11-ديسمبر-2019

يتخوّف مرشحو الرئاسيات من تزوير الانتخابات من طرف السلطة (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

للمرّة الأولى في تاريخ الجزائر يشهد الاستحقاق الانتخابي انقسامًا شعبيًا وسياسيًا إزاءه في البلاد، ويحدثُ خلافٌ واضح بشأن المشاركة من عدمها في الاقتراع المقرّر هذا الخميس، وإن كان يبدو جليًا أن التيّار الرافض للانتخابات يسيطر على الشارع، ويخرج في مسيرات عفوية دون تأطير من الأحزاب والمجتمع المدني، على خلاف التيّار المؤيّد للانتخابات، الذي تجنّدت له عدّة هيئات نقابية وحزبية وجمعوية.

الساعات الأخيرة قبيل الانتخابات طبعتها أجواءٌ مشحونة على مواقع التواصل الاجتماعي

الحل في اتجاهين؟

تتجّه الانتخابات الرئاسية في الجزائر نحو مسارين؛ أحدهما بعنوان المشاركة التي تدعو إليها السلطة والمجموعات السياسية والمدنية الموالية لها، والحشد الانتخابي من قِبَل المرشّحين الخمسة لقصر الرئاسة، وثانيهما المقاطعة التي يدفع إليها الحراك الشعبي وقوى وشخصيات معارضة، والتي تهدّد بمقاطعة قد تكون الأكبر في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة شرفي تُهاجم رافضي الانتخابات وتثبت صحة موقفهم

تُظهر وسائل الإعلام الجزائرية وجود منافسة حادّة بين خمسة مرشحين على كرسي الرئاسة، ولكنها في مقابل ذلك، تمارس التعتيم على الأصوات المعارضة، وتتفادى تغطية الحراك الشعبي الذي يرفع شعارات مناوئة للحلّ الانتخابي، واعتقالات المعارضين والصحافيين وخنق العاصمة بالحواجز الأمنية.

الساعات الأخيرة قبيل الانتخابات، طبعتها أجواءٌ مشحونة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيّدي الحلّ الانتخابي والرافضين له، أدّت إلى تبادل عبارات التخوين والإقصاء والعمالة للخارج، إذ يُحاول كل طرف إقناع الآخر برأيه، ما جعل البلاد اليوم تعيش حالة تيهانٍ سياسي على حدّ وصف الناشط الحقوقي عمار ليمان، لافتًا إلى أن "الجزائر لم تعرف مثل هذا المشهد سابقًا، رغم اختلاف السياقات والظروف".

واعتبر المحامي ليمان في حديث إلى "الترا جزائر"، أن ما يحدث في الساحة السياسية هو محاولة "تهريب الظروف التي تجرى فيها الانتخابات، وفرض سياسة الأمر الواقع، وكأنّ الهمّ الأكبر هو تنصيب الرئيس"، غير أنه يستدرك قائلًا: "نحن أمام مفترق طرق نحو تحرّر الكلمة وممارسة الديمقراطية والتعبير عن الآمال والطموحات والتغيير الحقيقي في نظام الحكم، وإعلاء صوت العدل".

في ثورة الـ22 شبّاط/ فيفري الماضي، صدحت ملايين الحناجر الرافضة لترشّح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة. عُكس طموح الملايين في تلك الصورة من خلال الشارع الذي احتضن الشعب، في يوم مشهود على حد تعبير كثيرين. استمرّ الضغط على السلطة الفعلية آنذاك، وتزحزح الرئيس بوتفليقة عن منصبه ورمى بمفتاح قصر المرادية وتخلّى عن الحكم. كثيرون آمنوا بتغيير النظام واستبعاد رموز الحكم الفاسد ومحاكمتهم ومحاسبتهم، غير أن الطريق لم تكن سهلة على حدّ تعبير الناشطة الحقوقية سعيدة بلهاني في حديث إلى "الترا جزائر"، معتبرة أن التغيير ليس بالسهل بمكان مع مختلف التراكمات التي ورثناها من عهد المستقيل بوتفليقة وحاشيته، لكنّه متاح وممكن في الوقت نفسه، أن يتحقق بالصبر على تحقيق المطالب وبناء دولة مؤسّسات، والخروج من الأزمة بالحوار والتوافقات السياسية وليس بحوار من جانب واحد، على حدّ قولها.

