17-سبتمبر-2020

التيار السلفي التزم الصمت حيال التطبيع الإماراتي (فيسبوك/الترا جزائر)

من المعروف عن معظم التّيّارات السّلفيّة التّي يؤول ولاؤها إلى المنبع السّعوديّ عدم اشتغالها بالسّياسة؛ بل إنّ موقفها يتعدّى عدم الاشتغال بها إلى تبديع من يفعل ذلك؛ خاصّةً إذا تعلّق الأمر بإنشاء الأحزاب والمنظّمات الحقوقيّة والمدنيّة، بما يضعها في خدمة راحة الأنظمة العربيّة الحاكمة التّي تعمل أصلًا على تعطيل كلِّ آلية تُكرّس المشاركة الشّعبيّة في إدارة شؤون الحكم.

عملت المرحلة البوتفليقيّة على الاستفادة من التّيّار السّلفيّ من زاوية تحريمه للخروج على الحاكم

غير أنّ التّيّار السّلفيّ وجد نفسه؛ خلال السّنوات العشر الأخيرة؛ أمام مأزقين طالبه فيهما المنطق بتبرير مواقفه السّياسيّة، بحيث يتفادى التّناقض الصّارخ بين المواقف المستجدّة؛ فيما تعلّق بقضايا سياسيّة عربيّة كثيرة؛ والمواقف التّي يتبنّاها من حيث المبدأ.

اقرأ/ي أيضًا:  التيّار المدخلي في الجزائر.. ثمرة التمويل السعودي وتواطؤ نظام بوتفليقة

أولى المأزقين بناء علاقته بالحاكم على تحريم الخروج عليه؛ بل إنّ تيّارًا منه هو التّيّار المدخليّ يبني وجوده وفكره ودعوته وأدبيّاته على هذا المبدأ؛ فهو لا يشتغل على سواه؛ غير أنّه انساق وراء الدّعوة إلى الثّورة على حكّام عرب؛ مثل بشّار الأسد في سوريا ومعمّر القذّافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن، بما يشير إلى كونهم لا يحتكمون إلى المبدأ بل إلى الموقف السّياسيّ المتبنّى من طرف المنظومة السّياسيّة الحاكمة في الفضاء السّعوديّ والفضاءات الموالية له. وهو الواقع الذّي يجعل كلّ معتنق لهذا التّيّار، من حيث يدري أو لا يدري، في خدمة الأجندة السّعوديّة، وقد يصل به الأمر إلى معارضة الأجندة الوطنيّة إذا كانت تعارض الأجندة الأولى.

ثاني المأزقين، أنّ التّيّار السّلفيّ ظلّ يعتبر إسرائيل كيانًا محتلًّا ومعاديًا للأمّة الإسلاميّة ويدعو عليها بالويل والثّبور في المنابر؛ بما فيها منبر الحرم المكّيّ الشّريف، في مقابل الدّعاء للمقاومة في فلسطين بالنّصر والتّمكين، لكن ما أن لاحت بوادر التّطبيع، حتّى انبرى هذا التّيّار إلى اعتبار المقاومة "إرهابًا" وما يحدث في الأراضي المحتلّة شأنًا داخليًّا إسرائيليًا، تماشيًا مع الرّؤية الرّسميّة السّارية في الرّياض وأبو ظبي. أمّا عند الإعلان الرّسميّ عن التّطبيع بين هذه الأخيرة وتل أبيب، فقد تولّى هذا التّيّار شرعنة الخطوة، بمحاولة إيجاد أدلّة شرعيّة تجعله سلوكًا نبويًّا.

لم يشذّ قطاع واسع من وجوه التّيّار السّلفي في الجزائر؛ عن هذا النّهج، فيما التزمت وجوه أخرى منه الصّمت الذّي هو في حكم الموافقة في هذا التّوقيت الحاسم، على عكس تيّارات الإسلام السّياسيّ التّي جهرت بموقفها المناهض للتّطبيع. بما يجعلنا أمام هذا السّؤال الذّي تفرضه المرحلة: هل سبب العداء بين الإسلام السّلفيّ والإسلام السّياسيّ؛ في العمق والجوهر، هو مدى استعداد كلّ طرف لتبرير التّقارب مع الكيان الصّهيونيّ؟

قلت لصديق سلفيّ راح يبرّر لي التّطبيع: أليس تحريم الخروج على الحاكم ثابتًا عندكم؟ قال: نعم. قلت: أليست الجزائر ترفض التّطبيع رفضًا معلنًا؛ على الأقل إلى غاية الآن؟ قال: نعم. قلت: كيف لا ترى في تبريرك له خروجًا على الموقف الرّسميّ للحاكم؟

ثمّ إنّ في استدعاء أدلّة على تعامل الرّسول الكريم مع اليهود، من غير مراعاة السّياق الذّي أملاه عليه، تعسّفًا يندرج ضمن منطق "الحقّ الذّي أريد به باطل". فاليهود الذّين تعامل معهم الرّسول (صلعم) كانوا مواطنين في دولته. وكانوا يُعاملون على هذا الأساس لأنّهم أصلاءُ الأرض والعرق العربييّن؛ بل إنّ يهود يثرب كانوا أقدم في المدينة من المهاجرين القرشيّين أنفسهم؛ فبأيّ منطق تتمّ مقارنتهم بصهاينة إسرائيل الذّين جاؤوا إلى فلسطين من كلّ حدب وصوب؛ ثمّ أقاموا كيانهم على أساس التّقتيل والتّنكيل والتّشريد؟

وما دمتم تحرصون؛ قلت لصديقي السّلفيّ، على شرعنة التّطبيع، من خلال السّيرة النّبويّة؛ فما بالكم تغافلتم النّكبة التّي تعرّض لها يهود بني قريضة وبني قنيقاع على يد الرّسول نفسه؟ لقد تعامل سلميًّا وحضاريًّا مع اليهود بصفتهم مواطنين وجماعة دينيّة مخالفة؛ لكنّه واجههم بالسّيف حين مالوا إلى التآمر على دولته؛ فأصبحوا إرهابيّين لا مواطنين؛ فلماذا لا تشرعنون المقاومة انطلاقًا من هذه الواقعة، عوضًا عن شرعنة التّطبيع من خلال واقعة كونه مات ودرعه مرهونة عند جاره اليهوديّ؟

لقد كان أقربَ إلى المنطق أن تبرّر مخابر أبو ظبي وما والاها من مخابرَ مجاورةٍ تطبيعَها مع تل أبيب بدواعٍ استراتيجية أمنيًّا واقتصاديًّا؛ فذلك منسجم مع منطق الدّول، بصفتها كياناتٍ مستقلّة، أمّا أن توظّف الدّين ورجاله في مسعى التّبرير، فالأمر لا ينسجم مع روح القوميّتين العربيّة والإسلاميّة.

ليس مستبعدًا أن يُفتى قريبًا بجواز الثّورة على النّظام الجزائريّ إذا استمرّ في تبنّي خيار مقاطعة إسرائيل

لقد عملت المرحلة البوتفليقيّة، على الاستفادة من التّيّار السّلفيّ في الجزائر؛ من زاوية تحريمه للخروج على الحاكم والإضرابات والعمل الحزبيّ؛ مقابل السّماح له بامتيازات تجاريّة ومنبريّة، ضاربًا بذلك الأمن القوميّ عرض الحائط، في إطار منطقه الأنانيّ؛ حيث تجرّأ هذا التّيّار حتى على تبديع شطر واسع من الشّعب الجزائريّ. فهل سيستمرّ الوضع نفسه في عهد الرّئيس عبد المجيد تبّون؛ خاصّة بعد أن تبيّن أنّ هذا التّيّار خادم لأجندات سياسيّة، بما يستدعي معه تفعيل حاسّة الحذر والمراقبة، لا أجندات دينيّة بما يعطيه الحقّ في التّعامل معه على أساس الحقّ في التّواجد باسم الاختلاف؟ إذ ليس مستبعدًا تمامًا أن يُفتى قريبًا بجواز الثّورة على النّظام الجزائريّ إذا استمرّ في تبنّي خيار مقاطعة إسرائيل.

فمتى نؤمن بأهمّيّة الأمن القومي الفقهي والثقافيّ الذّي لا ينفعنا؛ في ظلّ افتقاده، كوننا نملك جيشًا مسلّحًا بشكل جيّد؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

وزارة التجارة تُشمّع مكتبة "شيخ السلفية" في الجزائر محمد فركوس

سلفيّة الجزائر ومصالح السّعوديّة