31-ديسمبر-2024
انتعاش صرف العملة الصعبة في الجزائر

انتعاش "ترحيل" العملة للخارج في احتفالات رأس السنة (صورة: تركيب الترا جزائر)

فريق التحرير - الترا جزائر 

قبل ساعات من احتفالات رأس السنة في الجزائر، عاود سعر الأورو الارتفاع مجددًا؛ فالرحلات المنظمة إلى الخارج وحاجة المسافرين إلى العملة الصعبة والإجراءات البنكية التي ضيقّت مساحة اقتناء الأورو من صرّافاتها، كلّها عوامل ساهمت في انتعاش أسعار "الورق الأخضر" في السوق السوداء.

يستطيع الجزائريون الاعتماد على ما يشبه "بنوكًا موازية" تمكّنهم من تحويل مبالغ قدرها 100 ألف أورو إلى الخارج في عملية واحدة

بداية، يعترف كثيرون بأن حاجة الجزائريين إلى العملة الصعبة في تصاعدٍ مستمرّ، فارتفاع مستويات الهجرة إلى الخارج، وتزايد نشاط تجارة "الكابة" بسبب منع الاستيراد، وظروف أخرى مثل وجود جالية جزائرية كبيرة في الخارج وفي أوروبا على وجه التحديد، إضافة إلى السياحة الخارجية والدينية، كلّها عوامل تجعل من الحركة الاقتصادية والمالية نشطة طوال السنة، في مقابل ذلك لا يوفّر البنك كل هذه الكميّات المالية ويُحاصرها بإجراءات قانونية مشدّدة بحجّة الحفاظ على احتياطي الصرف.

نتائج عكسية 

هذه الإجراءات المتعلقة بوقف نزيف العملة الصعبة من البنوك، ستُسهم أيضًا بردّة فعلٍ عكسيةٍ؛ بدايةً من عزوف المهاجرين والعمال الجزائريين في الخارج من إيداع أموالهم في البنوك الجزائرية بسبب هذه التضييقات، لخوفهم من عدم إعادة تحويلها بمرونة إلى بنوكهم في الخارج، ويلجؤون إلى طرق أخرى توفّر عنهم مشاق المرور على البنوك الجزائرية، وليس انتهاءً بانتعاش السوق الموازية بسبب الطلب على الأورو.

مسافرون جزائريون

إلى هنا، عرفت نهاية السنة الجارية قراريْن متعلقّين بتصدير الأورو إلى الخارج، فالأول ألهب السوق الموازية ورفع سعر الأورو إلى حدود 26 ألف لكل 100 يورو، والثاني لم يكن له تأثير قويّ أو تأثير مؤقّت على سوق "السكوار" بعد قرار رئاسي يقضيّ برفع المنحة السياحية إلى 750 أورو لكل مواطن لمرّة واحدة في السنة.

"السكوار" هو الحل 

بدا هذان القراران، كمن يحصّل "من الشاة أذنها" وبعدما كان الجزائري قادرًا على إخراج 7500 يورو في كل رحلة خارج الوطن، وما دون الـ 1000 يورو بدون تصريح، فإنه سيُخرج المبلغ نفسه ولكن لمرة واحدة في السنة، والسؤال المطروح الآن: من أين سيحصل الجزائري على هذا المبلغ والبنك الجزائري لا يُوفر سوى عُشُره، أي 750 أورو؟

"طبعًا، سيلجأ المواطن الجزائري إلى السوق الموزاية"، كانت هذه إجابة الشاب أمين، وهو أحد المشتغلين في سوق الصرف "السكوار" بالعاصمة، إذ يؤكّد أن الأورو عرف انتعاشًا في الساعات الأخيرة قبيل نهاية السنة، بعدما عرف تعثّرًا خلال الفترة الماضية إثر قرار رفع المنحة السياحية، وهو قرار لم يتم تطبيقه بعد.

يُضيف أمين، في حديث إلى "الترا جزائر" أن سعر الدولار في السوق السوداء في آخر أيام 2024، بلغ 234 دينار لكل واحد دولار للشراء و235 دينار لسعر البيع، أمّا الأورو فارتفع مؤخرًا إلى 243 دينار، لسعر الشراء و245 دينار لسعر البيع، مؤكّدًا أن هذا الارتفاع سيستمرّ حسب خبرته في سوق الصرف الموازية.

