بوفاة قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح المتزامن مع تسلّم الرئيس الجديد عبيد المجيد تبون مهامه في سدّة الحكم، تكون الساحة السياسية على موعد مع تغييرات تطال الفواعل المؤثّرة والمؤثّثة للمشهد العام.
عبد الله حموش: لا يُتوقّع أن يُحدِثَ اللواء سعيد شنقريحة أيّ تغيير في توجّهات الجيش
الرئاسة والعسكر
حتى قبل وفاة قائد الأركان قايد صالح، كانت أكثر الأسئلة المطروحة تداولًا، تتعلّق بكيفية تعامل الرئيس تبون مع المؤسسة العسكرية، وطبيعة العلاقة التي ستربط بين الرئيس الجديد وقائد أركان الجيش، وما إذا كان الأخير سيتيح للرئيس تبون العمل بأريحية سياسية، مقارنة مع طبيعة المرحلة والظروف التي تمّ انتخابه فيها. لكن الانسحاب المفاجئ لقايد صالح بوفاة صادمة شكّل رهبة لدى الجزائريين، وسرّع أكثر باتجاه البحث عن مقاربة للواقع الجديد، حيث فقد الرئيس تبون أحد أبرز الشخصيات الداّعمة له كمؤسسة رئاسية.
اقرأ/ي أيضًا: المشهد السياسي في الجزائر.. ماذا بعد الانتخابات الرئاسية؟
حتى يوم الانتخابات الرئاسية الماضية، ظلّ قائد أركان قائد الجيش أكثر تمسّكًا باستكمال المسار الدستوري إلى نهايته، وحرص على تنظيم انتخابات في أقرب الآجال "كما أرادها"، وهو ما سمح بصعود تبون نهاية المطاف، وردّ الأخير هذا الجميل، بتكريم قائد الأركان الراحل بوسام من مصف صدر وهو أعلى وسام في الجزائر.
يتّفق كثيرون، حول فكرة أن قائد الأركان قايد صالح، كان وراء تسيير المرحلة الانتقالية في البلاد ولو بطريقة غير مباشرة، بداية بدفعه نحو استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ليخرج من قصر الرئاسة باستقالة علنية يوم الثاني من نيسان/أفريل الماضي، وانتهاءً بانتخاب الرئيس تبون يوم الـ 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري. مرحلة في أعين المتابعين للشأن العام كانت "أصعب فترة تمرّ بها السلطة الجزائرية منذ انتخابات 2014، حيث اتّسمت بالفوضى في إصدار القرارات، والتصريحات والخطابات"، إذ يُذكر أن قائد الأركان قام بـ 50 زيارة ميدانية للقواعد والنواحي العسكرية في الجزائر منذ بداية الحراك الشعبي، وألقى 54 خطابًا.
عقيدة الجيش
إلى السطح، قفز اسم قائد القوّات البرّية اللواء سعيد شنقريحة لخلافة الفريق قايد صالح، وهو أكثر القيادات العسكرية قربًا من قايد صالح بحسب العارفين بخبايا المؤسّسة العسكرية، فضلًا على أنّ قائد القوّات البريّة في عقيدة الجيش الجزائري، ينوب آليًا قائد أركان الجيش في مثل هذه الحالات، إذ تذكر بعض المصادر لـ"الترا جزائر"، أن اللواء المعيّن من قبل الرئيس الجزائري في قيادة الأركان الجزائرية، "كان يدعم كلّ المواقف والقرارات والخيارات التي دفع إليها قايد صالح"، موضّحة أن هذه المعلومات المتوفّرة حول الجهاز العسكري في علاقته بمؤسّسة الرئاسة، تضمن للرئيس الجديد حصوله على دعم المؤسّسة العسكرية.
لا يُتوقّع أن يُحدِثَ اللواء سعيد شنقريحة، أيّ تغيير في توجّهات المؤسّسة العسكرية وعلاقتها بالقضايا السياسية والوضع الراهن، بحسب الباحث في العلوم السياسية عبد الله حموش في حديث إلى " ألترا جزائر"، مضيفًا أن هناك "إمكانية تقارب في الموقف بين اللواء شنقريحة وعبد المجيد تبون فيما يخصّ استبعاد عدد من القيادات العسكرية التي حاولت توجيه مواقف الجيش خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح مرشّحٍ آخر، وهو ما سيتمّ تأكيده في قادم الأيام".
الحراك أيضًا
إذا كان غياب الفريق أحمد قايد صالح عن المشهد يعني بالنسبة لتبّون فقدان أبرز داعميه، فإن مكونّات الحراك الشعبي في الشارع الجزائري، تبدو أيضًا معنية بغيابه، خاصّة وأن العلاقة بين الحراك والفريق الرّاحل "لم تكن سوية أو هادئة" يقول الناشط الحقوقي محمد ناصري لـ "الترا جزائر"، وذلك منذ أكثر من 30 جمعة، بل كنت العلاقة مكهربة، "بسبب تمسّك قايد صالح برئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح، والوزير الأوّل السابق نور الدين بدوي، ورفضه السّماح ببدء مسار انتقال ديمقراطي توافقي".
وأضاف ناصري، أنه منذ جمعات كثيرة تحوّلت العلاقة بين قائد الأركان الراحل والحراك الشعبي إلى حالة من الصدام السياسي والاشتباك اللفظي، وتحوّل الحراك إلى "رفع مطالب برحيل قايد صالح من منصبه واحتسابه على نظام بوتفليقة"، وبالمحصّلة فإن "القدر تولّى تحييد قايد صالح، تزامنًا مع رحيل اثنين من الباءات التي ظلّ الحراك يطالب برحيلهما، رئيس الدولة عبد القادر بن صالح والوزير الأوّل نور الدين بدوي".
الحراك الشعبي مازال متمسّكًا بمطالبه رغم الأحداث الأخيرة بعد الرئاسيات
في وفاته كما في حياته، انقسم الشارع الجزائري حول الفريق قايد صالح، بين مثمّن لمواقفه ومرافقته للحراك الشعبي منذ شبّاط/فبراير الماضي، ورفضه سقوط ضحايا في الحراك الشعبي، إذ يُحسب له أنه حافظ على أرواح الجزائريين بعدما وعد بعدم إسالة قطرة دم واحدة خلال المسيرات"، وبين كتلة أخرى فضلت احترام الموقف الإنساني والأخلاقي الذي تفرضه مثل هذه الظروف، مع التمسّك بموقفها في استمرار الحراك والحفاظ على مطالب التغيير، وإزاحة كل معوقات مسار التحوّل الديمقراطي في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: