17-يناير-2021

المصور سليم مرزوقي (الصورة: فيسبوك/الترا جزائر)

شغل تصوير الحياة البرّيّة في الجزائر أجيالًا من المصوِّرين لدواعٍ علميّة وجماليّة وذاتيّة، فباتت المدوّنة الفتوغرافيّة الوطنيّة ثريّة في هذا الباب بتجارب ظلّ بعضها في مصافِّ الهواية، فيما فرض البعض نفسه، فبات من المرجعيات التّي تتعامل معها مخابر ومنابر وازنة، مثل رضوان طاهري وأيمن بولعواد ومجموعة "نات أوراس".

آخر الاكتشافات التّي حظيت بها كاميرا سليم مرزوقي  نوعٌ من السّمندليّات لم يكن معروفًا في برج بوعريريج

يقول مصوّر الحياة البرّيّة سليم مرزوقي (1983)، إنّ الفرق بين التقاط لحظة حيوانيّة وأخرى إنسانيّة، كونُ الأولى غيرَ قابلة للإعداد المسبق بالنّظر إلى أنّ الطّرف المصوَّر غير قابل للتّعاون، بما يفرض خفّةً خاصّة من المصوِّر، كما أنّه غير متاح بما يستدعي تضحياتٍ من أجل الوصول إليه. فبعض الكائنات نادرٌ أو صعب المنال أو مؤذٍ أو مهدّد بالانقراض.

اقرأ/ي أيضًا: إرث مغاربي مشترك.. طبق الكسكسي على قائمة اليونسكو

من هنا؛ يضيف محدّث "الترا جزائر"، يصبح مصوّر الحياة البرّيّة مسافرًا ومغامرًا وباحثًا في الوقت ذاته، فهو منقّب عن ذهب خاصّ؛ ولا بدّ أن يكون مدجّجًا بالمعلومة عن المكان والحيوان وطرائق الوصول إليهما والتصرّف معهما، بالإضافة إلى التمكّن الدّقيق من الاستثمار فيهما فتوغرافيًّا. 

ولد سليم مرزوقي في بلدة اليشير، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، فكان الخروف والحصان أكثرَ ما تقع عليهما عيناه من الحيوانات، بحكم أنّها بلدة معروفة بكونها بيئةَ شواء وفروسيّة؛ فكان يتساءل مبكّرًا إن كانت هناك حيوانات لا تُؤكل ولا تُركب ولا يحظى برؤيتها إلّا بشر معيّنون.

لقد كان الفضول والبحث عن الاستثنائيّ مدخلَ سليم مرزوقي إلى عالم يتعامل معه المخيال الشّعبيّ العامّ أسطوريًّا وخرافيًّا لا علميًّا، "فنحن نكبر بعيون تنظر إلى الحيوانات غير المدجّنة أي تلك التّي تعيش وتتكاثر في الخلاء نظرة تهيّب، حتّى أنّنا نضيف لبعضها عضوًا أو ننقصه، لتكتمل الصّورة الأسطوريّة والسّحريّة لها، بما يجعل الكثيرين يزهدون في محاولة رؤيتها في الواقع، رغم إيمانهم بوجودها. ربّما حتى يحافظوا على صورتها التّي رسمتها في أذهانهم حكايا اللّيل".

كانت سنة 2017 العتبة الزّمنيّة التّي انطلق منها سليم إلى البرّيّة ليُصوِّرها بالشّروط العلميّة والفنّيّة التّي تقتضيها العمليّة؛ "بعد أن نضجتُ في هذا الباب نتيجة تكويني لنفسي فيه، إذ قرأت وشاهدت وبحثت واحتككت كثيرًا، على مدار سنوات كانت كافيةً لغيري أن يصبحوا خبراءَ أكاديميّين في علوم البرّيّة. ولم يبق إلّا أن أثبت لنفسي أوّلًا ولمحيطي الذّي أدهشته طبيعة شغفي ثانيًا أنّي في مستوى هذا الشّغف بالخروج إلى الفضاءات البعيدة لرصد كائناتها وتصويرها".

