سياسة

رمال "أزجر" تشتعل.. صراعٌ على الزعامة القبلية في أقصى الجنوب الجزائري يثير قلق السلطات

7 أكتوبر 2025
(الصورة: فيسبوك)
جمال فنينيش
جمال فنينيشصحافي من الجزائر

تستقطب الخلافات في منطقة أزجر، جنوب شرق الجزائر، بين الزعيم التقليدي الحاج البكري غومة، وحسين بن كلالة، الأنظار في البلاد، بحكم حساسية المنطقة المجاورة لمناطق نزاعات وتوترات أمنية.

على خلاف المحاولة السابقة التي تم احتواؤها داخل المجموعة القبلية، يجاهر بن كلالة اليوم بتمرده على الوضع القائم وبأحقيته في الزعامة القبلية، مستغلًا ظرفًا مناسبًا للإجهاز على خصمه

وتعود المنافسة إلى ما بعد وفاة الزعيم القبلي السابق أمنوكال إبراهيم غومة، حيث تولّى ابنه الحاج البكري غومة المنصب بدعم من كبار الأعيان وتزكية الدولة. غير أن هذا المسار لم يمر دون اعتراض، إذ أطلق حسين بن كلالة أولى محاولاته سنة 2021 لاستعادة المنصب، لكنه واجه آنذاك رفضًا من كبار العائلات الذين تمسّكوا بالتقاليد وآليات التزكية الجماعية.

وعلى خلاف المحاولة السابقة التي تم احتواؤها داخل المجموعة القبلية، يجاهر بن كلالة اليوم بتمرده على الوضع القائم وبأحقيته في الزعامة القبلية، مستغلًا ظرفًا مناسبًا للإجهاز على خصمه. 

وقد أعلن نفسه قائدًا جديدًا مدعومًا بشبكة من الشباب وبعض الأعيان من الصف الثاني، مستخدمًا خطابًا يتمحور حول الشرعية التاريخية  باعتباره حفيد قائد مقاومة واسع النفوذ  وحول قيم التجديد والكرامة والتنمية، ما منح الصراع بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا يتجاوز الطموح الشخصي.

لم يتأخر ردّ زعيم الطوارق في أزجر، الحاج البكري غومة، الذي أصدر بيانًا توضيحيًا شديد اللهجة وصف فيه ما جرى بـ"التحركات غير الشرعية والمضللة"، مؤكدًا أن تزكية منافسه تمت دون إجماع أو تشاور مع مشايخ وأعيان القبائل الأصيلة، ومتهمًا جهات "داخلية وخارجية" بمحاولة زعزعة وحدة الصف وإثارة الانقسام داخل المجتمع الطارقي.

وأضاف البيان: "إن الشرعية التاريخية للمنصب لا يمكن مصادرتها عبر تحركات فردية أو مصالح حزبية تسعى لإعادة رسم الخريطة الاجتماعية في الجنوب على أسس جديدة لا تراعي الأعراف المتوارثة."
كما شدد الحاج غومة، الذي تولى المنصب سنة 2021 خلفًا لوالده، على أن وحدة إقليم أزجر "خط أحمر"، وأنه لن يسمح لأي جهة، مهما كانت، بتجاوز التقاليد أو المساس بالمكانة الرمزية للمشيخة الكبرى.

هيمنة ونفوذ متوارث

خلف الحاج البكري غومة والده إبراهيم، الذي حظي بنفوذ وتأييد واسعين. ويشغل الحاج البكري منذ عامين عضوية المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، كما أنه برلماني ضمن كتلة الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، وهو الموقع ذاته الذي يشغله ابنه أيضًا عن طريق الانتخاب ممثلًا لنفس الحزب.

غير أن هذه المكانة السياسية جعلته يبتعد تدريجيًا عن معاقله في الجنوب، وهو ما دفع البعض إلى اتهام عائلة غومة باحتكار التمثيل السياسي للمنطقة، في حين يرى مؤيدوه أن وجودهم في مواقع القرار يمثل امتدادًا تاريخيًا لرمزية الأسرة داخل قبائل الطوارق.

وفي ظل التقارير التي تتحدث عن معاناته من متاعب صحية وخضوعه لعملية جراحية، تُطرح تساؤلات حول قدرته على مواصلة مهامه في ظل غيابه المتكرر عن المنطقة.

بن كلالة.. خطاب المظلومية والشرعية التاريخية

يطرح حسين بن كلالة نفسه كوجه جديد للزعامة، معتمدًا على شبكة علاقات واسعة تمتد خارج الحدود. فإلى جانب دعمه المحلي من شباب وأعيان، يُعرف بعلاقاته المتينة مع أبناء عمومته في ليبيا والنيجر، ما يمنحه بعدًا إقليميًا مؤثرًا في سياق تحولات الطوارق عبر الصحراء.

