22-سبتمبر-2022
نساء يمارسن رياضة الغولف (الصورة: أندبندنت عربية)

نساء يمارسن رياضة الغولف (الصورة: أندبندنت عربية)

لوّح رابح مازاري جمال بمضربه نحو الأطراف الشمالية لميدان الغولف الوحيد بالجزائر، متحدثًا بأسىً عن تآكل مساحة أحد أقدم ملاعب هذه الرياضة النبيلة في أفريقيا تدريجيًا، بسبب زحف الإسمنت ومحاولات الاستيلاء على أراضيه لتحويلها إلى بنايات.

ينفي بطل الجزائر في الغولف أن تكون هذه الرياضة خاصة بالأثرياء فهو ينتمي إلى جيل من اللاعبين كانوا في السابق حملة للمضارب

يقول جمال إن مساحة الملعب الذي افتتح في 1947 تراجعت من 38 هكتارًا إلى 27 هكتارًا في الأعوام الأخيرة، بسبب اقتطاع مساحات منه وتحويلها إلى طريق رئيسي وتحول مساحات منه إلى أحراش، على حد تعبيره.

وأوضح بطل الجزائر في الرياضة 7 مرات وصاحب 5 كؤوس وطنية في مقابلة مع "الترا جزائر"، بميدان الملعب أنه بعد اقتطاع أجزاء منه، فإن آخر هواجسهم هو اللعب في ميدان من 9 حفر بدل 18 حفرة حاليًا، لكن خوفهم هو أن تنجح محاولات الاستيلاء عليه من قبل أطراف تريد تحويله لإقامة شقق، ليلقى المصير نفسه لأول ميدان غولف عمر بين أعوام 1910-1939.

ملعب الغولف في الجزائر

ويعد بطل الجزائر في الغولف من القلة التي لا زالت تداوم على ممارسة هذه الرياضة التي تعد من أقدم الرياضات التي دخلت البلاد في فترة الاستعمار الفرنسي على يد هواة لعبة يعتقد أنهم أميركيون، أنشأوا أول ميدان بمنطقة "لا رودوت" (وسم فرنسي لمنطقة المرادية حاليًا حيث مقر الرئاسة الجزائرية)، والتي لازالت تحتفظ باسمها القديم "الغولف".

وبحسب رأيه، فإن عدد ممارسي رياضة الغولف في الجزائر المداومين لا يزيد عن 50 لاعبًا يتوزعون على نوادٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد، إلى جانب قطاع من العاملين في السلك الدبلوماسي الأجنبي لازالوا يواظبون على زيارة الميدان نهاية كل أسبوع، رغم تدهور حالته.

ويعكس تراجع عدد الممارسين، رغم محاولات بذلتها اتحادية الرياضة ودعم ممثليات دبلوماسية أجنبية مثل السفارتين الكورية والأميركية، الصعوبة التي تواجهها اللعبة في الجزائر، حيث تبقى أسيرة صورة نمطية متداولة بأنها لعبة للأثرياء وفاضحة لعجز قطاع السياحة في البلاد على استغلال شساعة البلاد ووفرة العقار لإنجاز ميادين غولف خاصة من منطق أن السائح لاعب الغولف أكثر مردودية ماليًا بـ 10 مرات من السائح العادي.

وخلال مقابلة أجرتها "الترا جزائر" مع مسؤولين سابقين في الدولة يشغلون عضوية البرلمان، غرق وزير سابق للرياضة في الضحك: "قائلًا لست من ممارسي هذه الرياضة إنها رياضة للأثرياء"، رغم أنه في منظور المواطنين العاديين غني، فيم استغرب وزير سابق آخر الاهتمام بلعبة الغولف وإهمال الحديث عن رياضة الفروسية فهي رياضة الأجداد من منظوره.

ملعب الغولف في الجزائر

وفي هذا السياق ينفي رباح مازاري توصيف اللعبة بأنها لعبة للأثرياء فهو ليس ثريًا بالمرة، قائلًا إنه ينتمي إلى جيل من اللاعبين الذين عملوا حملة للمضارب أو "كادي"، وهو التوصيف الذي يستخدم لمرافقي اللاعبين والممارسين الهواة مقابل أموال.

وقال اللاعب الستيني الذي تقاعد عن العمل بعد عقود من العمل في قسم "ميكانيكا الدقة" لدى شركة الكهرباء والغاز المملوكة للدولة، إنه "تعلمنا من خلال مرافقة ومشاهدة اللاعبين الذين اخذوا الخبرة من الفرنسيين والأجانب خلال فترة الاستعمار".

لعبة مهددة بالاختفاء

من جهته، قال لخضر.ع وهو أستاذ جامعي وهاوٍ للعبة في تصريح لـ "الترا جزائر"، إن الفضل في انتشار الغولف بين الجزائريين (الأنديجان حسب التوصيف الاستعماري لهم) يعود لفرد من عائلة قدرة (guedra) انتدبه فرنسي خلال فترة الاستعمار لجمع الكرات وحمل المضارب ومنحه مكانًا للمبيت في النادي رفقة عائلته لصيانة الملعب.

ورث الأبناء هذه الصنعة من أبيهم وأصبحوا مرافقين بدورهم ثم أبطالًا محليين ومكونين منهم ابنه فؤاد الذي ترأس اتحادية اللعبة لسنوات قبل طرده بقرار وزاري في سنة 2021، بينما اختار الابن الآخر فريد الذي هاجر إلى السويد تدريب اللاعبين، ومن من زبائنه بطل اللعبة في 25 دورة كبرى فيجاي سنغ الحامل لجنسية جزر فيجي والهند، مستفيدًا من التقنيات والمناهج التدريبة التي اخترعها، حيث لم يفترق الرجلان منذ لقائهما في 1988 بنيجيريا على هامش بطولة هناك.

