سليمى رحّال.. رحيل فراشة الشّعر التّي بإصرار لبؤة
8 يوليو 2021
حين اندلعت نار العنف والإرهاب في الجزائر، مطلع تسعينيات القرن العشرين، كانت سليمى رحّال (1970) القادمة من مداخل الصّحراء؛ منطقة الجلفة، إلى مناخات الجزائر العاصمة لتدرس الأدب في جامعتها المركزيّة، ثمّ تشتغل في الإذاعة الوطنيّة؛ وتنضمّ إلى نخبة من الشّعراء والكتّاب الشّباب، مثل نصيرة محمدي ورشيدة خوازم ونجيب أنزار وفاطمة بن شعلال وأبي بكر زمّال.
كانت تجربتها الإذاعيّة زمن إدارة الكاتب الطّاهر وطّار للإذاعة الوطنيّة تُحيل على تجربة أحلام مستغانمي في سبعينيات القرن العشرين، فكان اغتيالها متوقّعًا في أيّة لحظة
قد أعلنت عن صوتها الشّعريّ القائم على القطيعة الجماليّة مع مدوّنة شعريّة جزائريّة هيمن عليها صوت الجماعة أكثر من صوت الذّات، وكبّلتها القضايا العامّة بالنّظر إلى تبعيّة الأدب للمنصّة السّياسيّة منذ الاستقلال الوطنيّ عام 1962. أو لنقل إنّ تجربة جيل سليمى رحّال كانت استكمالًا لمسعى جيل الثمانينات إلى تحرير الشّعر من الهيمنات المختلفة التّي تبرمجه على غير وظيفته الجماليّة.
اقرأ/ي أيضًا: رواية "طير الليل" لـ عمارة لخوص.. العنف كان البداية
تجسّد هذا الخيار في أكثر من نصّ قرأته في الملتقيات ذات التّوجّه الحداثيّ التّي لعبت دورًا حاسمًا، أفترتئذٍ، في دعم ورفد وإبراز "الصّوت المفرد"؛ وهو عنوان أنطلوجيا نشرها لاحقًا الشّاعر والنّاشط أبو بكر زمّال، وفي نصوص نشرتها في جرائد ومجلّات داخل وخارج الجزائر؛ فكانت تلك النّصوص صرخةً في وجهين معًا، وجه القدامة الشّعريّة ووجه الموت، وكان لكليهما عرّابون وأنصار تتقاطع معهم في يومياتها.
لقد كان فعل الكتابة عند سليمى رحّال فعلًا مضادًّا، فمارسته بشجاعة مثيرة للاندهاش والإعجاب، خاصّة إذا عدنا إلى ذلك السّياق الزّمنيّ، حيث كانت الكتابة المهادنة طريقًا معبّدًا للموت، ناهيك عن الكتابة المشاغبة والمثيرة للأسئلة والمحرّضة على تحرّر الذّات من ربقة الجماعة بكل مفاهيمها. وقد كانت هي ومن شاركها الخيار نفسَه تصحو على خبر ذبح أو حرق أو اختطاف زميل من زملاء الشّغف في الحقول الفنّيّة والأدبيّة والثّقافيّة والإعلاميّة كلّها!
وزادت على تحدّي الكتابة تحدّي الإعلام، حيث كانت توصف بفراشة الأثير؛ وكانت تجربتها الإذاعيّة زمن إدارة الكاتب الطّاهر وطّار للإذاعة الوطنيّة تحيل على تجربة أحلام مستغانمي في سبعينيات القرن العشرين، فكان اغتيالها متوقّعًا في أيّة لحظة. مع ذلك كانت لا تترك عادتها الأثيرة هي أن "تتصعلك" في شارع ديدوش مراد؛ بالجزائر العاصمة؛ لتأكل وتشرب في مطاعمها ومقاهيها التّي كانت تربطها بها علاقة روحيّة خاصّة. فهي من النّوع الذّي يمنح معنًى ليومياته من خلال الوفاء لطقوس لا تحيل إلّا عليه. وقد حافظت على تلك الطّقوس في القاهرة، بعد أن هاجرت إليها؛ إذ تزامنت هجرتها مع بداية استتباب الأمن في الشّارع الجزائريّ، فكانت هجرة رغبة وبحث عن مناخات مختلفة لا هجرة هروب.
إنّ قراءة تجربتيها الشعريتين اللّتين حظيتا برضاها؛ فنشرتهما ولم تخفهما كما فعلت بتجاربَ سابقة ولاحقة لهما؛ "في البدء" و"هذه المرّة"؛ يضعنا أمام جملة من الأسئلة؛ فهما بنتا السّؤال أصلًا، منها: هل كانت سليمى رحّال تعيش الشّعر؛ فلم تكن تهتمّ بنشره؛ مثلما فعل كثير من مجايليها؟ هل كانت تصارع اللّغة نفسَها؛ وهي بيت الكينونة بتعبير هايدغر، فآثرت الصّمت والبياض؟
يقول الرّوائي واسيني الأعرج؛ مخاطبًا سليمى رحّال؛ صبيحة رحيلها، الخميس،: "أحتاج إلى زمن طويل لأصدّق ما سمعت. أعرف تطرّف مزاجك يا سليمى، حتّى في اختيار غوايات العزلة القاسية، ولكن ليس لدرجة الموت. فالحياة كانت دومًا خيارك الأسمى. سأبقى على يقيني الأوّل، أنّك هنا".
وكتب القاصّ والرّوائي محمّد علّاوة حاجّي: "مِن دون أنْ تبحث عن تفسير، كانت سُليمى تسعدُ برؤية وجهِ أُمّها في صُوَر القطّة المخزَّنة على الهاتف، وهي التي تعلّمت كيف تُسعِدها قطّة وكلبةٌ وتُسعِدها الأشياء البسيطة والصغيرة، وكيف تكون إنساناً. كتبت مرّةً: "السعادة التي احترنا في تعريفها منذُ كنّا صغاراً وكتبنا فيها مواضيع الإنشاء المكتنزة بشحم المحفوظات هي ببساطة: قطٌّ أو كلب في بيتك أو أي حيوان تحبُّه من الحمار إلى الهامستر. حيوانك الحبيب سيُعلِّمك ما لم يعلّمه لك أهلك ولا مدرّسوك ولا البرامج التلفزيونية أو الأحاديث الدينية وخطبة الجمعة، ولا حتّى الكتب الكثيرة التي قرأتَها! سيُعلِّمك كيف تعود إلى أصلك الحيواني البكر وتكون إنسانًا".
لماذا هذا الإهمال في حقّ جيل مفصليّ في المدوّنة الشّعريّة الجزائريّة هو جيل التّسعينات الذّي كان صوتَ الحياة في عزّ هيمنة خطاب الموت الأعمى؟
برحيل سليمى رحّال، يجد المشهد الأدبيّ الجزائريّ، خاصّةً الشّقّ الأكاديميّ والنّقديّ منه، نفسه أمام سؤال مزدوج ومسكوت عنه: لماذا هذا الإهمال في حقّ جيل مفصليّ في المدوّنة الشّعريّة الجزائريّة هو جيل التّسعينات الذّي كان صوتَ الحياة في عزّ هيمنة خطاب الموت الأعمى؟ لماذا هذا الإهمال في الشّقّ المهجريّ من هذه المدوّنة؟
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

رشيد بوجدرة لـ "الترا جزائر": كتاب عن غزة سيصدر في سبتمبر المقبل والجبن أفقد الأمة العربية موهبتها كأمة شاعرة
كشف الكاتب الروائي الجزائري رشيد بوجدرة عن عمل أدبي جديد سيرى النور في غضون شهرين على الأكثر، يتحدث فيه عن غزة ومحنتها ومحنة الفلسطينيين بها، خلال السنتين الأخيرتين.

ترشح 6 جزائريين للفوز بجائزة كتارا للرواية العربية
سجّل الأدب الجزائري حضورًا لافتًا في القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية 2025، مع وصول ستة كتّاب جزائريين في فئات الرواية والنقد، ما يجعلهم مرشحين للفوز من أبرز الجوائز الأدبية في العالم العربي.

حوار| عبد القادر عفّاق: التّقمص غير المُغازِل عنصرٌ أساسي للخَلقِ في السينما
ينزوي الفّنان عبد القادر عفّاق في خلوته الفنية والانسانية بعيدًا عن وسط فنّي صاخب ومُبهم الملامح، مُستذكرًا مشوارًا طويلًا غير هيّن، في حين نتأمّل فيه الإنسان الذي عايش ويُعايش أحداثًا عديدة ومراحل مختلفة من سيرة الفن والمجتمع والسياسة في الجزائر، ليمنحنا ذلك الانطباع بأن الفنّان في الجزائر بإمكانه أن يكون ذاكرة حية وشاهدًا على انتصارات وهزائم عديدة، كما قد ينقل لنا صورة حية لهذا العالم من خلال…

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

طقس الجزائر.. حرارة تصل إلى 49 درجة
حذرت مصالح الأرصاد الجوية، في نشرية خاصة من تسجيل درجات حرارة قصوى تصل إلى 49 درجة مئوية تحت الظل طيلة يوم الخميس. بكل من أدرار، إن صالح وتمنراست.

طقس الجزائر.. حرارة مرتفعة ورطوبة عالية في أغلب المناطق
تشهد مختلف المناطق الجزائرية، اليوم الأربعاء 9 تموز/جويلية 2025، أجواءً صيفية حارة، حيث تسجَّل درجات حرارة مرتفعة خصوصًا في المناطق الداخلية والجنوبية، وسط تحذيرات من استمرار موجة حر خلال الأيام المقبلة.

سجن نقيب فيدرالية السكك الحديدية.. حزب العمال يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط
دعا حزب العمال إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأمين العام لفيدرالية عمال السكك الحديدية، سعيدي لونيس، الذي تم توقيفه يوم 5 تموز/جويلية الجاري، بالتزامن مع عيد الاستقلال الوطني، وأُودع الحبس الاحتياطي، في خطوة وصفها الحزب بانتهاك صارخ للحصانة النقابية واعتداء على حق الإضراب