يبدو أن السلطة فشلت في إقناع الناخبين بالالتحاق بصناديق الاقتراع رغم التجنيد المؤسّساتي والتعبئة الإعلامية، حيث كشفت الأرقام المعلنة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات عن تصويت حوالي ثمانية ملايين و493 ألفًا فقط، من أصل قرابة 25 مليون ناخب، وبذلك يقدّر عدد الممتنعين عن التصويت بأكثر من 15 مليون ناخب.
سجّلت الجزائر أدنى نسبة تصويت في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية التي جرت منذ عام 1995
ثلاثة عقود من الاقتراع
سجّلت الانتخابات الرئاسية في الجزائر، أدنى نسبة تصويت في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية التي جرت في البلاد منذ عام 1995، ومنذ التعدّدية السياسية والحزبية والإعلامية التي جاءت بعد دستور 1989، حيث بلغت نسبة المشاركة الفعلية هذه المرّة 34.7 في المائة، في حالة عدم احتساب الأوراق الملغاة.
مقارنة بالاستحقاقات الرئاسية السابقة، لم تنزل نسبة المشاركة في نيسان/أفريل 2014، عن مستوى الـ 50 في المائة، وفي انتخابات عام 1995 برغم الظروف العصيبة التي كانت تمرّ بها الجزائر بسبب الأزمة الأمنية، فإن نسبة التصويت بلغت حينها 61.29 في المائة بفوز الرئيس الأسبق اليامين زروال، وفي الانتخابات التي تلتها، أي في عام 1999 قدّرت نسبة التصويت بـ 60 في المائة، بسبب انسحاب المرشحين الستة المنافسين للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة حينها، وهم أحمد طالب الإبراهيمي، وحسين آيت أحمد، ومولود حمروش، ويوسف الخطيب، ومقداد سيفي، وعبد الله جاب الله، يوم الاقتراع احتجاجًا على ما اعتبروه تزويرًا لصالح المرشّح السادس بوتفليقة.
وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2004، ظلّت نسبة التصويت في المستوى نفسه تقريبًا ولم تتراجع كثيرًا، إذ قدرت بـ 58 في المائة، برغم مستوى من التنافس السياسي المشحون بين المرشح بوتفليقة ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس، وفي الانتخابات الرئاسية التالية عام 2009، ارتفعت نسبة التصويت إلى 74 في المائة، برغم أن تلك الانتخابات لم تكن تتضمن أية تنافسية سياسية جديّة، بسبب ضعف منافسي الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة. وانخفضت نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 إلى 51 في المائة، والتي جرت في ظروف خاصّة، بسبب تمسك بوتفليقة بالترشح رغم غيابه التام عن المشهد السياسي، فضلًا عن التوترات السياسية الإقليمية في فترة ثورات الربيع العربي.
يعتقد متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن نسبة التصويت لم تعدّ تشكّل أي عقدة بالنسبة للسلطة كما أنها لم تكن مفاجئة، إذ يقرأ الأستاذ في العلوم السياسية عبد الله بخوش نسبة التصويت في انتخابات الخميس، بأنها مقبولة إحصائيًا خاصّة وأن أغلب دول العالم تعيش المستوى نفسه، لتفاعل الناخبين مع العملية الانتخابية، كما أنها سياسيًا كذلك معقولة ومقبولة "نظرًا للوضع المتأزّم سياسيًا، والذي عرفته الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، منذ بدءِ الحراك الشعبي ثم استقالة الرئيس بوتفليقة، وتصاعد الاحتجاجات طيلة أزيد من تسعة أشهر"، على حدّ قوله.
الأوراق الملغاة منافس حقيقي
تجدر الإشارة إلى أن هناك كتلة ثابتة من الناخبين اللذين يصوّتون في المواعيد الرئاسية، لكنهم يرفضون التعبير عن موقف انتخابي لصالح أيّ من المرشحين، ما يؤدّي إلى إلغاء أوراق التصويت الخاصة بهم ، حيث سجلت انتخابات 12 كانون الأوّل/ديسمبر إلغاء أزيد من 1.2 مليون ورقة تصويت، وهو رقم يقترب من عدد الأوراق الملغاة في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014، والتي بلغت وقتها 2 مليون صوت، بينما كان عدد الأوراق الملغاة في انتخابات الرئاسة عام 2009، 1.04 مليون ورقة، ولم تتجاوز 310 ألف ورقة في انتخابات الرئاسة عام 2004، و250 ألف ورقة تصويت تم إلغاؤها في انتخابات عام 1999.
