رؤوف فراح لـ "الترا جزائر": "دبلوماسية العكّازيْنِ" أفضل خيار لمعالجة الأزمة الطارئة مع مالي
16 أبريل 2025
يشرح رؤوف فراح، الباحث الجزائري في الجيوسياسية، المتخصص في منطقة شمال أفريقيا والساحل، في هذا الحوار مع "الترا جزائر" طبيعة التغيرات المتسارعة في طوق دول الساحل جنوب الصحراء بعد ميلاد تحالف دول الساحل، وارتدادات ذلك على صعيد المناطق الجنوبية للبلاد، جراء تداخل مصالح دول بعيدة عن المجال الجغرافي للبلدان التي تتشارك حدوديًا مع الجزائر، داعيًا الجزائر لاعتماد "دبلوماسية العُكَّازَيْنِ" بتقوية العلاقات الثنائية مع النيجر وموريتانيا، مع منح الأولوية للحلول الدبلوماسية والتفاهمات التي تُغلق الباب أمام النزاعات، فضلًا عن تعزيز البيئة التنموية الشاملة في المناطق الجنوبية القاصية ذات الامتداد الطبيعي و البشري مع دول الساحل.
ما هي أهمية الساحل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية حتى يصبح مجالًا خِصْبًا في منتدى الصراعات الدولية والإقليمية؟
منطقة الساحل ليست هامشًا جغرافيًا كما يُعتَقَد أحيانًا، بل تحوَّلت إلى منطقة محورية تتقاطع فيها مصالح متعددة: إفريقية، أوروبية، آسيوية وشرق أوسطية. أهميتها الاقتصادية نابعة من ثرواتها الطبيعية الاستراتيجية (كالذهب، واليورانيوم، والغاز، والمعادن النادرة)، إضافةً إلى موقعها الجغرافي الذي يربط شمال إفريقيا بغرب القارة وخليج غينيا.
سياسيًا، تعكس منطقة الساحل التوتر بين السيادة الوطنية والتدخلات الأجنبية، وبين تطلعات الشعوب للكرامة والعدالة، والمنطق الأمني المفروض من الخارج. وجيوسياسيًا، أصبحت بمثابة مختبر لصراعات النفوذ: انسحاب القوى الغربية التقليدية (فرنسا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) يقابله تقدُّم سريع لقوى دولية وإقليمية جديدة.
ورغم تراجع النفوذ الفرنسي بسبب الانقلابات العسكرية، فإن ذلك لم يمنع الاتحاد الأوروبي من محاولة تقليص حركة الهجرة وتثبيت المهاجرين في دول شمال إفريقيا. أما فرنسا، فبعد انسحابها، نقلت جزءًا من عملياتها إلى خليج غينيا، مع رغبة في العودة حين تضعف الأنظمة العسكرية. هذا الفراغ استغلته قوى غير إفريقية، فيما طرحت أخرى مشاريع تبادل اقتصادي.
هناك أيضًا سباق محموم على الموارد الطبيعية: الذهب واليورانيوم النيجري والموارد البحرية في الأطلسي، غالبًا عبر شركات متعددة الجنسيات.
وسط هذا المشهد المتقلب والمليء بالتنافس، تواجه الجزائر تحديات متزايدة، رغم ما تملكه من مقومات. منها انهيار حلفائها التقليديين بسبب الانقلابات، والتدفُّق الفوضوي لقوى خارجية تتنافس معها على النفوذ. بالنسبة للجزائر، الساحل ليس هامشًا، بل فضاء استراتيجي حيوي، رهان توازن واستقرار على حدودها الجنوبية.
ما هي الأسباب التي أدَّت إلى تفاقم الصراعات في منطقة هشَّة سياسيًا واقتصاديًا حتى تصبح مُستقرًّا لتهريب الكوكايين والجماعات الإرهابية؟
لا يمكن فهم تعقيد الأزمات في الساحل من دون النظر إلى تداخل ثلاث ديناميات رئيسية:
- هشاشة الدول داخليًا، والتهميش السياسي للمناطق الشمالية منذ الاستقلال.
- أزمات متعددة الأبعاد تشمل تغيّر المناخ، ندرة الموارد، وانعدام آليات التحكيم الديمقراطي والحكم الرشيد، ما مهَّد الطريق أمام الجماعات المتطرفة والإجرامية.
- الدور المُزعزِع للتدخل الأجنبي، لا سيما الفرنسي. فبدلًا من القضاء على الإرهاب، ساهم هذا التدخل، الذي تم أحيانًا بجهل للسياقات المحلية، في تمزيق النسيج الاجتماعي، وتكاثر الجماعات المسلحة، وتغذية الإحساس بالاحتلال.
العامل الأول مؤسساتي: معظم دول الساحل ورثت أنظمة مركزية بعد الاستعمار، لم تتمكن من ترسيخ وجودها في الأطراف. هذه "المناطق الرمادية" تُرِكت لزعامات محلية أو جماعات مسلحة أو شبكات التهريب. في هذا الفراغ، ترسخت شبكات غير شرعية تنقل المخدرات، والأسلحة، والمعادن ومنها الذهب.
لكن هشاشة الدولة لا تفسر وحدها دوامة العنف. أحد أبرز العوامل كان التدخل الفرنسي، بدءًا من "سرفال" عام 2013 ثم "برخان". فرغم النجاحات المحدودة، تحوَّلت العمليات إلى وجود عسكري دائم يفتقد لرؤية سياسية، مما أدى إلى عسكرة المنطقة، وتقويض شرعية الفاعلين المحليين، وتصاعد الغضب الشعبي في مناطق كثيرة من وسط وشمال مالي، تنامى الشعور المعادي لفرنسا بفعل التجاوزات، دعم بعض المليشيات، وفشلها في حماية المدنيين. انسحاب "برخان" و"مينوسما" لم يُنهِ العسكرة، بل نقلها إلى أطراف جديدة.
