28-مايو-2022
المركز العربي

(الصورة: المركزُ العربي للأبحاث ودراسة السياسيات)

فريق التحرير - الترا جزائر

انطلق صبيحة السبت، "مؤتمرُ الدراسات التاريخية"،  الذي يعقده "المركزُ العربي للأبحاث ودراسة السياسيات"، في مقرّه بالدوحة، لمناقشة القضايا التاريخية التي أثارتها الثورة الجزائرية، تحت عنوان "الثورة الجزائرية في ذكرى انتصارها الستين، إعادة قراءة لمسارها ومكانتها وما تراكم من سرديات عنها".

المؤرّخ ناصر الدين سعيدوني: السرديات عن الثورة الجزائرية محدودة ومُلغّمة بالأنتروبولجيا 

وفي المحاضرة الافتاحية للمؤتمر، قال الباحث والمؤرّخ ناصر الدين سعيدوني، في مداخلته بعنوان: "تأمُّلات في الثورة الجزائرية في ذكراها الستّين"، إن الثورة كانت كفاحًا وطنيًّا ومدًّا ثوريًا قضى على نظام استعماري استيطاني واستبدله بمشروع وطني جزائري، معتبرًا ذلك بـ"زلزال حضاري (الثورة) غيّر معطيات التاريخ من واقع متأزم إلى نوع من الأمل والانشراح".

ووفق المؤرّخ سعيدوني، فإن "حضور الثورة الجزائرية في الواقع هو حضور ماض انقضى ولكنه حضور مستقبل منتظر"، مؤكّدًا على أنّ "الثورة الجزائرية هي ثورة عالمية، أصيلة في بعدها الإنساني وفاعليتها"، ومن ميزاتها أنها اعتمدت على بعث الأمة الجزائرية واسترجاع سيادتها أمام آلة استعمارية مدمرة، بحسبه.

الباحث والمؤرّخ ناصر الدين سعيدوني

وعاد إلى انطلاق الثورة الجزائرية، بالقول: "الثورة لم تكن أبدًا نتيجة حركات سياسية تحريرية وإنما هي نتيجة لخيبة أملٍ وصل فيها الشعب الجزائري إلى الطريق المسدود، والثورة هنا لها خصوصياتها، ولو دخلنا الثورة سياسيا وإيديولوجيا لما حققت الثورة نجاحاتها".

وسرد ناصر الدين سعيدوني مميّزات الثورة الجزائرية، مؤكّدًا أنّها "كانت عملًا تحرريًا خالصًا ذابت فيه الجهويات والأفكار، ولم يعد للرأي الفردي مكان فيها، لأنها كانت عبارة عن مِصْهَرٍ لكل الطاقات الجزائرية"؛ و"الثورة كانت فيها الزعامة الجماعية والمشاركة، وكل محاولة للزعامة أُحبطت رغم ما يكون مكانها وصاحبها، مثل مصالي الحاج وعبان رمضان وغيرهم، لأن الهدف تحقيق معجزة الاستقلال".

وفي حديثه عن الثورة الجزائرية ومدّها خارجيًا، لفت إلى أنّها "أعادت النفوس الحائرة عربيًا وخففت من جروح القضية الفلسطينية، فكان انتصار الثورة تخفيفٌ من تلك الجروح التي ظلت تلازم الجسم العربي إلى الآن، والثورة احتلت مكانًا أساسيًا في المصير العربي واستوطنت ذاكرته المُتعبة المتهالكة التي تعاني ضغط القوة الاستعمارية".

وفي "نقطة الثورة في ذمّة التاريخ"، من محاضرة الباحث التاريخي سعيدوني، تكلّم على أنّ "الذاكرة الجمعية للشعب الجزائري، مُعرضة، باعتبارها تخيلات وارتسامات، للتشويه وتغيير المعطيات والاختراق والتشويه والتحريف والخلط.

وهنا استدرك، بالقول: "فرنسا تحاول إشراك الجزائر في ذاكرتها. لا يمكن ذلك أبدًا، ببساطة، كلّ منّا له ذاكرته والضمير الجمعي للأمة الجزائرية مستقلّ"؛ وكلّ ما قدّمه، مؤخرًا، المؤرّخ الفرنسي بن جامين ستورا "تبقى محاولات في ذاكرة جزائرية فرنسية، وهو مشكور على ذلك"، حسبه.

