21-ديسمبر-2024
الترا جزائر

(تركيب: الترا جزائر)

لم تَحِدْ الجزائر في سنة 2024 عن مسارها الثابت الذي التزمت به منذ أن تبوأت مقعدًا في مجلس الأمن كعضو غير دائم، حيث وضعت ملف فلسطين في صدارة أولويات تحركاتها، وذلك تزامنًا مع استمرار حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، المتواصلة منذ السابع تشرين الأول/أكتوبر 2023.

عضوية الجزائر في مجلس الأمن الدولي ستكون مكرّسة لخدمة القضية الفلسطينية وللعمل على استرداد حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة

وكان خطاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 أيلول/ سبتمبر 2023، بمثابة ورقة طريق تُحدِّد مسار بعثة الجزائر الدائمة في الهيئة الأممية، إذ أعلن تبون أن عضوية بلاده في مجلس الأمن الدولي ستكون مكرّسة لخدمة القضية الفلسطينية، ولعمل على استرداد حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة، وتعزيز مبدأ "فلسطين دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

وينطوي ما جاء في خطاب الرئيس تبون وما يرافع من أجله دومًا مندوب الجزائر الدائم بالأمم المتحدة، عمار بن جامع، على المبادئ المؤسّسة للسياسة الخارجية الجزائرية. كما أنّه "خطّ نضالي وتضحيات" وُضِعت خدمة لأمّ القضايا فلسطين في هذه اللحظة التاريخية.

معركة "الفيتو"

وصف مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، في العشرين من فبراير الماضي، قرار حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته الولايات المتحدة الأميركية ضدّ مشروع القرار الذي أعدّته الجزائر في مجلس الأمن، بأنه "انتكاسة جديدة". وكان المشروع يطالب "بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ويرفض أي مساس بتهجير الفلسطينيين".

حقّ "الفيتو" الثالث الذي استخدمته الولايات المتحدة في ذلك الوقت ضد محاولات اعتماد قرار يوقف آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة، صنّفه عمار بن جامع في "خانة الفشل"، مشيرًا إلى أنّه "لا يعفي مجلس الأمن من القيام بمسؤولياته، ولا يعفي المجموعة الدولية من واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، كما لا يعفي سلطات الاحتلال من واجب تنفيذ التدابير التحفظية التي أقرّتها محكمة العدل الدولية".

وتأسّف الممثّل الدائم للجزائر لدى المنظمة عن فشل المجلس، لأنّه لا يُلبّي نداءات الشعوب وتطلعاتها. وأكد أن الجزائر "لن تتوانى حتى يتحمل المجلس كامل مسؤولياته ويطالب بوقف إطلاق النار".

وقال إنّ رفض مشروع القرار يُعدّ "موافقة على استخدام التجويع كوسيلة حرب ضد الفلسطينيين"، مشيرًا إلى أنّه "لا يوجد أي بارقة أمل في تحسن الوضع في قطاع غزة بعد مرور شهر على القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على القطاع."

وأضاف: "الصمت لم يعد خيارًا متاحًا... حان الوقت للتحرّك بخصوص الحرب على غزة."

بن جامع: علينا أن نسأل أنفسنا اليوم كبشر، أليس كافيًا أن 44 ألف فلسطيني قد قُتلوا في غزة، 70 بالمائة منهم من النّساء والأطفال؟

وانتقل بن جامع من مشروع قرار باسم الجزائر إلى آخر؛ قدمه باسم مجموعة الدول العشر المنتخبة في مجلس الأمن في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، والذي يدعو إلى "وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في القطاع."

وقد أيّد جميع أعضاء مجلس الأمن مشروع القرار الجديد، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت مرة أخرى حقّ النّقض (الفيتو) مما حال دون اعتماده.

وأفاد بن جامع في كلمته أنّ فشل مجلس الأمن في تمرير القرار، رغم تأييد غالبية أعضائه، يمثل "يومًا حزينًا للمجلس وللأمم المتحدة وللمجتمع الدولي ككل."

كما جدّد عزم الجزائر على "المطالبة مرة أخرى بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، وهذه المرة بصياغة أقوى وأكثر صرامة، في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة."

