07-مارس-2022

رشيد كُوّار، الباحث والمختصّ في الشؤون الروسية بجامعة موسكو

في ظلّ العمليات العسكرية الروسية المتصاعدة في أوكرانيا، يتحدث رشيد كُوّار، الباحث والمختصّ في الشؤون الروسية بجامعة موسكو، في حوار إلى "الترا جزائر"، عن انعكاسات هذا الصراع على الجزائر اقتصاديًا، وتأثير هذه الأزمة على سوق الغاز والقمح وارتفاع أسعار النفط.

رشيد كوار: يمكن للجزائر أن تستحوذ على حصة أكبر في السوق الأوروبية للغاز الطبيعي، في ظلّ توجه أوروبا نحو الابتعاد بشكل أكبر عن روسيا كمورد للطاقة

ويبرز كوار في هذا الحوار، خلفيات الصراع القائم اليوم بين الكرملين وكييف، وما هي جذور هذه الأزمة وأسباب التدخل العسكري الروسي المباشر، وما هي انعكاسات العقوبات الاقتصادية الغربية على الاقتصاد الروسي، وأهداف هذه العملية العسكرية التي تجري منذ أيام.

اقرأ/ي أيضًا: حياد الجزائر.. مسافة واحدة مع جميع الأطراف؟

  • ما هي الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا بالنسبة إلى روسيا والغرب؟

تحتل أوكرانيا باعتبارها جزءًا من الفضاء السوفياتي السابق مرتبة عالية في سلم الأولويات الجيوسياسية في السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية، إلا أن أوكرانيا وبخلاف الدول السوفياتية سابقًا الأخرى، تحتل مكانة أهم بالنسبة للأمن القومي الروسي لسببين رئيسيين؛ أولا: موقع أوكرانيا الاستراتيجي الذي يطلّ على البحر الأسود ويمتد الى عمق أوروبا الوسطى، ثانيًا: مساحة أوكرانيا الشاسعة، فهي أكبر دولة من حيث المساحة في أوروبا، هذا الأمر رفع من قيمة أوكرانيا الجيوسياسية بالنسبة لروسيا مقارنة حتى مع الدول البلطيق، التي رغم انضمامها إلى حلف الناتو، إلا أنها لم تعتبر لدى صانع القرار الروسي تهديدًا للأمن القومي الروسي. بالإضافة الى هذا فإن أوكرانيا دولة غنية بالموارد الطبيعية، خاصة المعادن مثل الفحم والمعادن النادرة مثل البلاديوم، الذي يدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية، وأشباه النواقل الكهربائية الهامة جدًا للصناعات الإلكترونية.

هذا العامل يجعل أوكرانيا مهمة كذلك للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى للمحافظة على هيمنتها على المستوى العالمي في المجال الاقتصادي. بالإضافة إلى هذا فإن أوكرانيا دائمًا ما لعبت دور المنطقة العازلة بين روسيا والغرب، وقد عمل الغرب من خلالها على تطويق روسيا وعدم السماح لها بتوسيع مجال نفوذها نحو الغرب. إلا أنه يمكن الاستنتاج بأن أهمية أوكرانيا لروسيا أكبر بكثير من أهميتها بالنسبة للغرب، فأوكرانيا تعتبر خطًا أحمرًا لروسيا، في حين أن الغرب يرى فيه مجرد لاعب إقليمي يمكن استعماله كأداة من أدوات سياسة الاحتواء الموجهة ضد روسيا.

  • ما هي الأهداف العسكرية الروسية على أوكرانيا؟

تتمثل الأهداف المعلنة من "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا في حماية الروس في الدونباس، نزع سلاح أوكرانيا، والقضاء على العناصر النازية في أوكرانيا، ويمكن الفهم من هذا أن روسيا تهدف إلى تغيير النظام السياسي القائم في أوكرانيا بنظام موال يقبل الطروحات الروسية كهدف أقصى، وكهدف أدنى فإن العملية العسكرية تهدف الى إجبار أوكرانيا (النظام الحالي) على الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وضمان حياد أوكرانيا في الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب، وهذا يعني امتناع أوكرانيا من الانضمام الى حلف الناتو.

أما من خلال التحركات والعمليات العسكرية، فنرى أن القوات الروسية في الوقت الحالي تحاول الزحف على طول نهر الدنيبر انطلاقًا من الجنوب والشمال وذلك لتحقيق هدفين: تطويق القوات الأوكرانية المتمركز في منطقة الدونباس والتي يصل قواها إلى 40  ألف جندي والقضاء عليها، تقسيم أوكرانيا إلى قسم شرقي وقسم غربي.

