31-أكتوبر-2020

السلطة السياسية تبحث عن مشروعية من خلال استفتاء الدستور (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تفصلنا ساعات قليلة عن بدء الانتخابات المتعلقة بالاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، وسط دعوات أصوات من السلطة إلى المشاركة بقوّة في الاستفتاء، ورهانهاعلى نسبة التصويت بـ "نعم" على المشروع، أمام فرضيات المقاطعة للانتخابات أو التصويت بـ "لا" لهذه الوثيقة المعدّلة، في أولى استحقاقات تشبوها الكثير من التجاذبات السياسية، منذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون كرسي الرئاسة بقصر المرادية بأعالي العاصمة الجزائرية.

لطالما تخوّفت السلطة من العزوف الانتخابي للشارع الجزائري

رِهان التّصويت

يعتبرُ الرهان الأوّل للسلطة السياسية في الجزائر، هو رفع نِسبة المشاركة بحيث تصبو إلى أن تتجاوز الأرقام النسبة التي عرفتها في انتخابات 2019، بـ 38، في المائة ولذلك هي تعمل على إقناع أكبر قدر من الناخبين من أجل الذهاب الى مراكز التصويت وملء صناديق الاقتراع.

اقرأ/ي أيضًا: استفتاء الدستور.. أزيد من 24 مليون ناخب جزائري مسجّلون في القوائم الانتخابية

لطالما شهدت الجزائر مخاوف من العزوف الانتخابي، خاصّة أمام الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المواطن بسبب جائحة كورونا من جهة، وبسبب المشكلات المتراكمة منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، مما يوحي بأن السلطة حاليًا أمام سباق نحو إقناع الناخبين بجدوى الاستفتاء أولًا، والتّصويت بنعم ثانيًا.

 

ومن بين المؤشّرات التي توحي بأن السلطة متخوّفة من العزوف الانتخابي، تكثيف خرجات المخوّلين بخطابات الحملة الانتخابية من وزراء ورؤساء أحزاب موالية للسلطة، فضلًا عن خرجات قائد الجيش اللواء السعيد شنقريحة، الذي كثّف من تدخّلاته في الفترة الأخيرة علاوة عن خطاباته السياسية في أيان الحملة الانتخابية التي أسدلت ستارها، بهدف من توعية الموطن بـ"حقّ الانتخاب وإبداء الرأي"، واستقطابه بهدف زيادة حجم الإقبال على مكاتب الاقتراع.

النّسبة تمنح الشرعية

في الجانب الآخر، يعتبر الرّهان الثاني للسّلطة هو الحصول على نسبة معقولة ومقبولة بـ"نعم" لصالح مشروع تعديل الدستور، ولفائدة التغييرات التي مسّت الوثيقة الدستورية المرتقب رؤيتها للنور بداية هذا الشهر، حيث تعتبر النّسبة مهمة إذا كانت أكثر من 60 في المائة لأنها تعطي شرعية للدستور وشرعية للمشروع السياسي للسلطة.

نسبة القبول مهمة أيضًا لأنها تساهم في ترميم شرعية الرئيس المتأثّرة بالظّروف التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية الماضية بسبب المقاطعة ومظاهرات الحراك الشعبي التي رفضت الانتخابات الأخيرة.

وضمن رهان النّسبة الأعلى للتصويت، يؤكّد المتحدث باسم السلطة المستقلّة للانتخابات الأستاذ علي ذراع في تصريحات صحافية أن الهيئة تعمل على ضمان أكبر قدر من المشاركة قائلًا: " نحن نحاول اقناع المواطنين بالذهاب الى صناديق الاستفتاء، وأكبر تحدّ لنا هو نسبة المشاركة التي يجب أن تكون محترمة خاصّة وأن الاستفتاء سيصادف يومًا تاريخيًا يتعلق بمرجعية الجزائر"مضيفًا" أنّه من الضروري أن نتجند لهذا التاريخ لإنجاح العملية الانتخابية حتى ترجع السلطة الحقيقية والسيادة الحقة للمواطنين والشعب".