ويشرف فريد حاليًا أيضًا على تطوير قدرات ابنه أنطوان المولود في السويد، والذي سيكون له شأن كبير في قادم الأعوام. فيم تتولى ابنته مساعدة أبيها في بناء مخططات ملاعب جديدة من خلال التخصص في هندسة ملاعب الغولف. وفي هذا الصدد أشار رابح مازاري إلى عدة لاعبين سابقين غادروا إلى فرنسا حيث يشتغلون في مجال التكوين.

ملعب الغولف في الجزائر

ميدان في حالة سيئة

وتعرف أرضية الملعب تدهورًا كبيرًا، فلم يعد يتم سقيها، وردمت الآبار الثلاثة التي كانت تستعمل في ري العشب، وخلال زيارتنا له بدا الملعب وكأنه حقل كبير للحبوب مرت عليه آلة الحصاد قبل فترة قصيرة، وسط انتشار لقناني الماء والمشروبات الغازية الفارغة والأكياس البلاستيكية.

هنا، يتدخل مازاري ويعتبر أن الملعب كان يعد إلى غاية الثمانينات من القرن الماضي جوهرة ثمينة، بفضل الاهتمام الذي حصل عليه والرعاية التي كان يحوز عليها من قبل عدد من المسؤولين في الدولة من ممارسي هذه الرياضة، قبل أن تتدهور وضعيته.

وفي هذا السياق، حمّل مازاري المشرفين عن قطاع الرياضة في الجزائر المسؤولية عن تردي وضعية الرياضة والميدان في غياب روية لتطوير هذه الرياضة التي تحوز على شعبية جارفة للدبلوماسيين ورجال الأعمال، وأكد على الحاجة الملحة لإسناد المهمة لممارسي اللعبة وإنشاء اكاديمية للعبة لتكوين البراعم وإنشاء تخصص في مراكز تكوين مدربي الرياضة بمن فيهم مركز التكوين الموجود بجوار الملعب.

الحراك ينقذ الملعب

في 2019 قامت الحكومة الجزائرية بالتنازل عن هياكل رياضية لشركات ومتعاملين منها شركة المحروقات "سوناطراك" التي حازت على امتياز إدارة ميدان الغولف وسحبته من ملكية مركب 5 جويلية الأولمبي، رغم أنها لا تتوفر على فرع لرياضة الغولف.

وفجّر القرار غضب ممارسي الرياضة خشية أن يؤدي استحواذها على الملعب وهياكله ومنها الـ "كلوب هاوس" الذي تحول إلى قاعة أفراح إلى حرمانهم من ارتياده مستقبلًا، عبر جعل دخوله حكرًا على منتسبي الشركة أو رفع مبلغ الدخول والاشتراك، لكن اندلاع الحراك الشعبي عطل مسار الاستحواذ.

وفي هذا السياق قال بطل الغولف السابق، إن تحويل ملكية الملعب لصالح شركة أو فندق راق لا يطرح مشكلة للممارسين إذا تم صرف ما يلزم من الأموال لتهيئة الملعب وإعادته لطبيعته، مستدركًا أن إعادة بناء الملعب من شأنها استقطاب رجال أعمال وتوفير مناصب عمل للمرافقين ولعمال الصيانة والحراسة"، مشترطًا هنا إسناد تسييره لذوي الخبرة.

ويعتقد محمد بو عبدالله بطل الجزائر في رياضة التنس سابقًا، خلال مقابلة معه بمقر البرلمان أن مقترحًا قدم قبل عقدين لمسؤلين رسميين لتسليم إدارة الملعب لواحد من العلامات الفندقية كانت أبدت اهتمامها بالفكرة لكن لم ينجح المشروع.

ملعب الغولف في الجزائر

وأوضح بو عبد الله الذي عمل طبيبًا جراحًا: "تُغري ملاعب الغولف رجال الأعمال والدبلوماسيين، فهم يختارون المدن التي تتوفر على مثل هذه التسهيلات، ولانعدامها في الجزائر تراهم يفضلون دولًا توفر لهم مثل هذه الامتيازات".

في مقابل ذلك، يحذّر الأستاذ لخضر، الذي درس في تركيا ومارس الغولف هناك، من مخاطر تحويل الملعب لملكية شركات أو منتجعات سياحية لأنه سيحرم أبناء العامة من ممارسة هوايتهم، على حدّ قوله.

إلى هنا، حمل مازاري المشرفين عن قطاع الرياضة في الجزائر مسؤولية تردي وضعية الرياضة والميدان، في غياب رؤية لتطوير هذه الرياضة التي تحوز على شعبية جارفة للدبلوماسيين ورجال الأعمال.

وأكد المتحدّث على الحاجة لإسناد المهمة لممارسي اللعبة وإنشاء أكاديمية خاصة بها لتكوين البراعم وإنشاء تخصص في مراكز تكوين مدربي الرياضة بمن فيهم مركز التكوين الموجود بجوار الملعب.

مقارنة بدول الجوار تتوفر المغرب على 36 ملعبًا وتونس على 22 ملعبًا وفرنسا على 800 ملعب 

مقارنة بدول الجوار، تتوفر المغرب على 36 ملعبًا منها 25 ملحقة بفنادق ومجمعات سياحية، وتونس على 22 ملعبًا حسب إحصاء نشره أحد المواقع الخاصة بالرياضة، فيم تتوفر فرنسا على 800 ملعب وإسبانيا على 497 وإيطاليا على 331 ملعب.