31-يناير-2023
(الصورة: Getty) Giorgia Meloni

(الصورة: Getty) Giorgia Meloni

في أول زيارة خارجية لها، اختارت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني التوجه إلى الجزائر ،في إطار تعزيز العلاقات التاريخية وتثمين الشراكة الاستراتيجية وتوسيع أفاق التعاون بين الجزائر وروما.

يبدو أن أهم ملف تسعى إليه حكومة ميلوني هو زيادة الإمدادت نحو بلادها بالغاز الطبيعي والغاز المسال

تعد هذه الزيارة الثالثة لرئيس وزراء إيطالي إلى الجزائر خلال عام واحد، ما يؤشر على الأهمية التي توليها إيطاليا في تحسين وتطوير علاقاتها مع الجزائر، خصوصًا بعد بروز معالم أزمة الطاقة نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية والبحث عن بدائل إمدادات عن الطاقة الروسية.

فما هي أهم الملفات التي حملتها زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني إلى الجزائر؟ وما هي
أهداف الجزائر وراء تعزيز الروابط الاستراتيجية مع روما؟

الملف الطاقة

في سياق الموضوع، يبدو أن أهم ملف تسعى إليه حكومة ميلوني هو زيادة الإمدادت نحو بلادها بالغاز الطبيعي والغاز المسال، انطلاقًا من زيادة حجم الاستثمارات الإيطالية في مجال الاستكشاف والتنقيب، وهو ما تجسّد في إمضاء شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" عقد شراكة مع الشركة الإيطالية "إيني" بقيمة 4 مليار دولار.

يشار هنا، أن إمدادت الغاز الجزائري إلى إيطاليا ارتفعت بـ25 مليار متر مكعب نهاية 2022، وترغب إيطاليا الوصول إلى حدود 30 مليار متر مكعب مع نهاية السنة الجارية وبداية السنة القادمة.

خط أنابيب غالسي

في السياق، ومن أجل مضاعفة تمويل الغاز الجزائري إلى إيطاليا، تم الاتفاق على إعادة إطلاق مشروع خط أنابيب غالسي، بعدما تم تجميده لـ 10 سنوات من قبل الطرف الإيطالي، وهو المشروع الذي يربط بين ولاية الطارف في الشرق الجزائري ومدينة سردينيا الإيطالية عبر أنبوبٍ بحري، يمتد على طول 284 كيلومترًا وأقصى عمق إلى 2880 مترًا، ويحمل المشروع مواصفات تقنية جديدة من شأنها تصدير الهيدروجين والأمونيا، بالإضافة إلى مشروع تصدير الفائض من الطاقة الكهربائية.

يشار أن الجزائر تموّل إيطاليا بالغاز الطبيعي عبر أنابيب عبر المتوسط "تورسماد"، وهو خط أنابيب غاز طبيعي من الجزائر يمر عبر الأراضي التونسية إلى صقيلية الإيطالية، وقد وصل إلى الحد الأقصى من الاستغلال، وتسعى الجزائر إلى رفع حصة تصدير الغاز الطبيعي إلى 102 مليار متر مكعب سنويًا، ما يؤهل الجزائر أن تلعب دورًا استراتيجيًا في تمويل أوروبا بالغاز الطبيعي.

تنويع الصادرات الطاقوية

من جانبها، تسعى الجزائر عبر البوابة الإيطالية للتمدّد الطاقوي إلى بلدان أوروبية أخرى، وتصدير مزيد من الموارد الطاقوية على غرار الكهرباء والهيدروجين الأخضر، في ظل البحث الأوروبي عن تأمين مصادر الطاقة.

في هذا الشأن، عقدت شركة سونلغاز الجزائرية رفقة الشركة الإيطالية "تيرنا" على إنجاز مشروع الربط الكهربائي عن طريق الكابلات البحرية، بين ولاية عنابة شرق البلاد ومدينة صقلية الإيطالية، بواسطة خط بحري يمتد إلى 270 كليو مترًا، ويمكن أن يزود إيطاليا بـ9 آلاف ميغاوات من الكهرباء النظيفة.

كما تهدف الجزائر إلى الاستعانة بالطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، من أجل الاستهلاك الداخلي وتصدير المزيد من الكهرباء إلى الدول الأوروبية ودول الجوار الأفريقية والمغاربية، علاوة على تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا.

الملفات الإقليمية

في هذا الاتجاه دائمًا، تتقارب وجهتا نظر الجزائر وإيطاليا حيال الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها ليبيا، ويتفق البلدان حول آليات إنهاء أزمة شرعية المؤسسات الليبية، وضرورة الذهاب إلى الانتخابات وعدم تمديد الفترة الانتقالية، وتدعم كل من الجزائر وإيطاليا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نظير الاعتراف الدولي والأممي.

يشكّل الاستقرار في ليبيا بالنسبة إلى الجزائر أولوية في الأمن القومي والاستراتيجي، وتأمين الحدود الجنوبية الشرقية من ظواهر الاتجار بالبشر وانتشار بؤر الجريمة وتوسع عصابات التهريب والمخدرات، بينما تأمل إيطاليا في أن يمنع الاستقرار  السياسي في ليبيا تدفق المزيد من المهاجرين السريين إليها عبر البحر، علاوة على تثمين الاستثمارات الإيطالية وتعزيز  وجودها التاريخي في الأراضي الليبية، والاستحواذ على موارد الطاقة كالغاز والبترول.

الشراكة الاقتصادية

في سياق متصل، تسعى الجزائر إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستفادة من التعاون بين البلدين، خصوصًا في مجال التعاون العسكري والصناعي والاستفادة من الخبرة الإيطالية في مجال المؤسسات الصغرى والمتوسطة وجلب الرؤوس الأموال الإيطالية إلى الاستثمار بالجزائر.

في هذا الشأن أعلنت شركة "فيات" الإيطالية لصناعة السيارات عن إنجاز أول مصنع متكامل بولاية وهران (غرب الجزائر) يهدف إلى توفير العلامات التجارية في السوق الجزائرية، بينما تسفيد الجزائر من تقليص التبعية إلى الخارج في سوق السيارات، إضافة إلى خلق نسيج صناعي يمتثل في الصناعة الميكانيكية للسيارات كقطاع الغيار والمناولة.

سقوط الحواجز السياسية والأيديولوجية بين الجزائر وإيطاليا من شأنه أن يعزز العلاقات بين البلدين

إن سقوط الحواجز السياسية والأيديولوجية بين الجزائر وإيطاليا من شأنه أن يعزز مكانة روما في الجزائر، التي ترغب في التمدد الأفريقي عبر بوابة الجزائر، في حين ترغب الجزائر في تنويع الشركاء الاقتصاديين والتحول إلى قطب طاقوي يُؤمّن حاجيات أوروبا من الغاز والكهرباء والطاقة الخضراء النظيفة.