سألناه إلى كان بإمكاننا تحويل مبلغ كبير في فرنسا؟ فأجاب بالتأكيد: "ما هو المبلغ الذي تحتاجه هناك؟ لدي 20 ألف دولار جاهزة الآن في باريس إن كنت ترغب في ذلك".

وعن طريقة إتمام هذه الصفقة، أوضح محدثنا أنه علينا تسليم قيمة هذا المبلغ بالعملة الوطنية هنا يدًا بيد، ويقوم بتحوليها بنكيًا إلى حسابك المصرفي فرنسا، ويمكنك أن تتأكد من وصول المبلغ المالي إليك هنا قبل دفع ما عليك هنا من خلال التطبيق الإلكتروني".

يسترسل الشاب أمين في الحديث عن وجود ما يشبه "بنوكًا موازية" في الجزائر، تقوم بتحويل أموال الجزائريين يدًا بيد، وفي ظلّ الإجراءات البنكية المشددّة في الجزائر، المطبقة حتى على غير المقيمين في الجزائر، وانتعاش تجارة "الكابة"، لجأ جزائريون إلى طرق سهلة وغير معنية بالمخالفات القانونية، فأمرٌ مثل هذا يعتمد على عامل الثقة بين الناس، ويتم التعامل به بكثير من الحذر من الغرباء، على حدّ تعبيره.

ويُفصح أمين، أن شبكته لتصدير الأموال متوزعة على عدد من الدول، فبإمكانه من خلال شبكة علاقاته مع التجار والعملاء وأصدقائه وأقربائه في الخارج، تحويل الأموال إلى كل من تركيا والإمارات وفرنسا والصين وحتى إنجلترا.

وعن مشاكل تحويل الأموال بهذه الطريقة، يعود ويؤكّد أنها مسألة ثقة بين الزبائن فهو يتعامل مع الغرباء أو العملاء الجدد، بأن يستلم المال أولًا قبل تحويله إلى رصيد بنكي في فرنسا أو غيرها من الدول، ويمكن للزبون أن يتأكّد بعد دقائق من إتمام هذه العملية، أمًا إن كان الزبون معتادًا على التعامل معه فإجراءات هذا التحويل تتم بالهاتف فقط.

فيزا كارد

تحويل 100 ألف أورو

ويُواصل القول إنّ إيداع الأموال في البنوك الفرنسية سهل للغاية ولا إجراءات مفروضة عليه لأن التحويل يكون بين بنكين فرنسيين، ويمكنك إيداع أو تحويل المبلغ الذي تشاء، مستشهدًا بتجربته الشخصية بتحول أموال فاقت 80 ألف أورو وأحيانًا 100 ألف أورو دفعة واحدة.

فقط هناك مشكلة واحدة في إنجلترا، فبنوكها لا تسمح باستقبال أكثر من 5 آلاف دولار، وربما لديهم قوانين أو إجراءات رقابية على الأموال الصادرة إلى بنوكهم، عدا ذلك لا توجد أية مشكلة في تحويل أموال الزبائن إلى هناك بهذه الطريقة.

يعتقد أمين أن تحديد المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية بـ 7500 أورو لمرّة واحدة في السنة، أثر بشكل كبير على تجار "الكابة" في تركيا، فقد كان بإمكانهم، إلى وقت قريب، تصدير أموالهم بنفسهم، والآن سيلجؤون إلى "البنوك الموازية" لفعل ذلك وهي مكلفة قليلًا، وهذا ما سيرفع أسعار المنتجات المستوردة بشكلٍ كبير مما كانت عليه، وفي النهاية فالمواطن الجزائري هو من سيدفع ثمن هذه التبعات.

بنك الجزائر

يبدو أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات للقضاء على السوق الموازية للعملة الصعبة، ستفاقم الوضع، وتؤدي في النهاية إلى انتعاش ما يُعرف بـ "البنوك الموازية"، وسيعتمد الجزائريون على طرق أكثر أمنًا وسرية لتهريب العملة إلى الخارج، بعيدًا عن أعين الرقابة، فطريقة تسليم الأموال يدًا بيد واستقبالها في بنك في الخارج دون وجود سقف لكمية هذه الأموال، هي طريقة لا يمكن مراقبتها حاليًا وتنشط هذه الشبكات منذ سنوات دون انتباه من السلطات أو الحديث الإعلامي.

ليس هذا فحسب، فبطاقات "الفيزا" والبنوك الرقمية والتحويلات الإلكترونية، تُعتبر الحل الأمثل في الجزائر للباحثين عن تحويل العملة دون المرور على البنوك الجزائرية، فتجارة البطاقات الرقمية دخلت سوق "السكوار"، وهي تجد طريقها إلى الانتشار بسرعة كبيرة في البلاد.

بطاقات الفيزا 

لم يعد باعة الأورو والدولار في السوق الموازية يعتمدون على تصريف العملات يد بيد، فهم يمتلكون أيضَا بطاقات رقمية، ويقومون بتحويل الحملات من الجزائر إلى الخارج بأسرع الطرق، ويمكن لداخل سوق "السكوار" أن يسأل أي بائع هناك عن هذه الخدمة ليعرف أنها متوفرة.

بعد تراجع الاعتماد على بطاقة "بايسيرا" واتهام السلطات الجزائرية للبنك الليتواني في الجزائر بإنشاء فرع خفي على أراضيها، عمد الجزائريون إلى اعتماد بطاقات أخرى كثيرة منها "بايبال" و"وايز" و"ريفولت" و "ريدوتباي" وتمكّن هذه البطاقات من استقبال الأموال من الخارج وإعادة بيعها بالدينار الجزائري، والأهم من ذلك أنها مطلوبة كثيرة خاصة في مجال التسوّق الإلكتروني، أما قيمتها في السوق فهي مرتفعة عن الأسعار المتداولة في السكوار.

بالعودة إلى البنوك الموازية، تكفي جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي على موقع فيسبوك، لنجد أن هناك صفحات كثيرة توفّر خدمة تحويل الأموال إلى الخارج وبكميات معتبرة تصل حتى إلى 80 ألف أورو في العملية الواحدة، وتنشط هذه الصفحات بشكل علني، وتوفر أرقام هواتف للاتصال والاستفسار، وهو ما يجعل الإجراءات الأخيرة التي اعتمدها البنك غير فعالة، ورّبما ستسهم قريبًا في اعتماد الجزائريين على وسائل بديلة عن البنك تفاديًا للإجراءات "البيروقراطية".

العملة الجزائرية

حلول "البنوك الموازية"

في هذا السياق، توفّر صفحة "الوسيط لتحويل الأورو إلى الجزائر" بسعر الصرف في السوق السوداء، خدمات لزبائنها بتحويل الأموال من الخارج نحو الداخل، حيث جاء في إعلانها "خدمة توصيل الاموال من أوروبا إلى الجزائر بسعر صرف السوق السوداء، وتوفر أيضًا خدمة التحويل من كل دول العالم إلى الجزائر بالدولار الأميركي أو الأورو أو الجنيه الإسترليني".

وتشرح ذلك في منشروها، بأن تحويل المال يكون "عن طريق البنك إلى حسابنا البنكي في ألمانيا واستلام أموالكم في يد بيد أو عن طريق البريد بالدينار الجزائري".

وينشر أحد متابعين صفحة الجالية الجزائرية في إيطاليا، يدعي محمد خلاف، إعلانًا يعرض فيه خدمات تحويل العملة الصعبة بين الجزائر وأوروبا قائلًا: " نوفر لكم تحويل الأورو أو الدولار من كل الدول الأوروبية إلى الجزائر والعكس ومن الجزائر إلى كل دول العالم".

عرفت نهاية السنة الجارية قرارين متعلقين بتصدير الأورو إلى الخارج، فالأول رفع سعر الأورو والثاني لم يكن له تأثير قويّ في خفض الأسعار بسوق "السكوار"

عمومًا لم تزيد هذه الإجراءات الأخيرة، إلا في انتعاش الأسواق الموازية للعملة الصعبة، والأسوأ من كل هذا، أن عملية تحويل الأموال عن طريق ما يسمى بـ "البنوك الموازية"، أن هذه الأموال تبقى في الخارج، ولا تُضاف إلى احتياطي الصرف في الجزائر، إذ أن الزبائن يدفعون عمولات بالدينار الجزائري في الجزائر للحصول على أموال في الخارج بالأورو، حيث تبقى هذه العملة في الخارج ولا تدخل إلى الجزائر، إذ أن الأمر يعتمد على المبادلة والحصول على هامش الربح، دون وجود حركية حقيقية للأموار، وهو ما يحرم البنوك الجزائرية من سوق حقيقية، كان يمكن استغلالها، بعيدًا عن القرارات الارتجالية والعشوائية.