كما أن السياسات الغربية لضبط الهجرة زادت التوتر، إذ دعمت أنظمة دون معالجة جذور الأزمة، مما زاد من تهميش الأطراف ودفع الشباب إلى أحضان الاقتصاد الإجرامي كخيار بقاء.
بالمجمل، دفع الساحل ثمن تخَلٍّ مزدوج: من نخب محلية فشلت في بناء الدولة، ومن مجتمع دولي تحرك وفق مصالحه لا وفق حاجات إعادة الإعمار الفعلي.
إلى ما تعود أسباب توتر العلاقات بين الجزائر ومالي؟ وما تداعيات ذلك على الصعيد الجيواستراتيجي للبلدين الجارين؟
التوتر بين الجزائر وباماكو يعود إلى سلسلة من التحولات الاستراتيجية. الانسحاب الأحادي للسلطات المالية من اتفاق الجزائر في جانفي 2024 شكَّل نقطة فاصلة. الجزائر رأت في ذلك تقويضًا لعشر سنوات من الوساطة، وخطرًا مباشرًا على استقرار حدودها الجنوبية.
بالنسبة لمالي، هذا المسار قد يزيد عزلتها ويُضعف مساعيها نحو الاستقرار. أما الجزائر، فيجعل حدودها الجنوبية أكثر هشاشة ويُعقِّد استراتيجيتها الإقليمية، خاصة في ظل التهديدات العابرة للحدود. جيوسياسيًا، تعكس الأزمة إعادة تشكُّل تحالفات الساحل، والجزائر لم تجد بعد موقعًا واضحًا ضمن هذا التوازن الجديد.
ما هي المقاربة الجزائرية لتجاوز بؤرة النزاع وتفادي تفاقم الأوضاع بالحدود الجنوبية؟ ما هي الطرق الاقتصادية الواجب اتخاذها لتجنّب إنشاء جبهة توتير بالمنطقة؟
تقليديا، تَرتكزُ المُقاربةُ الجزائريةُ على ركيزتين أساسيتين هما:
- وِساطةٌ سياسيةٌ تهدفُ إلى إعادةِ بناءِ السلامِ بين أطرافِ النزاعِ.
- تأمينٌ داخليٌّ مُعزَّزٌ عبرَ انتشارٍ عسكريٍّ على الحدودِ
لكنْ أمامَ تَسارُعِ التحوُّلاتِ في الساحلِ، هذه المُقاربةُ بحاجةٍ اليومَ إلى مُراجعةٍ. يجبُ الجمعُ بينَ الحذرِ الأمنيِّ واستراتيجيةٍ دبلوماسيةٍ مُتوازنةٍ. ذلكَ يشملُ تعزيزَ مراقبةِ الحدودِ، معَ إعادةِ فتحِ قنواتِ الحوارِ – الرسميةِ وغيرِ الرسميةِ – معَ السُّلطاتِ الماليةِ. من مصلحةِ الجزائرِ تَجنُّبُ أيِّة مُواجهةٍ مباشرةٍ في جوارِها القريبِ.
ولهذا، أُقترحُ "استراتيجيةَ العُكّازينِ": تَقويةَ العلاقاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ معَ موريتانيا والنيجرِ، باعتبارِهما محورَينِ يمكنُ أن يُساعدا في تخفيفِ التوتر مع تكتُّلِ تحالفِ دولِ الساحلِ.
لكنَّ ما هو مطلوبٌ يَتجاوزُ الأمنَ، نحوَ سياسةٍ طموحةٍ للساحلِ تَنسجمُ معَ المعطياتِ الجديدةِ: سقوطِ الأنظمةِ القديمةِ، صعودِ السيادياتِ العسكريةِ، تدخُّلاتٍ خارجيةٍ متسارعةٍ. يجبُ أن تَقومَ هذه السياسةُ على تنميةٍ شاملةٍ وتضامنٍ فِعليٍّ معَ أقصى الجنوبِ الجزائريِّ، الذي يُعَدُّ امتدادًا طبيعيًّا وبشريًّا للساحلِ.
الضَّرورةُ الآنَ تَكمنُ في بلورةِ مشاريعَ اقتصاديةٍ عابرةٍ للحدودِ تُعالِجُ الحاجاتِ الفِعليّةَ للسكانِ: ممرّاتٍ تجاريةٍ، شراكاتٍ زراعيةٍ، بُنىً تحتيةً مُشتركةً. الاستثمارُ في التماسُكِ البشريِّ والاقتصاديِّ للجنوبِ هو السبيلُ لتجفيفِ مَنابعِ العنفِ.
كيف يمكن نزعُ فتيلِ الأزمةِ وما هي الأوراقُ التي يجبُ على الجزائرِ أن تَلعَبَها معَ الطرفِ الماليِّ ومعَ شركائِها وحلفائِها لوقفِ تَحوُّلِ المنطقةِ إلى برميلِ بارودٍ؟
لِلخروجِ من هذا المأزقِ، يجبُ أوّلًا وقفُ التصعيدِ اللفظيِّ، وإعادةُ فتحِ قنواتِ حوارٍ هادئةٍ ولكنْ فعّالةٍ. يمكنُ للجزائرِ أن تُراهنَ على شرعيتِها التاريخيةِ كوسيطٍ، دونَ فرضِ إطارٍ صارمٍ، وأن تُعزّزَ علاقاتِها الثنائيةَ المُتمايزةَ معَ دولِ الساحلِ، مثلما أوضحتُ ذلكَ في الجوابِ الرابعِ.
على خلفيّةِ الأزمةِ ظهرتْ موجةٌ عنصريةٌ في "فيسبوك" من الطرفين، فيما بَرَزَتْ دعواتٌ إيجابيةٌ بنّاءةٌ للتهدئةِ وللملمةِ الوضعِ. ما هو تصوّركَ الخاصُّ للخروجِ من عنقِ الزجاجةِ؟
كَشَفَتْ هذهِ الأزمةُ عن وجودِ عنصريةٍ هيكليةٍ غالبًا ما يتمُّ تجاهلُها في مجتمعاتِنا. إنّها عنصريةٌ يُغذّيها الجهلُ، والإعلامُ غيرُ المسؤولِ، وخطاباتٌ سياسيةٌ تَفتقرُ إلى الشجاعةِ. ليستْ مجرّدَ انزلاقٍ عابرٍ، بل مؤشّرٌ على أزمةٍ أعمقَ.
ومعَ ذلكَ، فإنّ الدعواتِ إلى التهدئةِ أظهرتْ أنَّ هناكَ إمكانيةً لبناءِ سَرديّةٍ بديلةٍ. من الضروريِّ فتحُ نقاشٍ مجتمعيٍّ حقيقيٍّ حولَ الصورِ النمطيةِ، والاستثمارُ في التربيةِ والتبادلِ الثقافيِّ، وبناءُ مخيالٍ مشتركٍ قائمٍ على الاحترامِ، والذاكرةِ المشتركةِ، والتضامنِ الأفريقيِّ.
الكلمات المفتاحية