  • في اعتقادك ما هي جذور الأزمة القائمة بين روسيا وأوكرانيا؟

تعود الجذور المباشرة للازمة القائمة، إلى الثورة الأوكرانية في سنة 2014 التي أطاحت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وقد بدأت المظاهرات ضد حكمه بسبب تماطله في توقيع اتفاقية شراكة سياسية واتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وفضل على ذلك ربط علاقات اقتصادية مع روسيا، التي وعدت بتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة.

مع تسارع الأحداث وزيادة الضغط الشعبي فرّ الرئيس الأوكراني إلى موسكو، واستغلت موسكو مرحلة الفراغ التي مرت بها السلطة في أوكرانيا وسيطرت على شبه جزيرة القرم وضمتها إليها، وساعدت الانفصاليين الروس في الجنوب الشرقي في الإعلان من طرف الواحد على قيام جمهوريتي لوغينسك ودونتسك الشعبيتين. ليستمر الصراع منذ 2014 بين كييف وموسكو في عدة أشكال وعلى عدة جبهات الى أن وصلنا الى الحرب الكاملة بين البلدين.

بالإضافة إلى هذا فإن أوكرانيا وكييف خاصّة تحتل مكانة خاصة في المخيال الجماعي الروسي، ففي أوكرانيا ظهرت أول دولة لقبائل السلاف الشرقيين في القرن التاسع ميلادي، وكانت عاصمتها كييف، حيث سميت هذه الدولة "روسيا الكييفية"

  • ما هي تداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا على المدى القريب والمتوسط؟

إذا استمرت هذه العقوبات بهذه الحدة لعدة شهور أخرى، فستكون تداعيتها قاسية جدًا على الاقتصاد الروسي الذي خرج للتو من الازمة الاقتصادية التي سببها الوباء. سنشهد ارتفاعًا كبيرًا في مستويات التضخم، وسترتفع أعداد البطالة بسبب توقف نشاط مؤسسات القطاع الصغير والمتوسط الذي سيتعرض لأكبر جرّاء هذه الأزمة. بالإضافة الى هذا فإن الهوة التكنولوجية بين روسيا وبقيت الدول المتقدمة ستتسع بشكل كبير بسبب العقوبات في مجال نقل التكنولوجيا، وهجرة الاخصائيين في مجال الإعلام الآلي والبرمجيات التي بدأت من الآن.

  • في رأيك هل ستتحول أوكرانيا إلى ساحة المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب؟

هذا الأمر مستبعد بشكل كبير، وهذا ما أكدت عليه تصريحات المسؤولين الغربيين الذين أكدوا مرارًا وتكرارًا بأن حلف الناتو والدول الغربية لن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، وهذا لعدة اعتبارات أهمها التكلفة الباهظة للحرب وسيران مبدأ الردع النووي، الذي لا يزال يعمل على منع حدوث أي مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى النووية.

  • هل تتوقّع أن تتوسّع الحرب لتشمل دول البلطيق أو أبعد من ذلك؟

هذا السؤال مرتبط بالسؤال الأول، لأن دول البلطيق هي دولة عضوة في حلف الناتو، لذلك لا أعتقد أن الحرب ستتوسع نحو هذه الدول.

  • عملياتيًا ما معنى وضع قوات الردع النووي الروسي في حالة تأهب عسكري؟ 

من الجانب العسكري حقيقة لا أملك التكوين اللازم الذي يمكنّني من التعليق على هذه الخطوة، إلا أنه من الجانب السياسي يمكن القول بأنها رسالة ردع لمنع تدخل الغرب في الحرب التي تقودها روسيا في أوكرانيا.

  • ما هي المكاسب التي يمكن أن تحققها الجزائر في ظل الصراع الروسي-الاوكراني، وماهي الخسائر أيضا؟ 

أعتقد أن الجزائر ستستفيد من الناحية الاقتصادية، بفضل ارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى هذا يمكن للجزائر أن تستحوذ على حصة أكبر في السوق الأوروبية للغاز الطبيعي، في ظلّ توجه أوروبا نحو الابتعاد بشكل أكبر عن روسيا كمورد للطاقة، رغم أن تحقيق هذا الهدف يبقى بعيد المنال لأوروبا لعدة اعتبارات اقتصادية وتقنية.

رشيد كوار: لا نملك أي تعاون اقتصادي مباشر مع روسيا يمكنه أن يتأثر بالعقوبات الغربية

من الناحية الخسائر، لا أعتقد أن الجزائر ستواجه أيّة خسائر كبيرة بفضل موقفها الأقرب إلى الحيادية. فمن الناحية الاقتصادية لا نملك أي تعاون اقتصادي مباشر مع روسيا يمكنه أن يتأثر بالعقوبات الغربية. فيما يخص صفقات شراء السلاح، فهي صفقات غير دورية ولا تتأثر بالتغيرات الطارئة. إلا أن الجزائر يمكن أن تتأثر بارتفاع أسعار الحبوب، باعتبار كل من أوكرانيا وروسيا من أكبر البلدان المصدرة للحبوب في العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