26-يناير-2022

الرئيس الجزائري والمصري بقصر الاتحادية (فيسبوك/الترا جزائر)

انتهت زيارة الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبّون لمصر التي استغرقت يومين، إلى خلق تقارب في بعض الملفات التي كانت على رأس الأجندة السياسية للجزائر، خصوصا ما تعلق منها بملفات حارقة وتحتاج إلى انسجام في المواقف قبل انعقاد القمة العربية.

رغم تباين واختلافات وجهات النظر حيال هذا الملف بين الجزائر والقاهرة، إلا أن زيارة تبون من شأنها أن تضع أجندة محدّدة يمكن إطلاقها في القمة العربية المقبلة

وبخصوص، اللقاء العربي الشامل المنتظر، أفصح البيان المشترك بين الرئيس تبون ونظيره عبد الفتاح السيسي، على دعم مصري للقمة العربية التي تحتضنها الجزائر فضلا عن" توفّر أرضية مشتركة للانطلاق في عمل عربي مشترك بروح جديدة".

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يرحب بالجهد الجزائري لتحقيق المصالحة الفلسطينية

ووصف البيان الصحفي المشترك، في ختام زيارة الرئيس الجزائري، المحادثات بين الجانبان، بأنها كانت" ثرية ومثمرة" وتأتي في " سياق التشاور المستمر والمتواصل حول العلاقات الثنائية والدور المنوط بمصر والجزائر ومساهمتهما في مسار الدفع بالتعاون عربيا وإفريقيا، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة".

أزمة سدّ النّهضة 

تأتي زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين وتدعيم وجهات النّظر بين الجانبين حيال ملفات عربية ملغّمة، خصوصًا وأن الجزائر تستعدّ لاستضافة القمة العربية، بينما طفت عل السطح عدة نقاط خلافية تحاول الجزائر أن تجد لها مخارج في الأجندة السياسية لاجتماع القادة العرب قبيل انعقاد قمة وزراء الخارجية المنتظرة في دورته العادية في مارس/ آذار المقبل.

وأكد الطرفان في المؤتمر الصحفي أن ملف "سدّ النهضة" كان أحد الملفات التي طرحها الرئيس تبون على الرئيس السيسي، مقترحا مبادرة جزائرية كوساطة لاستئناف المفاوضات الخاصة بهذه الأزمة، إذ حاول الرئيس الجزائري طرح وساطة في حلحلة الأزمة بين الأطراف الثلاث: مصرو إثيوبيا والسودان.

وكشف الرئيس تبون أنه استطلع موقف القيادة المصرية حيال الوساطة الجزائرية، بغية تجنيب الدول المعنية بالأزمة من تداعيات استمرار الخلافات.

وأبدى الرئيس المصري، امتنانه للجزائر بخصوص المقترح حول مسألة المياه، في سعي منها للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، وهو ما وصفه الرئيس المصري بأنه هناك " رؤى متطابقة إزاء أزمة سدّ النهضة".

ملفات ثقيلة

الزيارة التي قام بها تبون لمصر كانت مبرمجة منذ شهر كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، غير أنها تأجلت لأسباب سياسية وازدحام أجندة قيادتي البلدين بعدّة مواعيد سياسية واقتصادية حالت دون ذلك، لكنها من الجانب السياسي الجزائري تعدّ الثالثة من نوعها للرئيس تبون الذي أدى قبلها زيارة لتونس، وكلاهما زيارات رفيعة المستوى من حيث اللقاءات ومحاور النقاشات وتقريب الآراء تجاه الملفات السياسية الإقليمية والعربية والثنائية أيضًا.

الملاحظ، أن مبادرة الجزائر المتعلّقة بعقد مؤتمر جامع لمختلف الفصائل الفلسطينية على الأراضي الجزائرية، تحتاج إلى آراء أطراف أخرى، خصوصا بعد بدء عملية مناقشة والاستماع إلى وجهات النظر لكل فصيل ومواقف كل طرف، على أمل تنظيم لقاء جامع بحث إمكانية مبادرة المصالحة الفلسطينية.

ويرى متابعون للملفّ الفلسطيني أن هذه المبادرة، من شأنها أن تحرّك المياه الراكدة في القاهرة، خصوصًا وأن القضية الفلسطينية، هي نقطة مركزية في الأجندة السياسية لمصر ولعديد الأطراف العربية، وتكمن هذه القضية جوهر لقاء تبون-السيسي، حتى وإن لم يتمّ الإعلان عن فحواه، غير أنّ التسريبات تفيد مباحثة الطرفان محاور المبادرة الجزائرية بخصوص القضية الفلسطينية، والحصول على موقف مصر من هذا الجانب، نظرا لدورها في المنطقة.

قضية حسّاسة

في هذا السياق، فإن الملف الفلسطيني، بات ملفًا مصريًا بالدرجة الأولى، وهو ما يعكس مخاوف القاهرة من ارتماء الفصائل الفلسطينية في حضن الجزائر، خصوصًا بعد استقبال الأخيرة لعدد من القيادات الفلسطينية على رأسها قيادات الفصيل الأول من منظمة التحرير الفلسطينية فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية، على أمل التئام الجمع في قادم الأيام في الجزائر.

ولكن تشير بعض الأطراف إلى أن المبادرة الجزائرية بخصوص الملف الفلسطيني لن يكون اجتماعها على الأرض الجزائرية إلا بموافقة عدة عواصم عربية وإسلامية، إذ أن التباين في المواقف الفلسطينية –الفلسطينية أصبح ورقة تضغط بها بعض الدول، وهو المسعى الذي تحاول الجزائر كسبه لدبلوماسيتها لتوحيد موقف مصري جزائري حيال هذا الملف وتقديمه على رأس النقاط المقترح مناقشتها من طرف القادة العرب في القمة المقبلة.

