخّرا على رأس لجنة إصلاح قانون البلدية والولاية، وتعيينه عضوًا في مجلس الأمة، وهو الرجل الذي واجه العواصف السياسية منذ عام 1962.
الكلمات المفتاحية

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه
أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟
وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر
انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

طقس الجزائر.. حرارة تصل إلى 49 درجة
حذرت مصالح الأرصاد الجوية، في نشرية خاصة من تسجيل درجات حرارة قصوى تصل إلى 49 درجة مئوية تحت الظل طيلة يوم الخميس. بكل من أدرار، إن صالح وتمنراست.

طقس الجزائر.. حرارة مرتفعة ورطوبة عالية في أغلب المناطق
تشهد مختلف المناطق الجزائرية، اليوم الأربعاء 9 تموز/جويلية 2025، أجواءً صيفية حارة، حيث تسجَّل درجات حرارة مرتفعة خصوصًا في المناطق الداخلية والجنوبية، وسط تحذيرات من استمرار موجة حر خلال الأيام المقبلة.

سجن نقيب فيدرالية السكك الحديدية.. حزب العمال يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط
دعا حزب العمال إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأمين العام لفيدرالية عمال السكك الحديدية، سعيدي لونيس، الذي تم توقيفه يوم 5 تموز/جويلية الجاري، بالتزامن مع عيد الاستقلال الوطني، وأُودع الحبس الاحتياطي، في خطوة وصفها الحزب بانتهاك صارخ للحصانة النقابية واعتداء على حق الإضراب