كما أن ماضيه السياسي، الذي كان يوصف بالتمرد، وخطابه الحاد الذي تبنّى خطاب المظلومية والتحريض ضد التهميش، لم يعودا اليوم عائقًا أمام تقبّله حتى من طرف السلطات. وتشير بعض القراءات إلى أن السلطات قد تنظر بعين الاهتمام إلى إمكانية تولّيه المنصب، بالنظر إلى قدرته على خدمة مصالح السكان والدولة معًا، وإلى شبكة علاقاته العابرة للحدود التي تمتد إلى ليبيا والنيجر وتشاد.

يطرح حسين بن كلالة نفسه كوجه جديد للزعامة، معتمدًا على شبكة علاقات واسعة تمتد خارج الحدود. فإلى جانب دعمه المحلي من شباب وأعيان، يُعرف بعلاقاته المتينة مع أبناء عمومته في ليبيا والنيجر، ما يمنحه بعدًا إقليميًا مؤثرًا في سياق تحولات الطوارق عبر الصحراء.

ويستند بن كلالة في شرعيته الرمزية إلى رصيد جده المقاوم الثائر إبراهيم آق أبكدة (1885-1962)، الذي قاد ثورة ضد التوسع الاستعماري الفرنسي في المنطقة، ويحظى بمكانة تتجاوز الحدود الجغرافية.

السلطات تراقب وتتحرك بصمت

تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية خبر الإعلان عن مبايعة القائد الجديد، كما لم تصدر السلطات الجزائرية أي موقف رسمي بشأن الملف، لكنها تتابع الوضع عن قرب، كما فعلت قبل عقدين خلال النزاع على زعامة منطقة الهقار عند وفاة أمنوكال المنطقة الحاج موسى أخاموخ، لتفادي أي انفلات محتمل.

يستند بن كلالة في شرعيته الرمزية إلى رصيد جده المقاوم الثائر إبراهيم آق أبكدة (1885-1962)، الذي قاد ثورة ضد التوسع الاستعماري الفرنسي في المنطقة، ويحظى بمكانة تتجاوز الحدود الجغرافية

وتشير مصادر محلية إلى عقد لقاءات غير معلنة بين مسؤولين محليين وبعض شيوخ القبائل، بهدف احتواء الوضع وإقناع الحاج غومة بالتنحي تدريجيًا، حفاظًا على مكانته الرمزية.

ويسود اعتقاد بأن المخرج من هذه الأزمة يكمن في حوار شامل يجمع جميع الأطراف، من الزعامات التقليدية إلى الشباب والنخب، من أجل بلوغ أرضية مشتركة تحافظ على الأعراف من جهة، وتفتح الباب أمام التحديث من جهة أخرى.

آلية اختيار "الأمنوكال"

يوضح الباحث حسين مرموري (وزير السياحة الأسبق) في بحثه المعنون "الطوارق بين السلطة التقليدية والإدارة الفرنسية في بداية القرن العشرين" أن اختيار "أمنوكال" لدى الطوارق يكون من بين الورثة الذكور داخل العصبية السائدة المعترف لها بحق الحكم، كـ"أوراغن" في أزجر و"كيل غال" في أهقار، وذلك وفق قاعدة الوراثة على الخط الأمومي، حيث يُشترط أن يكون نسب المرشح معروفًا حتى الجيل الرابع أو الخامس.

تتم عملية الانتخاب من طرف شيوخ العائلات ورؤساء العصبيات والأعيان، مع مراعاة معايير دقيقة تتعلق بشخصية المرشح وسيرته

تتم عملية الانتخاب من طرف شيوخ العائلات ورؤساء العصبيات والأعيان، مع مراعاة معايير دقيقة تتعلق بشخصية المرشح وسيرته، وتُقيَّم وفق ثلاثة أبعاد رئيسية:

1. البعد السياسي: ويشترط التمتع بالحنكة، الشعبية، الدراية بالشؤون العامة، والقدرة على التفاوض.
2. البعد الأخلاقي: ويشمل الشجاعة، الحكمة، الكرم، وحسن السيرة.
3. البعد الجسدي: ويتطلب سلامة البدن، النضج الجسدي، وغالبًا بلوغ سن الثلاثين.

وبما أن الأمنوكال لا يملك جهازًا ردعيًا كالجيش، فإنه يستند في سلطته إلى ثقة القبائل وروابط القرابة، مما يجعله ليس فقط قائدًا سياسيًا، بل رمزًا للتماسك الجماعي والشرعية التقليدية.

