27-نوفمبر-2021

الكاتب دحو جربال (الصورة: ألجيري فوكيس)

اكتشفنا المحيط وأَعدنا التَتَلمذ على يديه، بهذه العبارات وصف المؤرخ والأكاديمي دحو جربال جلسات العمل والاشتغال على إنجاز كتابة مذكرات المجاهد لخضر بن طوبال. يقول جربال إن إنجاز الكتاب لم يكن بالعمل السهل، فلقد تطلب العمل ستة سنوات رفقة الباحث والأنثروبولوجي محفوظ بن نون، من الساعة التاسعة ليلًا إلى الرابعة صباحًا طيلة سنوات، كان العمل يتطلب تفريغ التسجيلات وكتابة مسودّات، ثم التدقيق والتحقيق مع بن طوبال، وإعادة قراءة المسودات مرّة ثانية وثالثة إلى غاية التقرير النهائي، حيث يَعترف المؤرخ أن الجلسات مع بن طوبال  كانت حافلة بالمفاجئات والاكتشافات التاريخية والمعرفية.

جربال: الاعتماد على الأرشيف الفرنسي قد يَنجرُ عنه تبني الرؤية الكولونيالية في قراءة الأحداث ووضع استنتاجات خاطئة

يستهل جربالـ خلال ندوة نمتها منشورات الشهاب إصدراه الأخير " لخضر بن طوبال.. مذكرات من الداخل"، بالحديث عن دوافع اهتمامه بتسجيل شهادات تاريخية مع لخضر بن طوبال بداية من كانون الأوّل/ديسمبر 1980، أي بعد نهاية فترة حكم الرئيس هواري بومدين، واختتام أعمال مؤتمر جبهة التحرير الوطني التي انتهت بترشيح الرئيس شاذلي بن جديد لرئاسة الجمهورية.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة عبد الله قروج أبرز المحكوم عليهم بالإعدام في الثورة

يقول جربال إن جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين والحشود الجماهيرية التي شُيعت جنازته، كانت نقطة تحوّل في مساره الأكاديمي ودافعته إلى إعادة النظر في بعض المسلمات السياسية والمعرفية، حيث ألهمت النظر إلى عمق المجتمع والبحث عن نفسية وكينونة الجزائريين، ولو يكن السبيل إلى الرشد سوى الجلوس والذهاب إلى المنبع والأصل، والمتمثلة في تنظيم لقاءات مع مناضلي وكوادر الحركة الوطنية من القامة إلى القاعدة.

هنا دافع الأكاديمي عن الشهادات التاريخية كجزء من منهجية التأريخ والتوثيق التاريخي، إذ تمرد جربال عن المدرسة الفرنسية التأريخية التي اعتمدت على الأرشيف الإدارة الاستعمارية ووثائق ضباط استعلامات الشرطة والجيش الفرنسي في كتابة التاريخ الفترة التحريرية، كاشفًا أن الاعتماد على الأرشيف الفرنسي قد يَنجرُ عنه تبني الرؤية الكولونيالية في قراءة الأحداث ووضع استنتاجات خاطئة بناء على مقدمات غير سليمة، فعلى سبيل الاستشهاد استنكر المؤرّخ استخدام مصطلحي "حرب الجزائر" أو "حرب الاستقلال" للتعبير عن ثورة التحرير الجزائرية، إذ أن العبارتين تختزلان الثورة التحريرية في صراع مسلح بين طرفين، مشيرًا أن الحرب المسلحة ما هي إلا شكل من أشكال النضال السياسي للشعب الجزائري.

مقاربة دحو للتأريخ وتوثيق الشهادات التاريخية تتجاوز الأشخاص والقراءات الضيقة، حيث يقول إنّ كل الثورات التحريرية شهدت صراعات وصدمات وتصفيات، لذا علينا قراءة التاريخ وفق السياقات التاريخية والزمانية والمكانية وليس الاسقاطات والقراءات السياسية، داعيًا إلى الابتعاد عن الاحكام القيمية، فالتاريخ كما قال جربال هو ملك للمجتمع الجزائري وليس ملك لاحد، أو لطرف يحق احتكاره أو امتلاكه، على حدّ تعبيره.

يتناول الكتاب "لخضر بن طوبال مذكرات من الداخل" في 379 صفحة، الصادر عن منشورات الشهاب، حياة سي لخضر بن طوبال المدعو سي عبد الله. مسيرة واحد من صناع الثورة التحريرية، مناضل في حزب الشعب، زعضو في المنظمة الخاصة كان ضمن مجموعة الـ 22 ومسؤولًا عن الولاية التاريخية الثانية بعد استشهاد زيغود يوسف، سجلٌ تاريخي جعل الرجل شاهدًا على محطات تاريخية تُوجت في النهاية بخيار الثورة المسلحة في مكافحة الاستعمار الفرنسي.

تضمن الكتاب البيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأ وترعرع فيها بن طوبال، وسط عائلة متواضعة بمدينة ميلة شرقي البلاد، وعن الظروف التاريخية وراء ميلاد الوعي الوطني الاستقلالي، ووسط محيط متعدد بالتوجهات السياسية والحزبية داخل البيت الوطني.

وعن ميلاد المنظمة الخاصة، وأزمة حزب الشعب والمصالية، عن الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر واستشهاد ديدوش مراد وهجمات الشمال القسنطيني والمؤتمر الأول للولاية التاريخية الثانية، وتفاصيل مؤتمر الصومام، وانتقال سي عبد الله من قسنطينة إلى منطقة الأوراس، ومحطات تاريخية هامة أخرى، يسلط بن طوبال الأضواء الكاشفة على مجرياتها ويدلي بشهادته واستنتاجاته وقراءاته وفق تسلسل تاريخي مُحكم وسرد مُتسق جد مُشوق.   

يتوقف الكتاب في الجزء الأول عند سفرية أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ إلى تونس

يتوقف الكتاب في الجزء الأول عند سفرية أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ إلى تونس، في انتظار الجزء الثاني الذي يمثل الحلقة الثانية من من مشاهد أخرى ثرية بالأحداص التاريخية المجاهد سي عبد الله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

19 شخصية جزائرية تخاطب الجيش: الرئاسيات قفزة نحو المجهول

مثقفون يطالبون قايد صالح بمراجعة إدارة الأزمة سياسيًا