13-أغسطس-2022
الجنرال توفيق، خالد نزار (الصورة: راديو أم)

الجنرال توفيق، خالد نزار (الصورة: راديو أم)

على نقيض الأحكام القضائية الصارمة التي شهدتها أقطاب العدالة خلال السنتين الماضيتين، وقّعت المحاكم الجزائرية طيلة الأسابيع الأخيرة قرارات إطلاق سراح عدد من الوزراء والإطارات العليا الذين كانوا مصنفين إلى وقت قريب ضمن خانة "رموز النظام السابق"، ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات السياسيين التي مفادها "الاستمرار في مكافحة الفساد وضرب الفاسدين بيد من حديد".

تباينت الآراء حول حول إطلاق سراح بعض الوزراء والمسؤولين المتورطين في قضايا فساد لدواعي صحية أو لاستنفاذ عقوبتهم 

وسارع قانونيون إلى تبرير هذه الخطوة بانتهاء فترة العقوبة للمفرج عنهم، على غرار وزير النقل الأسبق بوجمعة طلعي الذي توفي أيامًا بعد مغادرته السجن، أو لأسباب صحية ترهن حياة المحبوسين، وتضطر القضاء الجزائري للمسارعة إلى إطلاق سراحهم، كما كان عليه الحال بالنسبة لوزيرة الثقافة المثيرة للجدل خليدة تومي، حيث حالت "الدوافع الطبية" دون إبقاء بعض الأسماء في السجن واستفادتها من الإفراج المشروط.

وطرحت خطوة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتاريخ 2 آب/أوت 2022 عند تكريمه لقيادات سابقة في الجيش الوطني الشعبي على غرار الجنرال خالد نزار والفريق محمد مدين المشهور باسم "الجنرال توفيق"، الكثير من التساؤلات.

ومعروف عن هؤلاء المكرمين أنهم إما كانوا ضمن فريق المسؤولين السامين المتواجدين في السجن والمتابعين بقضايا كبرى أو محل تحقيقات واتهامات خطيرة، بعد سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

ودفعت قرارات الإفراج والتكريم التي شاهدها الجزائريون في التلفاز وقرأوا عنها في الجرائد خلال شهري تموز/ جويلية وآب/أوت2022 إلى القول إن الرئيس عبد المجيد تبون وبخطوات غير مباشرة، كشف عن حقيقة مبادرة "لم الشمل" التي أماط اللثام عنها شهر  أيار/ماي الماضي، والتي قال السياسيون وقتها "إنها ولدت غامضة وغير مفهومة ومبهمة إلى حد بعيد".

مبررات الإفراج

ويفصّل المحامي والقاضي السابق خميسي عثمانية في دوافع الإفراج عن بعض الوزراء السابقين والمسؤولين المتورطين في قضايا فساد مؤخرًا، مؤكدًا أن الأمر يتعلق سواء باستنفاذ العقوبة أو الاستفادة من الإفراج المشروط او لأسباب صحية وكلها قراءات قانونية تستند إلى قانون "تنظيم السجون ونتائج إعادة التأهيل الاجتماعي في المؤسسات العقابية".

 محدث "الترا جزائر" يؤكد أن قانون تنظيم السجون يتضمن عدة حالات للإفراج، تتعلق بالعفو أو تخفيض جزئي للعقوبة أو كلي لأسباب صحية أو حسن السيرة والسلوك، وهي إجراءات معمول بها في كافة أنظمة العالم، وتندرج ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، باعتباره المخول دستورا بإجراءات العفو المقررة.

وفيما يتعلق بالحالات الخاصة التي ينظمها قانون السجون، تحدث المحامي أيضا عن الإفراج المشروط، لكل مسجون أتم نصف العقوبة وهو وضع وزير العمل الأسبق محمد الغازي، الذي سيقضي ما تبقى من فترة العقوبة خارج المؤسسة العقابية، ويكون مقيدا بمجموعة من الشروط، منها الحد من التنقل وحرمانه من جملة من الحقوق، وهي نقاط إذا وافق عليها المسجون يمكن أن يستفيد من إجراءات الإفراج المشروط.

ومن بين مبررات الإفراج عن المساجين الملفات الصحية، حيث أن حياة الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، مهددة داخل السجن، ما يؤهلهم إلى الاستفادة من الإفراج بشروط ويشمل الوضع من تجاوز سن الـ65 بالدرجة الأولى.

