16-أغسطس-2022

(نصوير: فيليب مارل/أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر مقابلة تلفزيونية له عن نية الحكومة في رفع قيمة العملة الوطنية الدينار التي تهاوت في العقدين الماضيين، في خطوة يقول المختصون بشأنها إنها قد لا تكون ذات جدوى في المدى القريب في حال لم يتم رفع الصادرات خارج المحروقات إلى مستوى مؤثر في اقتصاد البلاد.

 السياسات المالية  التي تبنتها الحكومة في السنوات الماضية تسببت في تراجع القدرة الشرائية للجزائريين

وبعد أن كان الدينار الجزائري مرتفعًا بعد استقلال البلاد مقابل العملات الأجنبية، تهاوى منذ التسعينات إثر دخول الجزائر في مفاوضة جدولة الديون مع صندوق النقد الدولي، وهو التهاوي الذي تواصل بشكل لافت في الألفية الجديدة بسبب عدم تنويع اقتصاد البلاد، وتركه مرهونا بتقلبات سوق النفط.

 قال الرئيس تبون في 31 تموز/جويلية المنصرم إن " الإمكانيات الاقتصادية الحالية تسمح لنا باستعادة قدرة الدينار الشرائية في المدى المتوسط".

وأضاف " سنرفع قيمة الدينار وفق إجراءات حتى لا نخلق تضخما وارتفاعا في الأسعار".

وهذه هي المرة الأولى الذي يتكلم فيها مسؤول جزائري عن رفع قيمة العملة الوطنية في الألفية الجديدة، بالنظر إلى أن الحكومة كانت تعمد كل عام على تخفيض قيمة الدينار في قوانين المالية السنوية، وآخرها ما تضمنته موازنة 2022.

ودعا رجال أعمال ومستثمرون في أكثر من مرة الحكومة لدعم الدينار لإحداث توازن بين كلفة الإنتاج وسعر البيع.

ويشير أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن رفع قيمة الدينار مرتبط بنظام سعر الصرف المعتمد في الجزائر، والذي يحدده البنك المركزي الذي يقيّم سعر الدينار حسب الوضعية الاقتصادية للبلاد".

خفض متواصل

يأتي القرار المرتقب برفع قيمة الدينار الجزائري بعد تعويم متواصل للعملة الجزائرية في العقدين الماضيين والذي انتقلت قيمته مقابل الدولار الواحد من 70 دينارًا في مطلع الألفية إلى أكثر من 140 دينارًا في العام الجاري.

وتشير أسعار الصرف للأوراق النقدية التي نشرها البنك المركزي بداية هذا الأسبوع إلى وصول قيمة الدولار الواحد في التعاملات الرسمية إلى 140.77 دينارًا، لكن قيمته اليوم في السوق الموازية وصلت حتى 204 دينار مقابل الدولار الواحد.

وأشار الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن التعويم المتواصل الذي تم في السنوات الماضية للعملة الوطنية كان بالأساس قرارا سياسيا أكثر منه اقتصاديا، وذلك بهدف سد العجز المسجل في موازنة البلاد كل سنة.

وينبه أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي إلى أنه ليس بالمطلق أي انخفاض للعملة مؤشر سلبي لاقتصاد البلاد، كما أن رفع قيمة الدينار لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد في أحسن أحواله.

وإذا كان الجزائريون يربطون في الغالب انخفاض الأسعار  وتراجع مستوى التضخم بتحسن قيمة الدينار، فإن عبد القادر سليماني يوضح أن ذلك ليس مضمونًا بالنظر إلى أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تتوفر على عملات ذات قيمة مرتفعة تواجه اليوم مستويات قصوى من التضخم.

وتسببت السياسات المالية المتخذة من طرف الحكومة في السنوات الماضية في تراجع القدرة الشرائية للجزائريين وتدهور أوضاع الطبقة المتوسطة، بالنظر إلى عدم تمكن خطط تعويم الدينار من إنعاش الاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية للبترول.

ولفت الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني إلى أن ارتفاع الأسعار كان منتظرا بسبب قوانين الحمائية الاقتصادية التي تضمنت حظر استيراد عديد السلع كالسيارات وبعض المنتجات الفلاحية ومواد التجميل والتجهيزات الكهرومنزلية.

وأشار إلى أن الحكومة اعتمدت في السنوات الماضية سياسة شراء السلم الاجتماعي بتخصيص أموال ضخمة لذلك، منها 17 مليار دولار توجه سنويًا للدعم الاجتماعي، دون العمل على تطوير اقتصاد بلد كبير كالجزائر وتنويعه، ومن ثمة رفع قيمة العملة الوطنية

ارتفاع الصادرات

يوضح الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني أن الإقدام على خطوة رفع  قيمة الدينار تتطلب اليوم أولًا  مراجعة السياسة النقدية وإصلاح النظام المصرفي المهترئ، مذكرًا في هذا الإطار أن "قانون النقد والقرض لم يحين منذ 1991، لذلك لا يمكن تسيير اقتصاد كبير كاقتصاد الجزائر بمنظومة تعود إلى 30 سنة"، وبين أن هذا جانب من العوامل التي تجعل قيمة الدينار تتهاوى.

وأضاف سليماني أن رفع قيمة العملة الوطنية يتطلب وجود قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني والتحكم في الإنتاج بعيدًا عن قطاع المحروقات، إضافة إلى ضرورة تسجيل ارتفاع كبير في الطلب على الدينار، والذي يتأتى بتحسين أداء مختلف القطاعات كالسياحة والفلاحة والخدمات ووضع قانون استثمار انسيابي سلس.

ويتوقع  سليماني أن رفع قيمة الدينار الجزائري لن تكون الآن، لأنها تظلّ  مرتبطة بتوطين الإنتاج وبرفع حجم التصدير خارج المحروقات.

وبدوره، يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي أن رفع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وتحقيق ما تحدث عنه الرئيس تبون سيكون مرتبطا بالعائدات المحققة من الصادرات خارج المحروقات، ومدى قدرة الحكومة على تحقيق ديناميكية متواصلة في هذا المجال بتوفير إنتاج وطني يلبي الطلب الموجود في السوق المحلية، ويصدر الفائض بكميات معتبرة إلى الخارج.

ارتفاع مداخيل الصادرات وتسجيل فائض في الميزان التجاري غير كافٍ لرفع العملة الجزائرية 

وإذا كانت الأرقام المقدمة من قبل مصالح الجمارك مؤخرًا تشير إلى ارتفاع طفيف في الصادرات خارج المحروقات، وصل إلى 3.5 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، والذي تهدف الحكومة على مضاعفته في نهاية كانون الأول/ديسمبر المقبل، إلا أنه يبقى غير كافٍ لرفع العملة الوطنية الجزائرية بشكل متين يجعلها قادرة على الصمود أمام تقلبات السوق الدولية.