12-يوليو-2019

أحزاب الموالاة انتخبت بالأغلبية سليمان شنين رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني (ميدل إيست أونلان)

طالما كان النظام الجزائري منذ الاستقلال، يمارس ما يسمّى بـ "سياسة الواجهات"، حيث كان يُولي اهتمامًا فائقًا للوجه الخارجي لمؤسّسات الدولة وممارساتها، ويحرص على أن يظهر للعيان في حلّة جميلة، فكان من ذلك حرصه الدائم على ضمان نسب مشاركة عالية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، بل كان ذلك همّه الوحيد، فحين ترصد كاميرات القنوات الوطنية والأجنبية جماهير تتدافع أمام مكاتب الاقتراع، يتنفّس أهل الربط والحلّ الصعداء، فلقد حقّقوا هدفهم، أمّا النتائج فهي محسومة من قبل لأهل القوّة والنفوذ.

تسابقت وسائل إعلامية إلى وصف سليمان شنين بالحراكي الذي فرضه الشعب رئيسًا للبرلمان

حين يصل أسماعك انتخاب البرلماني عن حركة البناء الوطني سليمان شنين، رئيسًا جديدًا للمجلس الشعبي الوطني، قد يتبادر إلى ذهنك صورة نائب الشعب الذي خرج مع الشعب في أولى جمعات الحراك في مدينة ورقلة مسقط رأسه، وقد تسترجع ذاكرتك صورة البرلماني الذي كان ينتقد الحكومة والسلطة في عزّ قوّتها، ليصل بعدها في خضم أحداث سياسية فارقة، ويترأّس مبنى زيغود يوسف خلفًا لـ معاذ بوشارب، إنها ظاهريًا أولى رياح التغيير الهادئة، بل تسابقت وسائل إعلام إلى وصف الرجل بالحراكي الذي فرضه الشعب رئيسًا للبرلمان. بل ووصفته الصحافة الأجنبية بالإسلامي المعارض للنظام السابق.

اقرأ/ي أيضًا: المجلس الدستوري ينسف طموحات المعارضة في الجزائر

تمّت تزكية الرجل أو تعيينه أو انتخابه برفع الأيدي، فالمصطلح هنا لا يهم كثيرًا بقدر ما تهمّ خلفيات هذه الممارسة الجديدة على مجلس يضم في غالبيته الساحقة نوابًا من أحزاب الموالاة التي كانت قبل أشهر تحضّر لطقوس العهدة الخامسة للرئيس المتنحّي عبد العزيز بوتفليقة، فهذه المرّة هي الأولى في تاريخ البرلمان الجزائري التي توكل فيع مهمة الرئاسة لنائب من خارج سرب الأفلان والأرندي، هذه الأغلبية التي كانت تصادق على ما تشاء وترفض ما تشاء، اجتمعت في ظرف ساعات على قلب رجل واحد دون أي معارضة تذكر.

أخذ سليمان شنّين الكلمة، وغاص مباشرة في مهام الرجل الأوّل بالمجلس الشعبي الوطني، وقدّم درسه الأوّل في ضبط المصطلحات، إذ طلب من النواب أن يصفوا ما حدث بناءً على مصطلحات التوافق، التنازل، ومصطلح العمل المشترك، لكن السيد سليمان لم يشرح من توافق ومن تنازل؟ ولماذا تتنازل وأنت تمتلك ثلاثة أرباع القوّة؟، ليصف سليمان شنّين جلسة انتخابه بالتاريخية، والتجربة الديمقراطية الجديدة في الجزائر، لكن تبقى الصورة التي ستلصق في أذهان من شاهدوا خطاب شنين هو أنه حين شكر مؤسّسة الجيش وعبّر عن افتخاره بمواقف الجيش الوطني الشعبي وقف النوّاب مصفقين بحرارة، ولكنه حين ثمّن مواقف الحراك الشعبي السلمي مرّ كلامه مرور الكرام . إنّها ربّما صورة قد يمكنها اختزال كل شيء.

وصول سليمان شنين لرئاسة البرلمان إرضاء للشارع وانفتاح على المعارضة التي قبلت دعوة السلطة

وصول سليمان شنين لرئاسة البرلمان، والكلام الكثير الذي قيل بعد ذلك عن هذه المفاجأة السياسية لم يكن إنقاصًا من قيمة الرجل المعرفية والنضالية، بل هناك من وصفها بعملية إرضاء للشارع، وانفتاحًا على المعارضة التي قبلت نداء السلطة وشهد خطابها تقاربا مع خطاب المؤسسة العسكرية، فيما قيل عن الأمر أنه يبين بوضوح من يعمل على تغيير الأشخاص والحفاظ على نفس آليات النظام، ومن يريد تغيير طريقة الوصول إلى المنصب، من يقبل بالتعيينات الفوقية في الهيئة التشريعية ومن لا يقبلها، فحتى سليمان شنين يعلم في قرارة نفسه أن قرارًا فوقيًا هو من رفعه عاليًا إلى قبّة البرلمان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفراغ الدستوري.. جزائريون يسخرون من الأزمة

فتوى دستورية.. تمدّد فترة حكم رئيس الدولة