ولفتت الناشطة بلهاني إلى أن الانتخابات الرئاسية ستكون "مبتورة من آلية الحرّية في اختيار الأصوب في الظروف الجيّدة، رغم كل الضمانات، المقدّمة من السلطة العليا المستقلة للانتخابات وقيادة الجيش، بينما واقع الحال يشي بأن الشّعب انقسم بين من يقول سأنتخب وبين من يرفض الفكرة في حدّ ذاتها".

حرّية رأي

المقاطعون بالنسبة للأستاذة بلهاني، هم الذين "لا يثقون في نظام ما زالت فيه بقايا من نظام بوتفليقة" وهي تتفهّم ذلك، مبرّرة هذا التوجّه بأنّهم "خائفون من تجدّد النظام بوجوه أخرى"، بينما المؤيدون للانتخابات حسبها، فيملكون قناعات بأن تطهير الساحة يتمّ عبر مراحل، وأن الانتخابات هي الحلّ لقطع الطريق على العصابة، على حدّ قولها.

أن تذهب الأمور إلى حدّ التخوين والتعنيف والشتم، فالأمر لم يعدّ مقولًا بالنسبة لقطاع واسع من الجزائريين، إذ قال الباحث الجزائري محمد أرزقي فرّاد إن "الديمقراطية تتنفس برئتين؛ الرأي والرأي المخالف، ولا يُمكن استنباتها إلا في مناخ السلم والأخلاق واحترام سيادة الشعب"، ويُمثّل فرّاد أحد أصوات الحكمة في البلاد، التي صدحت عقب الاعتداءات التي عرفتها مسيرات المدافعين عن قرار الذهاب نحو الانتخابات، فضلًا عن الهجوم الشرس الذي تعرض له بعض الناخبين في دول أوروبية، موازاةً مع إقدامهم على الانتخاب.

بين المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها، هناك تفاصيل أخرى يجب التطرّق لها، وهي أنه ليس كل المشاركين في الانتخابات سوف يصوّتون لصالح مترشّح معين، إذ يعتزم كثيرون المشاركة بالورقة البيضاء أو الورقة الملغاة، بينما ينقسم مقاطعو الانتخابات بين الاكتفاء بالمقاطعة فقط، أو المقاطعة عن طريق قيادة حملة مضادّة ودعوة الجموع للعزوف عن التصويت.

هنا، يرى الأستاذ في العلوم السياسية توفيق بوقعدة أن المقاطعة سلوك سياسي، وتعبير عن رفض هذه الانتخابات التي لم تستوفِ الشروط لإجرائها، أو كان المسار إقصائيًا للحراك وتيّاراته، مضيفًا في حديث لـ"الترا جزائر"، أن "السلطة الفعلية اختارت الذهاب للانتخابات منفردة بمسارٍ فرضته على الشعب دون السعي لإحداث توافق".

يتخوف الأستاذ بوقعدة من المرور للانتخابات بالقوّة، ويرفض في المقابل أن "يقابل بعنف آخر ضدّ الراغبين في الانتخاب"، وهو سلوك حسبه "يتنافى والقيم التي يسعى الحراك للتأسيس لها من وراء نضاله المستمرّ منذ تسعة أشهر".

في هذا السياق، يدعو بوقعدة إلى استمرار النضال بسلمية "وعدم استعجال قطف ثماره دون أن تنضج، بطريقة هادئة، ومواجهة من يحتكر العنف المشروع".

يُتوقّع أن تكون هناك مقاطعة قوية  للانتخابات الرئاسية في الجزائر

انتخابات بالقوّة؟

رغم انتفاضة الشارع لأزيد من تسعة أشهر، إلا أن فرضية تمرير الانتخابات قويّة جدًا، ورغم الاحتجاجات المستمرّة إلى غاية الساعات الأخيرة قبل العملية الانتخابية، وامتداد قاعدة المقاطعين في الطبقة السياسية وحتى الشخصيات الوطنية، إلا أن الحجّة التي ستقع على رأس السلطة أنها ستكون "غير تمثيلية"، بسبب الرفض الشعبي لها، فما بالك إن مارست الإدارة أساليب التزوير التي يتخوّف منها المترشّحون أنفسهم، في مقابل ذلك، يُتوقّع أن يكون العزوف الانتخابي قويًا، وتقوم الحجّة على السلطة التي ستكون مضطرة لإعلان وفاة مشروع انتخاب رئيس للجمهورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وسط احتجاجات رافضة.. الجزائريون بالمهجر يصوتون في الانتخابات الرئاسية

أسلحة قصر الرئاسة الجزائرية.. تعديل الدستور وحلّ البرلمان وحكومة كفاءات