رمضان 2025.. هل سيصمُد انخفاض أسعار اللحوم البيضاء؟

مع اقتراب شهر رمضان، عرفت أسعار اللحوم البيضاء وخصوصًا الدواجن، تقلبات ملحوظة في الأسواق الجزائرية في الفترة الأخيرة، حيث انخفضت الأسعار بشكل لافت، مُسجلة مستويات لم تشهدها منذ سنوات.

بلغت أسعار اللحوم البيضاء وبالخصوص الدجاج، إلى ما دون 300 دينار في أسواق التجزئة، وهو ما يُرضي المستهلكين مع توقعات في أن يستمر هذا الانخفاض حتى خلال رمضان 

هذا التراجع في الأسعار، الذي لم تشهده الأسواق منذ سنوات، يعكس تحسنًا نسبيًا في القدرة الشرائية للمستهلكين، ويثير التساؤلات حول ما إذا كان هذا الانخفاض سيستمر خلال الشهر الفضيل.

في المقابل، جاء هذا الانخفاض في الأسعار  بعد ارتفاعات متكررة في أسعار اللحوم الحمراء، مما دفع العديد من الجزائريين إلى التوجه لاستهلاك اللحوم البيضاء بشكل أكبر.

بلغت أسعار اللحوم البيضاء وبالخصوص الدجاج، إلى ما دون 300 دينار في أسواق التجزئة، وهو ما يُرضي المستهلكين مع توقعات في أن يستمرّ هذا الانخفاض حتى خلال شهر رمضان المبارك.

 

كيف تغيّرت أسعار اللحوم البيضاء؟

قال عثمان شيهان، الذي يعمل في مجال تربية الدواجن منذ 18 سنة، في تصريح لـ"الترا جزائر" في حديثه مع "الترا جزائر"، إنّ الأسعار المنخفضة للدواجن تضرّ بالعديد من المربين، خصوصًا الذين اشتروا الصيصان بسعر 170 دينارًا، حيث سيضطرون لبيع منتوجهم دون تحقيق أرباح.

وفي حال كان وزن الدجاج أقل من 3 كيلوغرامات، سيتكبدون خسائر كبيرة، خاصة المربين الصغار، نظرًا لارتفاع أسعار الأعلاف التي تجاوزت 7400 دينار للقنطار.

وفي تصريح لرئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن، علي بن شيبة، لـ"الترا جزائر"، أكد أن سعر 230 دينارًا للكيلوغرام غير مربح، حيث لا يغطي تكاليف الإنتاج، خصوصًا الأعلاف التي تمثل 70% من التكلفة الإجمالية. كما حذر من أنّ هذا الوضع قد يؤدي إلى انسحاب المربين من النشاط، ما قد يعيد الارتفاع الجنوني للأسعار.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، شهدت أسعار الدواجن في أسواق الجملة والتجزئة انخفاضًا ملحوظًا، حيث نزلت إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ أكثر من ثلاث سنوات.

رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن علي بن شيبة لـ"الترا جزائر": سعر الكيلوغرام الواحد من الدجاج الحي يُباع بمعدل 230 دينارًا في سوق الجملة ومن المنتظر أن يستمرّ هذا الوضع في الأيام القادمة

وصلت أسعار الدواجن في بعض الولايات إلى مستويات غير مسبوقة في الأيام الأخيرة، ففي الولايات الغربية سجّل سعر الدجاج الحي 250 دينارًا للكيلوغرام على غرار ولاية الشلف، بينما وصل إلى 260 دينارًا، في وهران وبغليزان، أمّا في الولايات الشرقية مثل المسيلة وسطيف بلغ السعر 220 دينارًا للكيلوغرام، وذلك وفقًا لشهادات مربين للدواجن.

وأشار إلى أنّ هذا الانخفاض في أسعار الدجاج مستمر منذ حوالي شهرين، موضحًا أن سعر الكيلوغرام الواحد من الدجاج الحي يُباع بمعدل 230 دينارًا في سوق الجملة، متوقّعا أن يستمرّ هذا الوضع في الأيام القادمة.

وقد انعكس هذا التراجع في الأسعار على محلات التجزئة، حيث لم يتجاوز سعر الدجاج عند معظم محلات بيع اللحوم البيضاء 330 دينارًا للكيلوغرام، بينما تمّ بيعه في بعض المحلات بـ 270 دينارًا، مع اختلاف طفيف بين ولاية وأخرى، وبين محلّ وآخر.

 

الأسباب.. بين الجملة والتجزئة

أرجع رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن الانخفاض "الكبير" في أسعار الدجاج إلى الوفرة الكبيرة في إنتاج الصيصان عبر مختلف ولايات الوطن، بالإضافة إلى توفر كميات كبيرة من أمهمات الدواجن، معظمها مستورد، التي فاقت احتياجات السوق المحلية. هذا الفائض في الإنتاج ساهم بشكل كبير في تراجع الأسعار.

ولم يخفِ بن شيبة أنّ قرار الحكومة بالسماح بذبح الدواجن بعد 35 يومًا بدلاً من 49 يومًا كان له دور كبير في هذا الانخفاض، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء كان من بين المطالب التي رفعتها الفيدرالية إلى الحكومة في أكثر من مناسبة، حيث تم الاستجابة أخيرًا بإصدار القرار الذي يسمح ببيع الدجاج الموجه للاستهلاك بعد الأسبوع الخامس من عمره.