وعن الدراسات الثورية وكلّ ما قُدّم عن الثورة الجزائرية، أردف: "الثورة الجزائرية لم تُدرس، هناك ملاحظات أساسية، فهي مشروع ليس تنظيري ولكنه عملي يقوم على العدالة والمساواة".

وأشار إلى أن "ما كُتب تاريخيًا يعتبر تقصيرًا، لأننا نجد سرديات محدودة وإن وُجدت فهي مُلغّمة بالأنتروبولوجيا، وعنتريات وما أكثرها"، ليكمل: "هذه السرديات لم تعط للثورة التحليل المنطقي الفاعلي المؤثر الذي يؤسس للشحنة الفاعلة حضاريًا"، وتابع: "أشكر هنا المركز  العربي على اللفتة للثورة الجزائرية، التي تعتبر تراثًا مشتركًا للإنسانية ولا سيما مع الشعوب العربية".

وشدّد في السياق على أنّ "الثورة الجزائرية تحتاج إلى مركز بحث وفرق بحث وأرشيفات، يعمل عليها الخبراء لتطويرها، لأنها ليلة قدر في تاريخ الجزائر، ونحن نفتخر بها".

وربط المؤرّخ كلامه، بما تكتنزه مكتبات فرنسية بأرشيف عن الثورة الجزائرية، قائلًا: "في فرنسا 5 آلاف علبة لتقارير الثورة الجزائرية من (1924 إلى 1967)، هذا الأرشيف يبقى محدودا بالشرطة والأحداث المدنية"، معلّقًا: "نحتاج إلى أرشيف المعارك والتقارير لأن 204 جنرال و700 عقيد فرنسي كانوا  في الجزائر للإشراف وتنسيق العمليات العسكرية وتسييرها".

ليلفت، في ملف الأرشيف، إلى أن "فرنسا تنازلت للجزائر عن قسم الشرطة، والجانب الآخر لم يُعط لها، وحتى المؤرخين الفرنسيين في حد ذاتهم لم يصلوا للأرشيف الحقيقي".

كما أثار المؤرّخ سعيدوني في ردّه على سؤال حول مؤتمر الصومام، نقاشًا، حول "التخوين"، مؤكّدًا أنّ "من يُخوّن فهو ليس مصنف، نحن في التاريخ نريد الحرية. ليس هناك خائن في الثورة الجزائرية، ومن نسميهم بذلك هم الحركى الذين غادروا باتجاه أمهم فرنسا".

وراح في توصيفه لأهمية المؤتمر التاريخي (الصومام)، بالقول: "المؤتمر له متطلبات خارجية وله مستلزمات داخلية، وكلّ ذلك قدّم طُعمًا للفرنسيين، وحصّن الثورة الجزائرية"، ليردف: "المؤتمر يحتاج إلى دراسات جديدة، لأنه ربما العالم العربي، لم يعرف مؤتمرًا بعمقه واستراتيجيته".

وفي الجلسة الأولى من المؤتمر، يتناول أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة الكوييت، الزواوي بغورة، ورقة بعنوان: "الثورة الجزائرية من منظور الفلسفة الاجتماعية"، أي ما يسمّيه عملية الاختزال التي يجريها الخطابُ الرسميُّ للثورة التحريرية في بُعدها العسكري والحربي، من خلال تركيزه على الجوانب العسكرية، مستدلّاً بعملية كتابةِ تاريخ الثورة التي شرع بها "حزب جبهة التحرير الوطني" في منتصف الثمانينيات القرن العشرين، والتي اقتصرت على الجانب العسكري.

المركز العربي

كما يمضي أستاذ التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر، بقسنطينة، نور الدين ثنيو، في ورقته المعنونة بـ"الثورةُ الجزائرية في الزمن الطويل"، في الحديث عن خاصية تمنحُ الثورة الجزائرية قيمتها واعتبارها؛ وهي "انخراطُها في الزمن المعاصر الذي ينطوي على مستقبَل غير محدود الآفاق، ولا يُنظر نهايته".

وتتواصل أشغال المؤتمر بنقاشات ودراسات تاريخية، إلى يوم الغد الأحد، لإنارة حضور الثورة الجزائرية في الوعي العربي بوصفها محطّة مشرقة في التاريخ العربي الحديث؛ كما يتناول المشاركون صراع الحضارات والقطيعة والتواصُل والدبلوماسية الثورية عبر أربعة جلسات أخرى.