ويعتقد الأستاذ بخوش، أن الورقة الملغاة في انتخابات الخميس، منافس حقيقي أيضًا في هذه العملية، وأثرت على النسبة بتباعد بين الفائز عبد المجيد تبون والثاني عبد القادر بن قرينة، وبقية المرشحين بحسب الأرقام، إذ أعلنت السلطة العليا المستقلة للانتخابات اليوم الجمعة، فوز المترشّح المستقل عبد المجيد تبون رسميًا في الانتخابات الرئاسية في الجزائر، مؤكّدة أن تبون تحصل على 4945116 صوتًا بنسبة 58.15 في المائة، بينما تحصّل مرشح حزب حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة على نسبة 17.38 في المائة، وحصل مرشح حزب طلائع الحرّيات علي بن فليس على نسبة 10.55 في المائة، ومرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي على 7.26 في المائة، بينما في المرتبة الأخيرة حصل مرشّح جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد بنسبة 6.66 في المائة.
سلوك سياسي
بالأرقام التي قدمتها سلطة الانتخابات، يعدّ المقاطعون كتلة مهيمنة، إذ بلغ عدد المصوتين 9 ملايین و692 ألف جزائري من أصل 23 ملیون و559 ألف و853 ّ من إجمالي المواطنین المسجلین في القوائم داخل البلاد، وبذلك فإن عدد المقاطعين قدر بـ15 مليون ناخب امتنعوا عن التصويت من بين العدد الإجمالي للهيئة الناخبة، وهو ما يطرح سؤالًا حقيقيًا في انتخابات الرئاسة الجزائرية، فهم الكتلة التي لا يمكن غضّ الطّرف عنها في انتخابات كانت تجري على صفيح ساخن، كما يقول أستاذ الاتصال السياسي محمد لعضايمية في تصريح لـ" ألترا جزائر"، حيث إنّ "المقاطعة سلوك سياسي وتعبير صارخ عن رفض هذه الانتخابات بحجّة عدم استيفائها لشروط إقامتها، والمسار الانتخابي الذي ألغى صوت الحراكيين في الشارع، وهو معطى لا يمكن تجاهله من الرئيس الفائز بالسلطة الحالية".
السلطة في نظر المقاطعين، كانت تعزف منفردة متجاهلة أصوات الرافضين للانتخابات. هنا، يقول الناشط الحقوقي من ولاية أم البواقي السعيد بلكربي لـ"الترا جزائر"، إن المقاطعين انتصروا إحصائيًا في هذه اللعبة وحتى في الشارع الذي يواصل مسيراته، على حدّ تعبيره.
تظل ولايات منطقة القبائل عصية على الترويض الانتخابي لارتباطات سياسية وتاريخية
منطقة القبائل والمقاطعة
منطقة القبائل هي الأضعف من حيث نسبة المشاركة في الانتخابات، مقارنة بالرئاسيات السابقة، إذ سجلت ولاية تيزي وزو نسبة مشاركة هي الأضعف في تاريخ الانتخابات الجزائرية بـ 0.14 في المائة بتصويت 250 شخصًأ فقط من بين أكثر من 700 ألف مسجل، تليها بجاية بـ 0.21 في المائة بتصويت 1181 ناخبًا من بين أزيد من نصف مليون مسجل تليها البويرة بـ 21.24 في المائة ثم بومرداس بنسبة 25.37 في المائة، وبالمقارنة مع الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 2004، لم تتجاوز نسبة المشاركة في تيزي وزو 21 في المائة، و14 في المائة بولاية بجاية. وفي الانتخابات الرئاسية سنة 2009، سُجلت أدنى نسبة مشاركة وتصويت بولاية بجاية بـ21.30 في المائة، و21.45 في المائة بولاية تيزي وزو، وحافظت على النسبة نفسها تقريبًا في انتخابات 2014، إذ بلغت نسبة المشاركة المعلنة من طرف السلطات 20 في المائة بولاية تيزي وزو، بينما بلغت في ولاية بجاية نسبة 23 في المائة.