09-مارس-2023
أولاد لحلال

مشهد من مسلسل أولاد لحلال (الصورة: فيسبوك)

لسنوات طويلة سيطرت الفضاءات المغلقة كالشقق الفخمة و"الفلل" وفنادق الخمس نجوم والمطاعم الراقية..، على أماكن تصوير المسلسلات الكوميدية والدرامية في الجزائر، وذلك بمعزل عن الواقع الذي يعيشه المواطن، غير أنّ هذه الفكرة بدأت تتلاشى في السنوات الأخيرة من أذهان المخرجين وكتّاب السيناريو الذين صاروا يميلون إلى الواقعية أكثر لكسب الجمهور بتوظيف "الأحياء الشعبية" في قلب أحداث أعمالهم.

المخرجون يوظّفون الأحياء الشعبية ويقحمونها في إنتاجاتهم الرمضانية كسبًا للجمهور خلال الشهر الفضيل

لم يكن للحي الشعبي أو "الحومة" باللهجة الجزائرية، بمختلف ما يحمله من حياة وحركة وطقوس وتقاليد وتضامن وبساطة، وتناقض أيضًا، أي توظيف ولا أي اهتمام في فكر المخرجين وكتاب السيناريو الجزائريين، بحيث كانت الأعمال تُصوّر العائلة الجزائرية غنّية وفاحشة الثراء، وتسكن في "بروج عاجية"، ومنازل فخمة وقصور وشقق غاية في الهندسة والجمال، لا تعكس وضع غالبية الشعب الجزائري، بل تمثل فئة معينة فقط من المجتمع، وبالتالي قصصها بعيدة عن الواقع، بحسب متابعين.

الانفتاح على الأزقة

وما كانت تقدمه هذه المسلسلات على صعيد القصص والأحداث والسيناريو لا يخرج عن حكايات مُكررة وبسيطة غير متشعبة ومحدودة مثل قضايا الحب، مشاكل الخيانة الزوجية، الصراع على الميراث، الغيرة وحب المال، المنافسة بين الشركات والمؤسسات العائلية.. وغيرها، فضلًا عن الآداء الهزيل الذي يقدمه أبطال هذه الأعمال وأغلبهم يتكرر ظهوره في كل عمل وبإشراف نفس المخرجين، ما خلق لدى المشاهد الجزائري مللًا وتذمرًا منها، خاصة فيما يتعلق بأنّها لا تعالج الواقع وبعيدة عنه كل البعد، في ظل تصويرها في فضاءات مغلقة كالقصور..، وغيرها.

ومع اهتمام المخرجين بالأحياء الشعبية في الخمس سنوات الأخيرة وتوظيفها كجزء من السيناريو، له مساحة واسعة من الأحداث بالرغم من أنّه مكان تصوير حاضن للقصة وشخوصها، لكن طريقة إبرازه في العمل وتوظيفه وتقديمه دون مساحيق تجميل بإيجابياته وسلبياته، بآمال شبابه، بأحلامهم، بطموحاتهم، وبمشاكلهم وهمومهم أيضا، منح لهم حضور في الساحة الفنية وتميز وتحقيق تفاعل خاصة مع بروز مواقع التواصل الاجتماعي، كما صنعوا بواسطتها الفارق عن أعمال أخرى بقيت حبيسة أفكار بالية.

وفي رمضان 2023، سيكون لـ"الأزقة" و"الشوارع" و"الأسواق".. وبصورة عامة للأحياء الشعبية، مساحة كبيرة في بعض الأعمال التي تصورها، بل هي الفضاء الذي يحتضن القصص وأبطالها بالاعتماد على قصص من الواقع تقدم صورة مقرّبة أكثر عن الجزائريين وحياتهم ويومياتهم.

"باب الواد".. في دراما رمضان

ومن هذه المسلسلات التي سيكتشفها الجزائريون في رمضان 2023 مسلسل "الضامة" إخراج يحيى موزاحم عن سيناريو سارة برتيمة، التي سبق لها توقيع عدة أعمال مثل "زين سعدك"، "رايح جاي"، الخاوة".. وغيرها.

يتخذ مسلسل "الضامة" من أزقة باب الوادي الحي الشعبي الشهير بالعاصمة الجزائرية، مسرحًا لأحداثه التي سيصنعها نجوم كبار تتقدمهم الكوميدية بيونة، التي ستؤدي دور "حليمة"، مصطفى لعريبي، مراد خان، سهى ولهى، بوعلام بناني (بطل فيلم عمر قتلاتو)، إلى جانب كل من نورهان زغيد (مؤثرة) وكريمو دراجي.

الاحياء

وسيكون حي باب الوادي شاهدًا على وقائع درامية و"أكشن" وأخرى كلاسيكية من منطلق قصة العمل الذي يحمل عنوان "الضامة" هي لعبة شعبية شهيرة في الجزائر، بحيث تجري الأحداث في زمنين متقاربين غير أنّها لا تتشابه مع بعضها البعض.

الاحياء

وبحسب مقاطع فيديو نشرها المخرج يحيى موزاحم على حسابه على "تيك توك" فإنّ المسلسل سيقدم للجمهور مشاهد أكشن "خطيرة" تتضمن معارك ومشاجرات داخل الأحياء، وحوادث مرور، خاصة بإشراكه عناصر من مدرسة متخصصة في تكوين المجازفين والممثلين "كاسكاد ألجيريا"، فضلًا عن تصوير احتفالات وأهازيج مشجعي نادي كرة القدم العريق مولودية العاصمة.. وغيرها من اللوحات، كما سيحمل العمل مشاهد من السماء لحي باب الوادي ومنازله وقصوره العتيقة ومناظر للعاصمة ومينائها ومعالمها الأثرية ومواقعها السياحية.