الكلمات المفتاحية

بلديات (صورة أرشيف)

إدانة مسؤول بباش جراح بالعاصمة تُحرّك ملف الفساد في البلديات

بالتزامن مع تصاعد الانتقادات الرسمية لقضايا الفساد وتقصير بعض المنتخبين المحليين، أصدرت محكمة الجنح بسيدي امحمد أحكامها في قضية فساد مدوّية، أدانت بموجبها الرئيس السابق لبلدية باش جراح، صحراوي محمد، بعامين حبساً نافذاً.


ا

العفو عن صنصال يفتحُ نقاشًا في الجزائر.. ختامٌ مفتوح لقضية جدلية

أسدل الستار، أخيرًا، على واحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل في الساحة الثقافية والسياسية الجزائرية، بعد إعلان رئاسة الجمهورية الإفراج عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال لدواعٍ إنسانية، استجابة لطلب من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، عقب أكثر من عام على توقيفه.


المُعارضة الجزائرية تعود إلى البرلمان.. هل هي نهاية سياسة الكُرسي الشاغر؟

المُعارضة الجزائرية تعود إلى البرلمان.. هل هي نهاية سياسة الكُرسي الشاغر؟

تستعدّ أحزاب المُعارضة الجزائرية للعودة إلى التنافس في الانتخابات التشريعية المقرّرة قبل منتصف عام 2026، بعد مقاطعتها الانتخابات السابقة في حزيران/ يونيو 2021، والتي أسفرت عن ضعف واضح لصوت المعارضة في الغرفة السفلى للبرلمان.


وزير الداخلية سعيد سعيود

مساءلة أم مواجهة.. تصريحات وزير الداخلية تعيد الجدل حول علاقة السلطة المركزية بالجماعات المحلية

أثار وزير الداخلية ، سعيد سعيود، منذ أيام، جدلًا واسعًا بعد أن وجّه انتقادات لاذعة للمنتخبين المحليين ورؤساء الدوائر، ملمّحًا إلى وجود تقصير في أداء المهام وتغلغل مظاهر الفساد في بعض الإدارات المحلية.

سفينة كورسيكا
أخبار

احتجاز سفينة فرنسية في ميناء الجزائر.. ما السبب؟

احتُجزت السفينة الفرنسية "جان نيكولي" التابعة لشركة "كورسيكا" في ميناء الجزائر منذ وصولها صباح 12 نوفمبر، وفق ما نقلته الصحيفة البحرية المتخصصة "لومارين" وتتولى مصالح الملاحة البحرية الجزائرية إجراءات الاحتفاظ بالسفينة، دون الكشف عن أسباب القرار حتى الآن.

حسين داي
أخبار

انهيار بناية في حسين داي.. السلطات توجّه أصابع الاتهام لصاحب ترقية عقارية

وجهت مصالح ولاية الجزائر أصابع الاتهام نحو صاحب ترقية عقارية خاصة ببلدية حسين داي، بعد انهيار نصف بناية مكونة من طابق أرضي وأربعة طوابق حيث انهارت أربعة طوابق من الجزء الأيمن للبناية بشكل كامل.


الكلاب الضالة
أخبار

وزارة الفلاحة توقف نهائيًا عمليات قتل الحيوانات الضالة في الجزائر

أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عن الوقف الفوري والنهائي لجميع حملات قتل الحيوانات الضالة عبر بلديات الوطن، مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار صلاحياتها القانونية ومسؤوليتها المباشرة عن صحة الحيوانات ورفاهيتها، وفق التشريعات والتنظيمات المعمول بها.

يحيى مداح
أخبار

أدين في عدة قضايا.. ترحيل جزائري ملاحق منذ 15 سنة في كندا وأميركا

رحّلت السلطات الكندية، مساء الخميس، الجزائري يحيى مداح إلى الجزائر بعد أن خسر آخر محاولة قانونية لمنع ترحيله، في قضية تمتد جذورها لأكثر من 15 سنة وتخللتها ملاحقات قضائية واتهامات أمنية وسياسية معقدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

"لا نطلب فضلًا بل عدالة".. عائلة شريف ملال تطالب السلطات بالإفراج عنه


2
ثقافة وفنون

بقّار حدّة.. صوتُ الأوراس الرّيفيّ الّذي انطفأ وحيدًا


3
أخبار

الصين تشدد الرقابة على تصدير السيارات المستعملة والجديدة.. هل سترتفع الأسعار في الجزائر؟


4
أخبار

خبرة ثالثة تُقرر مصير الأطباء المتهمين في وفاة مريضة بالمسيلة


5
منوعات

مرفأ الغزوات غرب الجزائر.. معقل السردين ورصيف يربط بين الجزائر وإيطاليا