وبالمقابل، يجزم المحلل السياسي عبد الرحمان بن شريط في إفادة لـ"الترا جزائر" أن التفسيرات والتأويلات اختلفت حول إطلاق سراح بعض الوزراء والمسؤولين المتورطين في قضايا فساد، يقبعون بالمؤسسات العقابية منذ سقوط النظام السابق، بين من يرى أن هؤلاء استوفوا عقوبتهم القانونية، ومن يشدد على أنها مجرد تسوية ودية مع من وصفوا في مرحلة من المراحل السابقة بـ"رموز العصابة".

وبالعودة إلى الحالات المتعلقة بإطلاق سراح المسجونين، يؤكد بن شريط أن مغادرة وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي السجن مجرد قرار مؤقّت، حيث استفادت من الإفراج الظرفي لمبرر صحي حتى تتمكن من العلاج خارج أسوار السجن، كما يمكن أن تعود الى الحبس في أيّة لحظة، أما بالنسبة لوزير العمل السابق محمد الغازي، فإن ملفه الطبي يؤهله للاستفادة من الإفراج المشروط، لاسيما وأنه استنفذ نصف عقوبته في السجن، في وقت استنفذ الوزير المتوفى مؤخرًا بوجمعة طلعي فترة عقوبته كاملة قبل خروجه، وهو نفس حال وزير الصناعة الأسبق يوسف يوسفي.

لم الشمل يتوسع

ويربط بعض المحللين بين الإفراج عن الوزراء السابقتين ومبادرة لم الشمل، ويؤكد بن شريط: "الوضع القانوني لهؤلاء واضح، أما بالنسبة للقراءة السياسية، فالحديث عن معالجة ملفات المفرج عنهم، في إطار مبادرة لم الشمل، ممكن، ولكن الأمر سابق لأوانه، فهذه المبادرة لا تزال غامضة المعالم".

ويعتقد المحلل السياسي أن المؤكد هو أن الرئيس تبون  يسعى لبناء جزائر جديدة وطي صفحة الماضي مع الأشخاص الذين اخطأوا في مرحلة من المراحل، شريطة عدم تورط هؤلاء في قضايا تمس الوحدة الوطنية، ويشمل الأمر إما المعنيين بالإفراج، أو حتى المكرمين مطلع شهر آب/أوت من قيادات عسكرية سابقة.

وعلى نقيض ذلك، يرى رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم أحمد صادوق في تصريح لـ"الترا جزائر" أن "الجزائر ليست بحاجة إلى لم الشمل مع الفاسدين، ولو كان المقصود من إطلاق سراح البعض وتكريم آخرين لم الشمل، فالمبادرة خاطئة".

ويرفض المتحدث مبدأ إخلاء سبيل بعض المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد، مصرحا: "هؤلاء استفادوا من الإفراج المؤقت، نحن لا نتفهم الدوافع من هذا الإجراء، لاسيما وأن المفرج عنهم متورطون في تجاوزات، وثبتت إدانتهم، المفروض أن يستنفدوا محكوميتهم في السجن ويسددوا الغرامات، أما إطلاق سراحهم، فهذا الأمر يشجع الكثير من أمثالهم، ليرتكبوا الجرائم".

هل سيمس الإفراج أسماء جديدة؟

وبخصوص إمكانية أن يشمل الإفراج أسماء جديدة مستقبلًا، يقول القيادي بحركة مجتمع السلم أنه لا يمكن التنبؤ بذلك الآن، لاسيما في ظلّ غياب معايير يمكن الاستناد عليها في بناء التوقعات، مضيفا "دائمًا نتفاجأ بقرارات جديدة وأحيانًا غير مدروسة".

وخلافًا لذلك يرى المحامي والقاضي السابق عثامنية خميسي أن الجزائر قد تشهد مستقبلًا الإفراج عن  قائمة أخرى من المساجين استنادًا إلى ما ينص عليه قانون تنظيم السجون.

يستند متابعون إلى مبررات قانونية تُدرج إطلاق رموز النظام السابق في سياق مبادرة لم الشمل 

وفي النهاية، ورغم استنادها إلى مبررات قانونية، تبقى قرارات إطلاق سراح المساجين من رموز النظام السابق، خطوة تحمل في باطنها رسائل مشفرة مضمونها "هذه حقيقة مبادرة لم الشمل"، خاصة بعد تكريم أسماء كانت بالماضي القريب مصنفة ضمن خانة "المغضوب عليهم"، فهل ستعبد هذه الخطوات مسار الجزائر الجديدة البعيدة عن الصراعات والتجاذبات وتعددية الأقطاب؟