22-سبتمبر-2021

الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة (تصوير: فايز نور الدين/ أ.ف.ب)

برحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، هناك قاسم مشترك يُقربه من باقي الروؤساء والمسؤولين السابقين الذين التحقوا بالثرى، ألا هو غياب مذكّرات تتضمن سيرتهم الذاتية والسياسية، تُبرز فيه مختلف المحطات التاريخية والمراحل السياسية الصعبة، ومُناسبة تُفتح فيه الانطباعات الشخصية والملاحظات والرؤية النقدية لمختلف الأحداث التي عاشتها الجزائر.

 كأن غياب المذكرات أصبحت تقليدًا أو عقدًا عزموا على الالتزام به جميعًا

 كأن غياب المذكرات أصبحت تقليدًا أو عقدًا عزموا على الالتزام به جميعًا، جيلٌ كامل شارك في الثورة التحريرية، تقلّد بعدها مناصب سياسية وعسكرية ومنها وزارية، لعب البعض منهم أدوارًا داخل العلبة السوداء للنظام، اجتمعوا واتفقوا على واجب التحفظ والرحيل في الصمت. 

اقرأ/ي أيضًا: عبد العزيز بوتفليقة.. ختام "قسري" لسيرة رمادية

طبعًا هناك استثناءات، فالمرحوم الشاذلي بن جديد أصدر مذكرات تناولت فترة طفولته والتحاقه بالثورة التحريرية، في حين يبقى الجزء الثاني من المذكّرات في خبر غير معلوم، المجاهد على كافي أيضًا كتب سيرته الذاتية، لتقف عند حدود مشاركته في حرب التحرير الوطنية، بينما لم يتناول شيئًا عن فترة تَعد من أهمّ المراحل في تاريخ الجزائر ما بعد تشرين الثاني/أكتوبر 1988،  خاصّة المتعلقة برئاسة المجلس الأعلى للدولة. لقد رحل  الرئيس السابق هواري بومدين دون مذكّرات، وأفضى أوّل رئيس للجمهورية أحمد بن بلة إلى ربه دون أن يؤلف كتابًا يكشف في الأسرار والخفايا، ماعدا سلسلة حوارات أجراها مع صحافي الجزيرة أحمد منصور.   

شخصيات أساسية ساهمت في بناءً هيكل النظام السياسي المعقد، رحلت دون أن تترك لجيل متعطش لفهم تركيبة النظام السياسي وميلاده، وآلياته ومن يتحكّم في إدارته، وكيف تنسج التحالفات بداخله أو بالمختصر ما هي طقوسه؟

 فعلى سبيل الذكر وليس الحصر نذكر عبد الحفيظ بوصوف، كريم بلقاسم، بن طوبال، محمد يزيد، شريف بلقاسم، قاصدي مرباح، يزيد زرهوني، عبد الحميد مهري، رضا مالك، بشير بومعزة، لعربي بلخير وغيرهم، كان بإمكان كل واحد من هؤلاء أن يساهم في إثراء المكتبة الوطنية والمساهمة في ثراء الساحة السياسية والمعرفية، وتسجيل ما لديهم للتاريخ وإتاحة للمؤرخّين مراجع هامًا، فكل إضافة توثق اللحظات التاريخية والسياسية من مسؤولين سابقين تسمح بإزالة الكثير من ضبابية المشهد، وكشف الملابسات وتجيب عن استفسارات تاريخية وسياسية تستأصل من الساحة التأويلات السطحية والتخمينات.

 هذا الفراغ في المخزون الوطني المتعلّق بالذاكرة ترتب عنه ضعف في تَشَكٌل وعيًا وطنيًا قائم على الشاهدات الموثقة وذات مصداقية.

إنّ عدم اقتناع جيل الثورة التحريرية بالتدوين يعكس نمط التفكير القائم على واجب التحفظ والعقل الأمني الذي جمع المسؤول السياسي والعسكري، إذ يعتقد الكثير أن ما جرى ويحدث في دواليب السلطة من أسرار الأمن القومي، التي لا يجب أن يطلع عليها المواطن العادي، لتتكرّر الأخطاء، وينصرف النقاش الحقيقي إلى النقاش الثانوي والهامشي.

لقد أثمر غياب كتابة المذكرات الشخصية ميلاد جيلٍ لا يحفظ أثار سابقيه ولا يدرك الحقائق الكاملة

لقد أثمر غياب كتابة المذكرات الشخصية ميلاد جيلٍ لا يحفظ أثار سابقيه ولا يدرك الحقائق الكاملة، وباتت السوشيل ميديا مرجعًا قائمة على الدعاية، وسقوط في التعميم، والإشاعة والأحكام القيمية، لطالما كان المسؤول السياسي والعسكري في الجزائر بعيدًا عن دائرة الضوء، لم ينسج علاقات بالوسط الثقافي والأكاديمي ليعمق الفجوة والمسكوت عنه التي لا تزال عالقة حتى بعد رحيلهم عن الحياة، وأمّا على صعيد الشخصي فكتابة المذكرات تُعتبر مقاومة النسيان والفناء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جون أفريك: تجريد زوجة بوتفليقة من امتيازات دبلوماسية في فرنسا

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد