27-أكتوبر-2020

مشروع تعديل الدستور خلق جدلًا واسعًا وسط الجزائريين (رياض قرامدي/ أ.ف.ب)

غرقتُ مع صديقي السّائق في الحديث، وخضنا في غير الطريق الذي كنا نبغيه. متى ننتبه إلى أنّ الوقت الذي يخسره السّائق الجزائري حين يخطئ الطريق؟ لماذا لا نملك ثقافة المنعرج الذّي يجعلنا نتراجع عن المسار الخاطئ بسرعة ويسر؟

لا المهلّلون للدّستور الجديد ولا الرّافضون له يملكون تبريرًا مقنعًا عمّا اتّخذوه من موقف

 الأكثر من هذا أنّنا بتنا في الجزائر، مجموعاتٍ وأفرادًا وحكوماتٍ؛ متشبّثين بمنطق بدأنا نجني ثماره السّوداء التّي سترثها عنّا الأجيال القادمة هو كوننا نتعزّى عن الإحساس بالخيبة في خيار أو مسار معيّن بالاستمرار فيه وفي الثّناء عليه، عوضًا عن مواجهة الحقيقة والاعتراف بها والبحث عن بديل حقيقيّ لها.

اقرأ/ي أيضًا: متى يصبح التّخطيط ثقافةً في الجزائر؟

قال لي صاحبي السّائق عبارة تلخّص وضعنا: "اهتممنا بالكلام ونسينا الطريق". فلم تكن عندي مجرّد عبارة قالها سائق، بل كانت "كوجيتو/ دستور" يختزل راهننا الجزائريّ القائم على الثّرثرة في كلّ شيئ من غير فعل أيّ شيء، على مستوى الأفراد والجماعات والهيئات والمؤسّسات والوزارات والحكومات. ولعلّ الطرف الوحيد الذي ظلّ يركّز على الفعل ولا يكتفي بالقول هو الطّرف العسكريّ والأمنيّ.

لقد كبرنا على مدار سنوات الاستقلال الوطنيّ على شعارات مفخّخة بعبارة/عقليّة (لا رجعة فيها). فكنّا نُصاب بصدمتين معًا في كلّ مفصل. صدمة اكتشاف خطأ الخيار/المسار ، بسبب الغرق في الكلام، وصدمة الذّهاب إلى غيره، عادةً ما يكون نقيضًا له من غير تحضير أو تدبير أو تفكير! فننقسم إلى شطرين سلبيّين: شطر متحمّس للخيار الجديد على غير هدًى، وشطر وفيّ للخيار القديم على غير هدًى أيضًا.

ولنا في ما يحصل لنا هذه الأيّام مثال موفّق وواقعيّ تمامًا. لا المهلّلون للدّستور الجديد ولا الرّافضون له يملكون تبريرًا مقنعًا عمّا اتّخذوه من موقف، ولا يملكون تصوّرًا حقيقيًّا وواقعيًّا عن مستقبل وطنيّ يختلف عن الماضي القريب الذّي نشترك جميعًا في وصفه بالفاسد واللّعين.

يؤسّس هذا المقام للصّراعات والنّقاشات المغلوطة. ويكرّس العداء العامّ للنّقاشات والرّهانات الحقيقيّة، بما يجعل المنشغلين بها والمشتغلين عليها في مهبّ التّشويش والتّشويه والطّعن في وطنيّتهم نفسِها.

 كم من كفاءة وطنيّة ذهبت ضحيّة لدفاعها عن الخيارات والنّقاشات السّليمة؟ إنّه سؤال مغيّب تمامًا بما يجعل النّزيف الوطنيّ في هذا الباب مستمرًّا ومبرمِجًا لحاضرنا وغدنا على مجهولٍ لا نستطيع تقدير عواقبه وعقوباته.

لنكن صرحاءَ مع أنفسنا، فنعترف بأنّنا لم نعش عامًا واحدًا، منذ فجر الاستقلال على الأقلّ، كنّا فيه سائرين برؤيةٍ واضحةٍ ومدروسة، ومبرمجين على التّفكير والعمل، لا على الكلام والكسل!

المصلح الحقيقي هو من يقترح المنعرج الذّي يُمكِّننا من أن نتراجع عن رصيدٍ أسودَ من الخيارات 

وإنّ المصلح الحقيقي اليوم، في مجالات الثّقافة والسّياسة والرّياضة والتّعليم والإعلام والاقتصاد، ليس من يقترح الطّريق، لأنّ طريقنا واضح، طريق الاستقلال والحرّية والمواطنة، بل هو من يقترح المنعرج الذّي يُمكِّننا من أن نتراجع عن رصيدٍ أسودَ من الخيارات التي أثمرتها خيانات الطريق. لقد نجحنا في الفشل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة نظام سياسي أم أزمة نخبة سياسية؟

أزمة الإسلام في فرنسا أم أزمة فرنسا؟