07-يونيو-2022

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

بتحديد قائمة الأشخاص الذين يرتقب تنصيبهم قريبًا من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، كأعضاء للجنة الوطنية السياسية المكلفة بمراجعة الدعم الاجتماعي، تكون المادة 187 من قانون المالية لسنة 2022، قاب قوسين أو أدنى من التطبيق، ويتحوّل بذلك رفع الدعم عن الأغنياء في الجزائر، من مجرد شعار يتغنّى به السياسيون إلى واقع ملموس بعد سنوات من التأخير والتعطيل والتأجيل والتجميد.

تطمح الجزائر من خلال قرار رفع الدعم عن الأغنياء إلى ادخار مبالغ طائلة بالعملة الوطنية والدولار

ووسط مخاوف من احتجاجات قد ترافق العملية، تنص المادة 187 من قانون المالية للسنة الجارية على استحداث جهاز وطني للتعويضات النقدية لصالح الأسر المحتاجة في إطار مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي، ما يعني نهاية عصر "الدعم للجميع"، ويتساءل عارفون عن كيفية تطبيق هذا النص القانوني الغامض، ومن سيمسهم الدعم ومن سيستثنيهم، وقيمة المنحة النقدية التي سيستفيد منها المستحقون، مؤكّدين وجود العديد من نقاط الظلّ التي قد تكتنف تطبيق هذه الخطوة.

مكونات اللجنة

ويرتقب أن ينصب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال شهر حزيران/جوان 2022 أعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح الدعم الاجتماعي، والتي تتكون وفقًا لمعطيات تحصلت عليها "الترا جزائر" من حوالي 120 عضوًا، منهم 24 برلمانيًا، 12 يمثلون أعضاء مجلس الأمة و12 نائبًا بالمجلس الشعبي الوطني، موزّعين حسب خارطة المقاعد النيابية للأحزاب الممثلة بالبرلمان، كما أن معظمهم أعضاء لجان المالية والشؤون الاقتصادية بالغرفتين العليا والسفلى.

كما تضم هذه اللجنة ممثلًا عن كل حزب سياسي في الجزائر، وممثلين عن مختلف النقابات والتنظيمات العمالية وخبراء اقتصاد وشخصيات وطنية.

وفي السياق، يؤكّد عضو مجلس الأمة وممثل حركة البناء الوطني في لجنة دراسة ملف الدعم الاجتماعي، زكراوي بوزيان في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن "المعنيين بدراسة ملف الدعم اليوم ينتظرون تنصيب اللجنة بشكل رسمي من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال الأيام المقبلة، للانطلاق بعدها في العمل ميدانيًا، بعدما تم الاتصال بهم وإبلاغهم رسميًا بأنهم ضمن القائمة".

 وتتضمّن الخطة انتقاء من يستحق دعم الدولة، ومن يجب إسقاطه من القائمة، حيث سيتم حسب زكراوي، جرد الإمكانيات، كخطوة أولى ويتعلق الأمر بالوسائل والتجهيزات التي يمكنها أن تساهم في تطبيق برنامج الدعم الانتقائي، بما فيها  الرقمنة، التي تضمن توفر الاحصائيات والمعطيات التقنية التي تساعد في نجاح هذا المشروع. 

ليتم في أعقاب ذلك، "الانتقال إلى دراسة ملف الدعم وتفاصيله، من خلال تحديد قائمة المواد المعنية برفع الدعم ومن هم المستفيدين من المنحة الجديدة التي سيتم إقرارها"، يضيف المتحدث. 

مقترحات تطبيق القرار

وتستعرض النقابات والأحزاب جملة من المقترحات لرفع الدعم بخطوات تدريجية في الجزائر، دون حرمان أغلبية المواطنين من سخاء الدولة، وتضمنت جل المطالب إدراج كل من يتقاضى 150 ألف دينار أو أقل في قائمة المستفيدين، أي عدم إقصاء الموظف من الدعم مهما كان منصبه.

هنا، يقول رئيس نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين صادق دزيري في تصريح لـ"الترا جزائر" إن إصلاح الدعم ملف حساس له علاقة مباشرة بالوضع المعيشي للمواطنين والطبقة الشغيلة والقدرة الشرائية، لذلك قبل الحديث عن رفع الدعم،  يجب تحسين القدرة الشرائية والتحكم في الأسعار، ثم بعدها إدراج كل الموظفين الذين يتقاضون أقل من 150 ألف دينار في قائمة الدعم، ليتم رفعه عن غير المستحقين بشكل تدريجي وليس كخطوة واحدة".