من جهة أخرى، يرى مربي الدواجن عثمان شيهان أنّ ظهور مستثمرين كبار في هذا القطاع ساهم أيضًا في خفض الأسعار. هؤلاء المستثمرون يعتمدون على الكميات الكبيرة من الدواجن، حتى وإن كان هامش الربح صغيرًا، في حين أن المربين الصغار بحاجة إلى هامش ربح أكبر نظرًا للعدد المحدود من الدواجن التي يستثمرون فيها.

ضمان الاستقرار خلال رمضان

يتوقّع رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن أن تستمر أسعار اللحوم البيضاء في الاستقرار خلال شهر رمضان المقبل، ولن تشهد ارتفاعًا كبيرًا كما حدث في العام الماضي. هذا التوقع يعود إلى الوفرة الكبيرة في الإنتاج، حيث يتوقع أن تبقى الأسعار كما هي عليه الآن، أي حول 300 دينار أو أكثر بقليل.

كما أنّ انخفاض أسعار الصيصان في الفترة الأخيرة، حيث وصل سعرها إلى 60 دينارًا بعد تراجع أسعار الدجاج، قد يساعد في استمرار انخفاض الأسعار في رمضان. وأوضح أن السعر المثالي الذي يرضي المربي والمستهلك هو أن يباع الصوص بـ 80 دينارًا كأقصى تقدير.

 وأكد رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن أنّ "المستهلك الجزائري سيصوم رمضان في أريحية". وأضاف أن الحكومة قامت باتخاذ إجراءات استباقية منذ أكثر من أربعة أشهر بتخزين الفائض من اللحوم البيضاء، وذلك من خلال اتفاقية موقعة بين المجمع العمومي "أوناب" وفدرالية مربيي الدواجن.

وفي هذا السياق تمّ بيع الصيصان للمربين في مختلف أنحاء الوطن وفق أسعار تعاقدية، ليقوموا بدورهم ببيع الدجاج للمتعاملين العموميين أيضًا بأسعار تعاقدية.

 

هل التخزين هو الحل؟

لمواجهة التقلبات المستمرة في أسعار الدواجن، يعتقد رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن، علي بن شيبة، أنّ الحلّ يتمثل في اللجوء إلى تخزين الفائض في غرف التبريد لضبط السوق ومكافحة المضاربة، كما يتم مع مواد أخرى ذات استهلاك واسع مثل البطاطا.

ويهدِف هذا الإجراء – حسبه- إلى تفريغ المخزون الاستراتيجي عند وجود نقص في المعروض، مما يساعد على كسر أي ارتفاع محتمل في الأسعار.

مفاوضات بين الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن ووزارتي التجارة والفلاحة، ترمي إلى سنّ إجراء تنظيمي يسمح بتخزين الفائض من منتوج الدواجن

وأشار بن شيبة إلى أنّ الجزائر تمتلك اليوم غرف تبريد كافية لتخزين الفائض من الدواجن، مما سيساهم في تجنب خسائر المربين وضبط الأسعار في حال حدوث مضاربة.

اللافت أنّ العديد من الخواص يمتلكون غرف تبريد بطاقة استيعاب جيدة، إلا أنهم لا ينشطون في هذا المجال خوفًا من اتهامهم بالاحتكار وتطبيق العقوبات التي ينص عليها قانون مكافحة المضاربة.

ولفت  إلى مفاوضات تجريها الفيدرالية مع وزارتي التجارة والفلاحة، ترمي إلى سنّ إجراء تنظيمي يسمح بتخزين الفائض من منتوج الدواجن، إذ يهدِف هذا الإجراء إلى إدخال اللحوم البيضاء ضمن نظام التخزين الذي يخص المواد ذات الاستهلاك الواسع، ممّا سيُسهِم في حماية المربين من الخسائر ويحافظ على استقرار الأسعار في حال حدوث أي زيادة غير مُبرّرة.

وبإمكان هذه الخطوة؛ تجنيب الحكومة اللجوء إلى استيراد اللحوم البيضاء وضبط الأسعار، مشيرًا إلى أن الاستيراد في ظل وجود فائض في الإنتاج سيزيد من معاناة المربين ويُفاقم الوضع، إضافة إلى تكبّد الخزينة العمومية خسائر في العملة الصعبة.

في السياق، تعهّد المُتعاملون استيراد 13 ألف طن من اللحوم الحمراء و  15 ألف طن من اللحوم البيضاء لتلبية احتياجات السوق خلال شهر رمضان، وفق تصريحات محمد مزغاش، المدير العام للرقابة الاقتصادية بوزارة التجارة.

وأكد رئيس الفيدرالية الوطنية لمربي الدواجن، أنّ الجزائر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في اللحوم البيضاء إذا تمّ ضبط الأسعار وتطبيق نظام التخزين لضبط الأسعار .

 وبلغ معدل الاستهلاك من اللحوم البيضاء، حسب أرقام رسمية ما بين 15 إلى 18 كلغ سنويا سابقا إلى أكثر من 20 كلغ حاليا، وهو ما يتطلب اتخاذ استراتيجية وطنية شاملة لتلبية هذا الاحتياجات على مدار العام ولا تكون مرتبطة بمواسم ومناسبات معينة.