صوت الهامش

من جهته، يقدم المخرج محمد إياد للجمهور الجزائري في رمضان، مسلسل "الاختيار الأوّل" سيناريو أحمد مداح، إنتاج رضا "سيتي 16" وبطولة عديد الممثلين من بينهم يوسف سحيري، عماد بن شني، فضية حشماوي، بن جلاب عبد الله، المغنية كنزة مرسلي، يحيى سمارة، ياسمين عماري، أحمد مداح، علي شرف (رجلاوي)، إضافة إلى الممثلين التونسيين نضال السعدي وفتحي الهداوي.

وبالرغم من أنّ صاحب العمل لم يعط تفاصيل أكثر عن قصة وأطوار هذا المسلسل الدرامي، إلاّ أنّ عدّة مشاهد وفيديوهات قصيرة نشرها المنتج رضا سيتي 16، على حسابه بأنستغرام وأظهرها المقطع التشويقي للعمل، تعكس أنّ جل الأحداث تجري وسط الأحياء الشعبية الفقيرة، أحياء الهامش، ودون تجميل.

وسار الفنان والمنتج رضا سيتي 16، على خطى مسلسل "أحوال الناس" في جزأيه الأوّل والثاني، عندما جسد قصصا من الواقع ومن قلب الأحياء الشعبية بالعاصمة، فتناول ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها وتفشيها في أوساط الشباب، البطالة، الجريمة، "الحقرة"، الفقر... بحيث نقل الواقع بعين محايدة، ما جعل العمل يحقق تفاعلا ويطالب بجزء ثالث اختير له عنوان "الاختيار الأوّل".

وأظهرت الأغنية المصورة للبرومو التشويقي التي يؤديها مغني الراب المعروف "فلان" تحت عنوان "شايف شحال" الأحياء الشعبية بأزقتها الجميلة، الواسعة، الضيقة، بملامح سكانها، بعمارتها القديمة ومقاهيها الشعبية البسيطة جدا،. إلخ.

وكتب رضا سيتي16، بهذا الخصوص على حسابه بـ"أنستغرام:" أتشرف بتقديم لكم آخر عملي المتواضع الفيديو كليب الأول لمسلسل درامي الاختيار الأوّل، "شايف شحال" للفنان فلان، من إنتاجي وذلك بعد عامين من العمل والتعب، لكن حاجة ما خسارة فيكم، وراني نتعلم، موعدنا في رمضان على الشروق tv؟.

"أولاد الحلال" أعادوا الروح للأحياء الشعبية

كانت عودة الروح الأحياء الشعبية في مسلسل "أولاد الحلال" الذي أخرجه التونسي نصرالدين السهيلي، بمشاركة عبد القادر جريو، يوسف سحيري، سهيلة معلم، فضيلة حشماوي، مصطفى لعريبي.. وآخرين، حيث جرى تصويره في رمضان 2019، بحي الدرب الشهير بوهران غربي الجزائر.

وركز المخرج على الحي الشعبي وما يرتبط به كعنصر أساسي في صنع القصة الدرامية للمسلسل، حيث صوّر وقائعها بشقق قديمة، يسكنها الفقراء، صور الحياة داخل "الحومة"، أسلوب عيش سكانها، نقل يومياتهم ومعاناتهم، ولم تغفل عدسته إظهار التقاليد والعادات وتصوير الأسواق الشعبية وكيف يكسب المواطن البسيط قوت يومه فيها، طقوس الأعراس والأفراح، التضامن والتكافل بين الجيران.

وتجلت هذه المشاهد أيضا في مسلسل "بابور اللوح" العمل الثاني الذي يخرجه التونسي نصرالدين السهيلي في الجزائر، وعرض خلال رمضان 2022، بحيث سلط الضوء على ظاهرة "الحرقة" (الهجرة غير الشرعية) انطلاقا من قصة حسني الذي تضطره الظروف للعمل كبائع متجول، لكن بعد أن تمرض ابنته يكون بحاجة إلى المال، مما يجعله يفكر في الهجرة نحو الضفة الأخرى، لكن وجد نفسه منظما لعمليات"الحرقة" من أجل كسب المال لعلاج ابنته، ومقابل ذلك يعيش سائق سيارة أجرة متزوج قصة حب مع مغنية ملاهي، وتتقاطع الأحداث مع حكاية ملاكم طموح يتعرض للتهميش ومحمد بائع في محل لبيع المواد الغذائية يعيش قصة حب من طرف واحد، وحكاية شرطي فاسد لا يهمّه سوى جيبه... قصص كثيرة ومختلفة مسرحها أحياء شعبية.

وبعد النجاح الذي حققه العملين "أولاد الحلال" و"بابور اللوح"، ولدت إنتاجات أخرى في رمضان 2022، تحاول ملامسة الواقع بدخول الأحياء الشعبية والأزقة و"البيوت القصديرية"، لكن دون نجاح كبير، مثل "لاكازال ديال كمال" لرفيق عنيق عن سيناريو محمد شرشال، مسلسل "بنت لبلاد" في موسميه الأوّل والثاني، أخرجه يوسف محساس.. والذي منح عبره صوتًا للريف الجزائري، وحياة الفقراء، أحلامهم وهمومهم، عاداتهم ونمط عيشهم.