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز
في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.

مرشحٌ وحيد.. عزوز ناصري في طريقه لخلافة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة
أعلن رئيس كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، ساعد عروس، ترشيح عزوز ناصري لمنصب رئيس مجلس الأمة.

خليفة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة.. أسماء تنتظر "الضوء الأخضر"
على بُعد أقل من 72 ساعة من موعد انتخاب خليفة رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، المقرَّر يوم الاثنين الـ19 من الشهر الجاري، في جلسة علنية عامّة ستعرف تنصيب الأعضاء الجُدد لمجلس الأمة بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025، يتواصل الغموض حول هوية خامس رئيس للهيئة التشريعية منذ تأسيسها سنة 1996.

توقعات الطقس.. ارتفاع في درجات الحرارة ورياح قوية على السواحل
توقّعت مصالح الأرصاد الجوية اليوم الاثنين، تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة، مع احتمال تساقط بعض الأمطار المحلية.

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز
في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.

22 عامًا على زلزال بومرداس.. شراكة جزائرية يابانية لمواجهة الكوارث
تُشكّل الشراكة الجزائرية اليابانية في مجال الوقاية من الكوارث الطبيعية خطوة مهمّة نحو تعزيز قدرات البلاد على مواجهة المخاطر الزلزالية، تزامنًا مع الذكرى الثانية والعشرين لكارثة زلزال 21 أيار / مايو 2003 الذي شهدته ولايتي بومرداس والعاصمة، وخلَّف وراءه العديد من الآثار المدمرة على الأرواح والممتلكات.

صور وطلاسم حملات تنظيف المقابر تثير جدلًا واسعًا.. ومثقفون: توقفوا عن تعليق الخيبات على مشجب السحر
تشهد الجزائر منذ أسابيع حملات مكثفة لتنظيف المقابر اجتاحت كل الولايات، بترويج واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تحوّل الموضوع من مجرد مبادرات تحرص على العناية والنظافة، إلى هوس شعبي، بما يعتقد أنها أعمال سحر وشعوذة تغزو هذه الأماكن، بفعل ما يتم اكتشافه من طلاسم وصور ورموز، في تعبير عما يصفه البعض ب"الانتشار المرضي" لمثل هذه الاعتقادات في المجتمع.