ويضيف دزيري "إذا كان هذا المشروع لا يخدم صالح العمال والموظّفين، ولا يتضمّن الميكانيزمات اللازمة لذلك، سنرفضه كنقابات خلال جلسات النقاش".

ويعتقد من جهته الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن منحة الدعم التي سيتم إقرارها لتعويض المعوزين  والمستحقين عن السعر الحالي للمواد الأساسية، يجب ألا تقل عن 20 ألف دينار كأدنى حد، وأن تكون تصاعدية، أي تختلف من شخص لآخر حسب وضعيته الاجتماعية والعائلية.

ماذا ستجني الجزائر؟

وتطمح الجزائر من خلال قرار رفع الدعم عن الأغنياء إلى ادخار مبالغ طائلة بالعملة الوطنية والدولار، من شأنها أن توجه للاستثمار والتنمية المحلية لاحقًا، بدل أن تصرف على مساعدات يستفيد منها الأغنياء قبل الفقراء، حيث تخصّص الدولة عبر قانون المالية سنويا مبلغ 17 مليار دولار للدعم الاجتماعي، وهو مبلغ هائل.

وتسعى الحكومة من خلال ملف انتقائية الدعم إلى استحداث بطاقية وطنية تتضمّن أسماء ومعطيات الفقراء والمعوزين ومستحقي الدعم بشكل واضح، كمرحلة أولى، لتتخلص بعدها من عبء الدعم الموجه للجميع، حيث ستشمل المساعدات فقط من تتضمنهم القائمة، وهو ما سيمكنها من ادخار مبالغ طائلة بالعملة الصعبة قد تصل 10 مليار دولار من إجمالي 17 مليار دولار موجهة سنويًا للدعم، يقول عبد الرحمن هادف.

ويعتبر زكراوي بوزيان، أن مثل هذه الخطوة ستسمح أيضًا بتقليص ظاهرة التهريب نتيجة توازن الأسعار، بين تلك المعروضة في السوق الوطنية وأيضًا خارج الجزائر وبالمناطق الحدودية، وبالتالي فلن يحمل التهريب أي جدوى لأصحابه مستقبلًا.

عراقيل تهدد بوأد المشروع 

وبالرغم من أهميّة هذه الخطوة، إلا أن العارفين بخبايا ملف الدعم في الجزائر، يتخوّفون من وأد المشروع في المهد، على غرار ما حدث في السنوات الماضية، حينما سعت السلطة إلى رفع المساعدات عن الأغنياء وإبقائها حصريًا للمعوزين، لكن المشروع بقي حبيس الاجتماعات واللقاءات سنة 2012 ولم يجد طريقه إلى التنفيذ، بسبب رفض بعض الأحزاب السياسية لهذه الخطوة يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول في إفادة لـ"الترا جزائر"، مضيفًا "الأمينة العامة لحزب العمال آنذاك لويزة حنون رفضت المشروع وعارضته بشدة، مبررة ذلك بالخوف على مصالح العمال".

ووفق المتحدث، فإن أحد أهم العراقيل التي قد تقمع تقدم مشروع انتقائية الدعم في الجزائر هي بيروقراطية الإدارة، المتهمة بإفشال كل الإصلاحات التي سطرتها الحكومات المتعاقبة في الجزائر خلال السنوات الماضية، بسبب التماطل وعدم فاعلية تنفيذ القرارات، ناهيك عن غياب إحصائيات وأرقام دقيقة عن المعوزين، والمستحقين للدعم، والتلاعب في التصريح بالراتب من طرف العديد من المستخدمين، وضعف الشبكة الرقمية، وبالتالي غياب بنك معلومات يتضمن كافة تفاصيل ومحاور عملية الدعم.

ومن بين العراقيل المطروحة وفق مبتول، إمكانية عدم تقبل المواطنين قرار رفع الدعم جزئيًا عن الأغنياء، واحتجاجهم على الملف، وهو ما قد يفرض اللجوء إلى هذا الخيار؛ أي مراجعة قائمة المستفيدين من الدعم عبر مراحل، مع مباشرة حملات تحسيسية واسعة لإقناع المواطنين بأهمية العملية.

تسعى الحكومة من خلال ملف انتقائية الدعم إلى استحداث بطاقية وطنية تتضمن أسماء ومعطيات الفقراء والمعوزين ومستحقي الدعم بشكل واضح

وفي الختام، يبقى الدعم أحد الملفات الشائكة التي تلقى اهتمامًا شعبيًا وحكوميًا في الجزائر، فالسلطات التي لم تتخل عن نظام إجتماعي سخي مع المواطن طيلة 60 سنة من الاستقلال، ملزمة اليوم بسير أول خطوة نحو العملية، رغم العراقيل والصعوبات التي قد تعترضها.