20-يونيو-2019

شباب متطوّعون تكفّلوا بنقل مساعدات إلى مدينة جانت المتضرّرة من افياضانات (فيسبوك/ الترا جزائر)

ليس من رأى كمن سمعا، كان هذا هو شعار شباب جزائري وهمّ يقطعون مسافة تتجاوز ألفا كيلومتر برًا، ليقفوا على حقيقة ما خلّفته الفياضانات المدمّرة في مدينة جانت أقصى الجنوب الجزائري، استجابة لنداءات إنسانية، ورغبتهم التطوّعية في ميدان تقديم يدّ العون المساعدة، لسكّان المدينة التي أغرقتها السيول وجرفت منازلها الطينية.

الشباب الجزائري المتطوّع، لم يلتفت إلى التقارير المطمئنة التي نقلتها وسائل إعلامية، عن أخبار التكفّل بالمتضرّرين من الفيضانات

ألفان ومائتي كيلومتر أو يزيد، هي المسافة الفاصلة بين الواقع، وبين ما تنقله قنوات تلفزيونية عن الفياضات التي أصابت مدينة جانت، التابعة إداريًا لمحافظة إليزي جنوبي البلاد، إذ لم ينتظر هؤلاء التقارير المطمئنة التي نقلتها وسائل إعلامية، عن أخبار التكفّل بالمتضرّرين من الفيضانات، وتدخّل السلطات المحليّة لتقديم المساعدات.

اقرأ/ي أيضًا: مدينة جانت.. نكَبتها الأمطار والجغرافيا والإعلام

قوافل المساعدات نحو مدينة جانت، التي التحق بها ياسين ومحمد وسليم وتوفيق وغيرهم من عشرات الشباب، أسهمت بشكل كبير في الهبّات التضامنية الموجّهة لإغاثة أهالي مدينة جانت، بعد تضرّر بيوتهم من الأمطار الغزيرة التي تساقطت عشية عيد الفطر، "إنهم أهلنا الذين استضافونا وأكرمونا وافتخروا بنا"، يقول توفيق عمران أحد الشباب المتطوّع في مسار هذه الرحلة.

40 ساعة، كانت المدّة الزمنية التي استغرقتها رحلة مجموعة من الشباب المتطوّع من نشطاء الجمعيات الخيرية والشبابية من مختلف مدن الشمال الجزائري، كانت انطلاقة الشباب من العاصمة الجزائر، وتحديدًا من محطة خروبة البريّة لنقل المسافرين، ورغم المسافة الطويلة ومشقّة الرحلة، إلا أنّ همّهم كان واحدًا وهو إيصال المئونة والأدوية والأغذية للمواطنين هناك.

لا شيء مستحيل

قبل انطلاق الرحلة، لقيت مبادرة الناشط توفيق عمران نداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي استجابة واسعة من طرف نشطاء ومواطنين، أبدوا استعدادهم للعمل على المساهمة أو جمع التبرّعات، وانضم إليه عشرات المتطوّعين من مختلف الولايات الجزائرية، لترويج الفكرة وتجميع المواد المقصود نقلها إلى مدينة جانت، في أقرب وقتٍ ممكن، يقول عمران في حديث إلى "الترا جزائر".

المبادرة التي أطلقها الشباب حملت إسم "قوافل إغاثة كان جانت". انتشرت الفكرة بسرعة، واستجاب لها كثير من الشباب عبر مختلف الولايات: وهران، بجاية، قسنطينة، تيزي وزو، تيبازة، النعامة، غرداية والبيض إضافة إلى العاصمة الجزائرية.

النداءات عبر مواقع التواصل حسب الشاب محمد طيطوم أتت أكلها، مردفًا في حديث إلة "الترا جزائر" أنه تمكّن من التواصل مع زملائه ممن سبق لهم القيام بنشاطات اجتماعية، وهو ما ساعد في الالتفاف على الهدف الإنساني لإغاثة سكان المدينة المنكوبة، مضيفًا أنّه "وثّق محطّات هذه الرحلة على حسابه الفيسبوكي، ليطلع الجزائيون والعالم أجمع، وتصل رسالة مفادها أنّه عندما تتّحد مجهودات الشباب فيمكن تحقيق المستحيل".