لم تكن الرّحلة سهلةً. فقد كان التّمويل ذاتيًّا بالنّسبة لشابٍّ لا يملك مدخولًا كبيرًا وثابتًا. وكانت وماتزال الإجراءات الأمنيّة مشدّدةً، إذ يُنظر إلى المصوّر الحامل لآلات متطوّرة وبعيدة المدى نظرة ريبة، حتّى وإن كان التّصوير يتمّ بعيدًا عن التّجمّعات التّي تقتضي التّحفّظ الأمنيّ؛ "بل إنّ المتاعب والموانع قد تأتي أحيانًا من السّكّان المحلّيِّين القريبين من البراري المعنيّة برحلتي، فهم يتعاملون مع فعل التّصوير على أنّه انتهاك للخصوصيّة".

ويختصر سليم متعابه في هذا الباب بالقول إنّه يجد صعوبةً من طرف المحيط البشريّ سواء كان رسميًّا أو شعبيًّا أكثر من المحيط الحيوانيّ المقصود بتصويره، رغم روحه ومزاجه البرّيّين.

ودفعت هذه الإكراهات صديق البرّيّة إلى ترويض الصّعوبات الحائلة دون الوصول إليها، إلى تعلّم فنون التّواصل مع البيئات الاجتماعيّة اللّصيقة بالبراري لامتصاص التّشنّج النّفسيّ المسبق تجاه الغريب المسلّح بآلة تصوير، فبات معروفًا في الولايات الثّماني والأربعين. يقول: "أنا لست محتاجًا إلى علم النّفس الحيوانيّ فقط، بل إلى علم النّفس البشريّ وعلم الاجتماع أيضًا".

سألته إن كان يملك فوبيا تجاه حيوان معيّن، فهو يتجنّب مواجهته حتّى وإن أدّى ذلك إلى حرمانه من صيد فتوغرافيّ يضيف إلى رصيده جديدًا، فقال إنّ الخوف الوحيد الذّي يعانيه في علاقاته مع الحيوانات هو ألّا يتمكّن من الوصول إليها، أو أن تخذله اللّحظة أثناء تصويرها أو أن يخسر ما صوّره إمّا بالتّلف أو ضياع الآلة أو أدوات التّخزين أو مصادرتها، خاصّة أثناء العودة من رحلة أتمكّن فيها من رصد حيوان غير مصنّف أو مهدّد بالانقراض.

ومن آخر الاكتشافات التّي حظيت بها كاميرا سليم مرزوقي  نوعٌ من السّمندليّات لم يكن مكتشفًا في ولاية برج بوعريريج. وسيصدر مقال بخصوصه في إحدى المجلّات المتخصّصة قريبًا.

أسّس محدّث "الترا جزائر"، رفقة نشطاء ومصوّرين بيئيّين، "اللّجنة الوطنيّة لحماية البيئة والمناخ"، فباتت من أنشط التّنظيمات الخضراء. "ومن الأهداف التّي نطمح إلى المساهمة في تحقيقها نشر الوعي بضرورة إدراج الأمن البيئيّ ضمن الأمن القوميّ العامّ، بحماية الحياة البريّة في بلادنا ومحاربة الصّيد الجائر وحماية الثّروة المائيّة والغابيّة والضّغط لإنجاز محميّات جديدة لإعطاء نفَس جديد لبعض الحيوانات والطيور التي أصبحت مهددة بشبح الانقراض".

يلفت سليم مرزوقي الانتباهَ إلى جملة من الإكراهات التّي تعترض مسعى مصوّري البرّيّة في الجزائر

 ويلفت سليم مرزوقي الذّي ينوي أن يساهم في كتاب جماعيّ مصوّر، وينجز معرضًا محترفًا يضمّ بعض صوره الانتباهَ إلى جملة من الإكراهات التّي تعترض مسعى مصوّري البرّيّة في الجزائر، منها غياب قانون يحميهم ويحفّزهم، وغلاء آلات التّصوير التّي تحقّق لهم الجودة المطلوبة؛ "فالصّورة الخاصّة بالبرّية لا تقبل تجنّب الدّقة والوضوح والجمال".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بابيشة" رسميًا في سباق الأوسكار.. جدل مستمرّ حول العشرية السوداء

فيلم "البئر".. هل يمنح الجزائريين أوسكار؟