05-نوفمبر-2020

اللجنة المستقلة للانتخابات سجّلت نسب مشاركة متدنية في الاستفتاء (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

جاء الإعلان عن نتائج الاستفتاء الشعبي حول الدستور الأحد الماضي، مفاجئًا لقطاع كبير من المتابعين للانتخابات الجزائرية. عنصر المفاجئة لم يكن فقط بخصوص نسبة المشاركة المتدنّية التي لم تشهدها الجزائر في كامل استحقاقاتها، بل المفاجأة الأكبر تتمثّل في إقرار السّلطة المستقلّة للانتخابات بهذه النّسبة التي بلغت 23.7 في المائة.

ظلّت مخاوف المعارضة السياسية التي كانت تدخل حلبة المنافسة الانتخابية في كلّ مناسبة تُحذّر من التزوير

رهان الإشراف على العملية

يشير متابعون للشّأن السياسي في الجزائر، إلى عدم تجاهل هذه الخطوة، في علاقة مع العملية السياسية التي سبقت الأحد الماضي، إذ يبدو أنها الإضاءة الإيجابية في الاستفتاء الشعبي حول الدستور، هو التزام السلطة الوطنية للانتخابات بإعلان النتائج المعبّرة عن قبول أو رفض الشارع لهذه الانتخابات، ما يعني تراكم ثقة جديدة في السلطة المعنية بتنظيم والإشراف على الاقتراع في ثاني استحقاق انتخابي تشرف عليه بالكامل بعد انتخابات الرئاسة في الـ 12 كانون الثاني/ ديسمبر 2019.

اقرأ/ي أيضًا: انتكاسة الاستفتاء الدستوري.. ماذا بعد؟

هذه الخطوة اعتبرها متابعون ونشطاء وحتى مختصّون في القانون في الجزائري، علامة إيجابية قد تؤشّر على وجود قطيعة مع ممارسات التّزوير في السابق وعدم النزاهة في العملية، إذ سيطرت الهيئة التقنية على سير الاستحقاق وعملية الاقتراع واستطاعت الإعلان عن هذه النتائج، دون تدخّل الإدارة.

بعيدًا عن القراءة السياسية لنتائج الاستفتاء، يرى الخبير في القانون الدستوري السعيد زكري، من جامعة باتنة شرق الجزائر، أن هذه اللجنة "تقنية ودورها تنظيم العملية السياسية وليس العمل السياسي وتوجيه الناخبين، مضيفًا في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن السلطة أدّت دورها في تسيير الاستفتاء رغم مخاوف كبيرة من مختلف أطياف ومكونات المجتمع من التزوير، غير أنها تمكنت من تجاوز هذا الامتحان الصعب، عل حدّ تعبيره.

في سياق متصل، أكّد المتحدّث أن العملية تؤسّس لمرحلة جديدة في النظام الانتخابي وشفافيته، بما سيسمح بتقدير حقيقي لحجم كل الأطراف السياسية، ويستعيد ثقة الناخبين في الصندوق وفي احترام الإرادة الشعبية مهما كان توجهها.

القطعية مع التزوير

من يضمن نزاهة الانتخابات؟ ظلّ هذا السؤال يطرح بقوة طيلة سنوات طويلة، وتردّده الطبقة السياسية ومختلف المكوّنات السياسية للشارع الجزائري، وهو استفهام مشروع ويُثير مخاوف كثيرة في تزييف حقيقة انتخاب الجزائريين، كما قال الأستاذ في العلوم السياسية عبد الباقي شريد لـ "الترا جزائر"، موضحًا أنه سؤال يعود كل مرّة تنظم فيها الحكومة الجزائرية الانتخابات التشريعية (انتخاب نواب الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري)، والانتخابات المحلية (المجالس البلدية والولائية عبر ولايات الجزائر الـ48)، ويعيد إشكالية مدى ضمان الشفافية ومراقبة صناديق الاقتراع ومدى نزاهة النتائج التي كانت تُعلنها وزارة الداخلية.

كما ظلّت مخاوف المعارضة السياسية التي كانت تدخل حلبة المنافسة الانتخابية في كلّ مناسبة تُحذّر من التزوير، إذ لفت الأستاذ شريد إلى أن قراءة نتائج الاستفتاء من هذا الجانب أو الزاوية يمكننا الإقرار أننا "ضمنا سلطة مستقلة للانتخابات في ثاني تجربة لها، بعد تجربتها في الانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي، ومعها ضمان نزاهة العملية الانتخابية"، كما قال.

وفي سياق متّصل، يعترف البعض أنه بالإمكان تغيير نظرة الأحزاب والقوى السياسية للاستحقاقات الانتخابية، ويشجّعها على المشاركة في الاستحقاقات القادمة، مثلما ذكر الناشط السياسي الحقوقي عبد الحميد عبّاز، معتبرًا أن النتائج الأخيرة للاستفتاء تعتبر مؤشّر نجاح السلطة المستقلة للانتخابات، نظرًا لأنها أفرزت النتائج كما هي رغم أنها نسبة متدنية مقارنة بالعديد من الانتخابات السابقة.

 وبرأي المتحدّث، فإن هذا الاستفتاء من شأنه أن "يعيد المصداقية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي عادة ما كانت في السّابق تشوبها تلاعب في النتائج والتزوير".

وفي هذا الاتجاه، يرى الأستاذ عباز، أن نجاح السلطة هذه المرة سيسهِم في رسم مشهد سياسي جديد، موضحًا بالقول بأنه بإمكاننا اليوم أن "نتعرف على الوزن الحقيقي لكلّ قوة سياسية ويعطي تمثيلية حقيقية، لأن تزوير الانتخابات في السابق لم يسمح بمعرفة وزن كل حزب سياسي".

إبعاد كلي لحزب الإدارة

في قراءة أخرى لنتائج الاستفتاء، بعيدًا عن "صدمة نسبة المشاركة وانتكاسة اعتماد النتائج، وبالتالي اعتماد التعديلات الدستورية كمشروع أحدث خلافات وانقسامات في الطبقة السياسية وقطاع واسع من الجزائريين، فإن نجاح السلطة هذه المرّة يعني نهاية تدخّل الإدارة والسّلطات العمومية في العملية الانتخابية، وسيطرتها بالكامل على تنظيم ومراقبة الانتخابات بكلّ مراحلها، حيث كانت في السابق تدار العملية برمتها من طرف وزارة الداخلية والسلطات المحلية.

الاستحقاقات الانتخابية المقبلة البرلمانية والمحليّة ستكون الامتحان الأكثر أهمية لهيئة الانتخابات

بغضّ النّظر عن القراءات السياسية للنتائج، فإن حالة الانتخابات في الجزائر قبل الاستفتاء لن تكون كما بعده، حيث مرّ الاستفتاء بنجاح على الصعيد الإجرائي وبمستوى مقبول من الشفافية، لكن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة البرلمانية والمحليّة ستكون الامتحان الأكثر أهمية لهيئة الانتخابات، التي يشرف عليها وزير العدل السابق محمد شرفي، بسبب خصوصية هذه المنافسات في هذه الانتخابات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقري: النتائج الرسمية تسقط مصداقية الدستور وتفقده الشرعية

الأرسيدي: نسبة المشاركة الحقيقة في الاستفتاء كانت برقم واحد