بالعودة إلى الوراء، فإن سعي السلطة لتجاوز سقف نتائج الانتخابات مؤشّر التصويت في آخر استحقاقات شهدتهما البلاد قبل الحراك، الانتخابات النيابية التي جرت في أيار/ماي2017، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 37.09 في المائة، ثم الانتخابات المحلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بنسبة نسبة مشاركة في الانتخابات المحلية 46.83 بالمائة بالنسبة للمجالس الشعبية البلدية 44.96 بالمائة بالنسبة للمجالس الولائية، وبعد الحراك في كانون الأول/ديسمبر 2019، التي بلغت نسبة 39.83 بالمائة.

وبرغم تغيّر للظروف السياسية قبل وبعد الحراك الشعبي، لكن رهان السلطة هذه المرة لرفع المؤشر الانتخابي إلى سقف مقبول يتجاوز 60 في المائة أو أكثر، حيث يتعلّق هذه الخطوة السياسية بتحقيق هدفين أساسيين هما: الحصول على شرعية شعبية قوية للدستور، باعتباره الوثيقة الأساس التي ستمسح للسلطة وللرئيس عبد المجيد تبون بإطلاق مشروع إصلاحات سياسية تأخذ مشروعيتها من المصادقة الشعبية على الدستور، أوّلًا، أما الثّاني يتصل بحصول الرئيس على شرعية شعبية تعزّز شرعيته الانتخابية التي حصل عليها في ظروف غير طبيعية في انتخابات 2019، بسبب المقاطعة الشعبية ومظاهرات الحراك التي كانت مستمرّة في تلك الفترة.

كما أن بعض القراءات التي يكشف عنها المتابعون للشأن السياسي العام في الجزائر، تذهب إلى القول إن نسبة التصويت ستكون أعلى بقليل من الانتخابات الرئاسية السابقة في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، بسبب إعلان كتلة من القوى التي كانت قاطعت للرئاسيات عن مشاركتها في التصويت في الاستفتاء بغض النظر عن الموقف من التعديلات الدستورية، وهذا في حد ذاته "انتصار للسلطة في الدفع بالكثيرين من المعارضين للاستحقاقات الرئاسية للاستفتاء على الوثيقة الرسمية".

وأمام هذه الخطوة، يؤكّد الأستاذ في العلوم السياسية، محمد قادري أن "الاستفتاء هو مصيري من الناحية الشكلية، لأنه يحدّد معالم التغيير المنشود، موضحًا في حديث لـ "الترا جزائر"، أنه في تحليل إجرائي للمواد التي تضمها الوثيقة الدستورية، وجب التثبت من استجابته لتيارات وأطياف متعدّدة في الجزائر.

ولفت الأستاذ قادري إلى أن الوثيقة لا يمكنها أن تكون شاملة مائة بالمائة، وتحتاج إلى تمتين بإلحقاها عدة قوانين إضافية عقب استتباب الاستفتاء ونتائجه، لأنها تشتمل في النهاية أي الوثيقة على محاور كبرى لتسيير مؤسسات الدولة تحتاج إلى قوانين تسيّر المؤسسات الأحكام المتابعة لها.

تراهن السلطة على تعديل الدستور لتحصيل مشروعية سياسية وشعبية جديدة

من خلال ما سبق، فإن معطيات الساحة السياسية في الجزائر تفيد برهان السلطة على استفتاء تعديل الدستور، لتحصيل مشروعية سياسية وشعبية جديدة توفّر لها أريحية تنفيذ خطط الإصلاح السياسي التي ينشدها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وفي مختلف المجالات مستقبلًا، وفق رؤيتها، لكن الاستفتاء يمثّل في الوقت نفسه رهانًا لقوى المعارضة التي تتطلع لإفشال الدستور، سواءً بالمقاطعة بالنسبة لقوى التيار الديمقراطي خاصّة، أو عبر الرفض والتصويت بلا بالنسبة للقوى الرافضة للدستور من أساسه وانتظارات الشارع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استفتاء الدستور.. سلطة الانتخابات تسطّر لقاءات تشاورية مع الأحزاب والجمعيات

4 جهاتٍ فقط لتنشيط الحملة الانتخابية لاستفتاء الدستور