26-يونيو-2019

مشجعو المنتخب الجزائري/ كان 2019 (سيباسيتان فريج/Getty)

بعيدًا عن التّحاليل والقراءات الرّياضيّة المتعلّقة بمشاركة الفريق الوطني الجزائريّ لكرة القدم، في كأس أمم أفريقيا بمصر، بما فيها مقابلته الافتتاحيّة، التّي فاز فيها بثلاثية نظيفة على فريق كينيا، بما أهّله لأن يتصدّر مجموعته، ثمّة ملاحظات اجتماعيّة وسياسيّة أبداها الجزائريّون، في مجالسهم الواقعيّة والافتراضيّة، بخصوص هذه المشاركة.

مشجعو كرة القدم قاطعوا الملاعب تجنّبًا لأيّة خلاف يحدث بين الأنصار فيتمّ تمييع الحراك والتّشويش عليه

في مدينة مجّانة، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، ثمّة ينبوع عذب يُسمّى "عين الباشاغا" يقصده النّاس من أماكن بعيدة للتزوّد منه، فحدث أن رصدت حديثًا سأل فيه أحدهم: "لماذا قاطع الجزائريّون مقابلات للفريق الوطنيّ وفرق ذات امتداد جماهيريّ، خلال الحراك داخل الجزائر، بينما تفاعلوا معه في كأس أمم أفريقيا؟ ردّ آخر أنّ المقاطعة السّابقة والاهتمام الحالي كليهما دليل وعي. فالشّباب قاطعوا الملاعب في الجزائر تجنّبًا لأيّة فتنة بين الأنصار، فيتمّ تمييع الحراك والتّشويش عليه، مثلما تسعى إليه السّلطة المرفوضة. واهتمّوا بالفريق الوطنيّ في كأس أفريقيا لأنّه، في هذا السّياق، بات يمثّل الألوان الوطنيّة فقط.

اقرأ/ي أيضًا: جغرافية الحراك الجزائري.. بين المركز والعمق

هنا، يقول المصوّر خليل بن قرّي إنّ قراءة بسيطة لجملة من منشورات الجزائريّين في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك تجعلنا نلمس اهتمامهم بمسار الفريق الوطنيّ في كأس أفريقيا. "لكنّهم في المقابل لم يخرجوا إلى الشّوارع، بعد فوزه على كينيا، بالشّكل الذّي كانوا عليه في السّابق، ولم يصنعوا تلك المشاهد، التّي كانوا يصنعونها في مثل هذه المفاصل. أنا نفسي حملت مصوّرتي وخرجت طمعًا في تصوير مشاهد خاصّة، فلم أعثر على ما يثير انتباهي". يضيف: "ثمّة ظاهرة علينا الانتباه إليها هي أنّ الشّوارع لم تخلُ من الشّباب أثناء المقابلة، وهذا ما لم يكن يحدث قبل الحراك".

سأله "الترا جزائر" عن السّبب في رأيه، فقال إنّه يفهم الأمر من زاوية أنّ الجزائري، بعد تجربة الحراك الشّعبي والسّلمي، وقع في التّوازن النّفسي، الذّي كان يبحث عنه من خلال كرة القدم، "لم تكن كرة القدم سابقًا طبيعيّة في واقع طبيعيٍّ، بل كانت مسكّنًا تحت رعاية الحكومة، حتّى لا يزعجها الشّعب، خاصّة الشّباب". يشرح فكرته: "ما كان يجده الشّابّ المتأزّم سابقًا في الملعب، ممّا يُدرج في التّنفيس، بات يجده في المسيرات والتجمّعات الشّعبيّة".

"يتنحّاو قاع" في الكان

ويذهب نقاش حضرنا جانبًا منه في مقهًى شعبيٍّ إلى القول إنّ كرة القدم هي نفسها باتت ضمن الحقول التّي كشف الحراك عن فسادها وفساد نسبة كبيرة من مسيريها والقائمين عليها والسّياسات النّاظمة لها، "فضمّهم الشّباب إلى المشمولين بشعار "يتنحّاو قاع".

ومن الجمل التّي تفسّر واقع تفاعل الجزائريّين مع فريقهم الوطنيّ، الذّي يجمع بين تمنّي الفوز له، انتصارًا للألوان الوطنيّة، بغضّ النّظر عن مرافقة وزير الرّياضة المرفوض شعبيًّا له، والبرودة في التّعبير عن الفرحة بفوزه في الوقت نفسه، مخافة أن تستغلّ السّلطة القائمة الفوز في اتجاه "تبريد" الشّارع، قول أحدهم: "مثلما نحن في انتظار حكومة نظيفة، نحن أيضًا في انتظار فريق نظيف يكون إفرازًا لبطولة وطنية نظيفة".

فسبوكيًّا يقول المدوّن والطّالب الجامعيّ عمر دريوش إنّ الرايات الثلاث كانت حاضرة في مدرجات الملعب. "وبعد انتهاء المباراة قام مناصرو الفريق الوطنيّ بتنظيف مقاعدهم. الحراك لا تحكمه الجغرافيا". ونقرأ في ردّه على أحد التّعليقات: "هناك مؤشّرات عن ارتفاع البعد الجماليّ عند الجزائريّين بسبب الحراك. رأينا في مقابلة الفريق الوطنيّ مع كينيا البالونات الملوّنة وغيرها من الإكسسوارات وحتّى العنصر النّسويّ باختلافاته كان حاضرًا".

فيما تفاعل قطاع واسع من "الفسابكة" مع قرار السّلطات المصريّة طرد مناصر جزائريّ حمل شعار "يتنحّاو ڨاع" في مدرّجات الملعب.

تساءلت الإعلاميّة آسيا شلابي في تدوينة فيسبوكيّة لها: "أتفهّم أن يرفع المناصر الرّياضيّ شعارًا رياضيًّا، لكن ما دخل شعار "يتنحّاو قاع" في مصر؟ قليلًا من العقل". فيما طرح الإعلاميّ مروان الونّاس سؤالًا طريفًا: "ما هي التّرجمة المصريّة لشعار يتنحّاو قاع".

السياسة وكرة القدم

في مقابل إرسال قطاع واسع من روّاد فيسبوك غمزاتٍ تخصّ ما أسموه "رداءة تعليق موفد التّلفزيون الجزائريّ كريم آيت عثمان"، أرسل الشّاعر علي مغازي غمزة ذات بعد سياسيّ يقول فيها: "الإنترنيت لم يقطعوها، والفريق لم يخسر، والحكم لم ينحز ضدّنا، ننام دون أن ننتقد أيّ شيء. هل هذا معقول؟".

يقترب الحراك الشعبي من جمعته الـ 19 من غير أن يفصل في كثير من المطالب الجوهريّة

من الطّبيعيّ أن تنحاز التّفاعلات الشّعبيّة مع الفريق الوطنيّ لكرة القدم عن مجراها الرّياضيّ الصّرف، بالنّظر إلى طبيعة الفترة التّي يُمثّل فيها داخل تظاهرة كرويّة قارّيّة، شعبًا بات منقسمًا بسبب تباين مواقفه السّياسيّة، في ظلّ حراك يقترب من جمعته الـ 19، من غير أن يفصل في كثير من المطالب الجوهريّة. فهل تنتبه السّلطة القائمة إلى هذه الرّسائل السّياسيّة والاجتماعيّة المتفاعلة مع مشاركة رياضيّة؟  

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مثقّفون جزائريّون يُقاربون الحراك السّوداني

أثر الحراك على التلفاز.. البرامج السياسية تتفوق على الدراما في رمضان