رحيل "جميلة".. بطلة الحراك التي جسّدت واقعها وماتت على رصيف عنابة

 عُثر، مساء الأحد، على جثة الفنانة مبروكة ديدي، المعروفة باسم 'جميلة'، داخل منزلها العتيق في المدينة القديمة بعنابة، بعدما انتشرت رائحة الجثة في المكان، لتكشف عن رحيل صامت لامرأة كانت رمزًا للأمل في زمن الحراك الشعبي.

"جميلة"، التي خلدت قصتها في فيلم "جميلة في زمن الحراك" للمخرج عبد الرحمن حراث، لم تكن تؤدي دورًا في السينما، بل كانت تجسّد حياتها الحقيقية بكل ما فيها من وجعٍ وصبرٍ وإصرارٍ على البقاء

الجثة كانت في حالة متقدمة من التعفن، ما يرجح أن الوفاة وقعت قبل أيام، دون أن يلاحظ أحد غيابها. تم نقلها إلى مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى الجامعي في انتظار نتائج التحقيق لتحديد أسباب الوفاة.

"جميلة"، التي خلدت قصتها في فيلم "جميلة في زمن الحراك" للمخرج عبد الرحمن حراث، لم تكن تؤدي دورًا في السينما، بل كانت تجسّد حياتها الحقيقية بكل ما فيها من وجعٍ وصبرٍ وإصرارٍ على البقاء. فقد كانت تفترش الأرصفة وتنام بين الأزقة القديمة، تعيش بكرامةٍ صامتة، وتقاوم برد الليل برفقة القطط والكلاب، قائلة ذات يومٍ بمرارة: "لا أحد سيفتقدني إن متّ."

الفيلم الذي حمل حكايتها الإنسانية حاز على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير في مسابقة الجزيرة الوثائقية، من بين أكثر من 400 عمل من 30 دولة، بعد تصويت جماهيري وتنقيط لجنة تحكيم متخصصة. ورأى فيه النقاد عملاً استثنائيًا جمع بين الوثيقة والوجدان، لأنه نقل معاناة المهمشين من الشارع إلى شاشةٍ عالمية.

في سبع دقائق، استطاع المخرج حراث أن يختزل مأساة امرأةٍ وجدت في الحراك الشعبي بصيص أملٍ لحياةٍ أفضل، فكانت تردد في المسيرات "جزائر حرة ديمقراطية." كانت لا تفهم تمامًا معنى الشعارات، لكنها كانت تؤمن أن التغيير سيمنحها يومًا جدرانًا تأويها.

يروي المخرج في تصريحات صحفية أن اختياره لجميلة كان بدافع إنساني وفني في آنٍ واحد: "اخترتها لأنها تمثل المرأة الجزائرية المهمشة، التي جعلت من الحراك أملاً للتغيير.

قصة جميلة كانت سلسلة من الخسارات. بعد وفاة زوجها، طُردت من المنزل لتجد نفسها في الشارع. عاشت خمسة عشر عامًا من التشرد، تحتمي أحيانًا بمراكز الشرطة هربًا من الاعتداء، وتعيش على ما يجود به المارة. أما الماضي فكان أثقل من الحاضر، إذ نجت في التسعينات من العشرية السوداء بعدما اغتيل أصدقاؤها من فرقةٍ غنائية كانت تشاركها العمل، فهجرت الفنّ واعتزلت الغناء لتنجو بحياتها.