واجب إنساني

من جهة أخرى، يعترف الشاب ياسين متيش أحد المشاركين في الرحلة، بأنها تجربة لن تتكرّر من عدّة نواحي، موضحًا في تصريح لـ" الترا جزائر"، أنّها علّمت الشباب الأشياء الكثيرة، أهمّها التضامن بين مختلف أفراد الوطن الواحد، فضلًا عن تلبية نداء الواجب الإنساني، مضيفًا أنها "رغم كل المسافة الطويلة التي قضتها المجموعة، إلا أنها علّمتهم الشعور بمعانات الآخرين، وتقاسم المسؤولية ولو فرّقتنا المسافات والجغرافيا".

أما بلال بن عمار، اعتبر سفرية  جانت، من أجمل الرحلات التي علّمته معنى  التكافل والتضامن بين أفراد الشعب الواحد" لافتًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ الانتماء لهذا الوطن، لا يمكن أن يكون شعارات وكتابات تُرفع هنا وهناك أو نعبّر بها لفظيًا، بل يجب أن تمارس يوميًا في تعاملنا وفي تحركاتنا لأنّ الجزائر برأيه أكبر وأعمق مما نتصوّر، يقول المتحدّث.

في هذا السياق، يعتبر الناشط الحقوقي محمد العربي غيشي، أن هذه القافلة الإنسانية ورغم مشقّة السفر، علّمتهم بأن الجزائر ليست العاصمة فقط، وليست المدن الكبرى، فالجزائر بكل خيراتها تنتشر على مساحة شاسعة على حدّ قوله.

وأضاف غيشي أن مسار الرحلة تمّ عبر عدّة مناطق، منذ الانطلاق بمحطة خروبة بالعاصمة الجزائرية نحو ولاية ورقلة، ومنها نحو منطقة حاسي مسعود مرورًا بمنطقة عين أمناس، ثم ولاية إليزي وصولًا إلى مدينة جانت.

صنّاع الحياة

في رحلة إغاثة سكان جانت، ربطت الجمعيات الخيرية، شبكة اتصالاتها ببعضها البعض قصد التنسيق مع جمعية "صنّاع الحياة" بمدية جانت، وهي الجمعية التي عملت على التواصل بين المتعاطفين من الشباب من كل الولايات من أجل ايصال المئونة إلى أصحابها.

هنا يقول محمد دلومي في حديث إلى " الترا  جزائر"، إن  المتطوّعين والناشطين ومختلف الجمعيات ذات الطابع الإنساني سواء في جانت أو إليزي، أو في كل المدن الجزائرية، تمكّنت من توصيل وسائل الدعم للمواطنين ومساعدتهم في ظرف كهذا بسبب الكارثة الطبيعية التي حلت بهم، وقدّ سُجل وصول حوالي أربعين طنًا من الأفرشة والألبسة والأغذية والأدوية.

يُذكر، أن الهلال الأحمر الجزائري قاد قافلة أيضًا لإغاثة سكان جانت، وهي خطوة استحسنها سكان المنطقة رغم بطئ عمليّة التدخّل، إذ تزامنت مع أيّام العيد الماضية، فضلًا عن المسافة الطويلة التي قطعتها مختلف شاحنات المساعدات.

مطالب سكان مدينة جانت اليوم، لا تقتصر فقط على حاجياتهم اليومية، فهم بحاجة إلى إعادة تهيئة الطرقات وترميم منازلهم المتضرّرة

مطالب سكان مدينة جانت اليوم، لا تقتصر فقط على حاجياتهم اليومية، فهم الآن في انتظار تدخّل السلطات المحلية، من أجل إعادة تهيئة الطرقات التي تضرّرت كثيرًا جراء الفياضانات، فضلًا عن إعادة بناء وترميم المنازل التي أغرقتها وجرفتها السيول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القصبة العتيقة تنهار.. الإنسان والتراث مهددان في الحي الأثري

فنوغيل.. المنطقة التي أنصفها التاريخ وظلمتها الجغرافيا