قمة لمّ الشّمل

رغم تباين واختلافات وجهات النظر حيال هذا الملف بين الجزائر والقاهرة، إلا أن زيارة تبون من شأنها أن تضع أجندة محدّدة يمكن إطلاقها في القمة العربية المقبلة، والاتفاق عليها بين القيادتين، لاستقطاب تمثيل رفيع المستوى في القمة، وإيجاد إسناد سياسي من مصر للجزائر، وهو المعطى الذي طفى للسطح خصوصا وأن القمة العربية في مختلف طبعاتها السابقة كانت هناك ملفات تطرح الكثير من اللبس ما يؤثر على قيمة الحضور من حيث المراتب القيادية.

في هذا السياق،  قال الباحث في العلاقات الدولية عبد الله عنان إن الجزائر سبق لها وان احتضنت القمة العربية في العام 2005، وكانت لها تجربة مطلب نقل إذ يبدو الموقف المصري دائمًا قوي باعتبار المقر الدائم للجامعة العربية هو القاهرة، مايعني مساعي الجزائر لإنجاح القمة وتخفيف أجواء الخلافات بين عديد الدول.

ولفت الأستاذ عنان في إفادته لـ"الترا جزائر"، أن الموقف المصري مهم جدا في عديد الملفات أهمها ما تعلق بعودة سوريا لحضن القمة العربية مؤداها إيجاد حل للأزمة السورية وجب طرحها كملف عالق وجادّ في القمة المقبلة، مشيرا إلى أن هذا الملف " ملغّم" نظرا لتعقيدات المسألة السورية المرتبطة أساسا بعديد الأطراف في المنطقة، ما يعني أن إيجاد مخرج يمرّ عبر الموقف المصري أو الدفع بموقف مصري مساند للموقف الجزائري لإقناع القادة العرب وطرحه في القمة المقبلة كأهم ملف سياسي في الأجندة التي تجمع كل الدول تحت مظلة الجامعة العربية.

ولا يقلّ الملف اللّيبي عن الملف السوري، خصوصا وأن ليبيا لازالت في بدايات تنفيذ خارطة طريق للحل السياسي وتحييد الحلول الأمنية العاصفة في المنطقة، فمن المرجح أن تتوصل الجزائر إلى توحيد وجهة نظر البلدان حيال طرابلس، وتقوية الدور الدبلوماسي للجزائر التي لا طالما دعت إلى حلحلة الأزمة الليبية سياسيا وطمعا لاستقرار البلاد وأمن الشعب الليبي.

الملف الثّاني الذي يراه مراقبون بعين  الأهمية، يتعلّق بالأوضاع في ليبيا، إذ تتجاذبها قوى كبرى في المنطقة، ويهم الطرفين الجزائري والمصري، خصوصًا وأن ليبيا عنصر مهم في الاستقرار الأمني والاقتصادي في المنطقة، علاوة على طرحه في هذه الزيارة سيفصح عن وجهات نظر الجزائر والقاهرة في إيجاد مخارج سياسية لليبيا، خاصّة بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت متوقعة سابقا في نهاية العام الماضي، فضلا عن مخاوف البلدين من ارجاء تسوية سياسية وأمنية من شأنها أن تعطي  أبعادًا أخرى، يبدو أن الجزائر تريد من وراء الملف الليبي إبقاءه في دوائر خاصّة بدول الجوار.

رهان القمّة

من جهته، يرى أستاذ الدبلوماسية والقانون الدولي نور الدين بلخوجة أنه من مصلحة الجزائر أن تجد فضاء للتوافق مع عديد البلدان العربية حيال عديد الملفات التي ستكون في أجندة القمة العربية، مضيفًا في إفادته لـ "الترا جزائر" أن الانشقاقات العربية من شأنها أن تعطي لأي اجتماع عربي بعدا آخر، لافتًا إلى الخلاف بين الجزائر والمغرب والقطيعة السياسية والدبلوماسية بينهما، سيدفع بوجهات نظر عربية متعددة، ما يعني أن الجزائر تريد لملمة العديد من المواقف التي ترفع من رصيدها الدبلوماسي والسياسي في الساحة العربية.

قضايا ثنائية وعمق إفريقي

في سياق العلاقات الثنائية للبلدين، توّجت زيارة الرئيس تبون بتناول عديد الملفات الاقتصادية بين البلدين بتسهيل الاستثمار بين المؤسسات الجزائرية والمصرية، فضلًا عن استمرار التنسيق والتعاون على مستوى الاتحاد الافريقي لتحقيق الرخاء والاستقرار في أفريقيا".

 توّجت زيارة الرئيس تبون بتناول عديد الملفات الاقتصادية بين البلدين بتسهيل الاستثمار بين المؤسسات الجزائرية والمصرية

وفي هذا المضمار، دعا السيسي إلى ضرورة تفعيل آليات التشاور والتنسيق في مختلف المستويات، كما عرج على التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية، والانسجام بين البلدين في مواقفهما حول ذلك في سعي من مختلف البلدان في تحقيق التنمية الشاملة، كما شدّد في تصريحاته، خلال المؤتمر الصحافي على أهمية التجربة الجزائرية في محاربة الإرهاب، مشيرًا إلى الجهود التي بذلتها الجزائر في إطار مكافحة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

 

اقرأ/ي أيضًا

بملفات ثقيلة.. الرئيس تبون يتوجّه غدًا إلى مصر

وزير الخارجية: ملف سدّ النهضة معقّد وحضور سوريا القمة العربية محل تشاور