وبنبرة حزينة، خاطب عرّاب الجزائر في المجلس الدولي المجتمع المدني قائلاً: "علينا أن نسأل أنفسنا اليوم كبشر، أليس كافيًا أنّ 44 ألف فلسطيني قد قُتلوا في غزة، 70 بالمائة منهم من النّساء والأطفال؟"

"وراك دائمًا"

بعد أكثر من خمسة أشهر على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، تبنى مجلس الأمن الدولي، لأول مرة، قرارًا يدعو إلى وقف إطلاق النار في القطاع. وبعد انتهاء الجلسة، توجه مندوب فلسطين، رياض منصور، لعقد مؤتمر صحفي مشترك مع باقي مندوبي المجموعة العربية، من بينهم مندوب الجزائر عمار بن جامع.

ووفقًا لما سجلته كاميرات وسائل الإعلام، قبل بدء الندوة الصحفية، طلب رياض منصور من مندوب الجزائر أن يقف إلى جانبه في المقدمة، ليرد عليه بن جامع قائلاً: "أنا وراك دائمًا."

وقد اعتبر متابعون ما بدر من الدبلوماسي الجزائري بمثابة "موقف مشرّف"، يعكس بشكل واضح دعم الجزائر الثّابت والمطلق للقضية الفلسطينية، ووقوفها الدائم إلى جانب أصحاب الحق في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم.

وفي تعليقه على اعتماد القرار 2728، قال بن جامع إن "اعتماد القرار هو رسالة لأهل قطاع غزة بأن المجموعة الدولية تشعر بآلامهم ولم تتخل عنهم."

دعم "أونروا"

وقفت الجزائر منذ شهر آذار/مارس 2024 سدًا منيعًا أمام قرارات الكيان الصهيوني، الذي أصدر قرارًا يلغي الاتفاقية المبرمة مع الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والتي تسمح للأخيرة بتقديم الدعم والعمل في فلسطين.

واعتبرت الجزائر في أوّل تحرّك لها بالأمم المتحدة، عقب إعلان عدد من الدول تعليق تمويلها للوكالة الأممية على خلفية مزاعم صهيونية بأن عددا من موظفيها شاركوا في عملية "طوفان الأقصى"، أنّ "القرار يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وعدم الاعتراف بحقوقهم". جاء ذلك في كلمة للمندوب عمّار بن جامع في مجلس الأمن بتاريخ الثاني والعشرين آذار/مارس الماضي.

واعتبر ممثّل الجزائر بالأمم المتحدة قرار المحتل الإسرائيلي "تهديدًا بتفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً في غزة". مضيفا أن "مثل هذا القرار غير مقبول".

ومن أبرز قرارات الجزائر دعمًا لوكالة "أونروا"، التي صنّفها ما يُعرف بـ "الكنيست" الإسرائيلي (البرلمان) منظمة إرهابية شهر أيلول/جويلية الماضي، تقديم مساهمة مالية استثنائية لها بقيمة 15 مليون دولار.

وقال وزير الخارجية أحمد عطاف خلال جلسة لمجلس الأمن حول التحديات التي تواجه "الأونروا" شهر نيسان/أفريل الماضي، إنّ "المساهمة تُضاف إلى ما سبق وأن بادرت الجزائر بتقديمه بصفة مباشرة للسلطة الفلسطينية، فيما نعتبره واجبًا حقًّا ومسؤولية ثابتة تقع علينا وعلى غيرنا من أعضاء المجموعة الدولية".

وظلّت الجزائر ترافع من منابر إقليمية وأممية، أوّلها مجلس الأمن، إلى أنّ "الدور الذي لا غنى عنه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها عِماد عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة المنكوبة."

وفي جلسة منتصف كانون الأول/ديسمبر الجاري، جدّدت الجزائر بمجلس الأمن أنّه "لا يمكن لأي منظمة أو تجمع منظمات أن يحل محل قدرة "أونروا" وولايتها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية".

سنعُود..

كلمة "سنعُود" التي كان يختتم بها المندوب الجزائري عمار بن جامع غالبية خطاباته في مجلس الأمن الدولي، تعكس بوضوح الموقف التاريخي للجزائر في دعم قضية فلسطين. هذه الكلمة أصبحت رمزًا لإصرار الجزائر على مواصلة دعم فلسطين وعدم التراجع عن حقوقها، وهو موقف راسخ ومشرف في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية.

وكانت أقوى لحظة مؤثرة في هذا السياق حين رد الدبلوماسي الجزائري على استخدام الولايات المتحدة لحق "الفيتو" ضد مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن، الذي كان يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في قطاع غزة في شباط/فبراير 2024. وقال بن جامع: "أقول للجميع، سندفن شهداءنا هذا المساء بفلسطين، والجزائر ستعود غدًا باسم الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، ومعنا أرواح آلاف الأبرياء التي أزهقها المحتل الإسرائيلي، ستعود الجزائر لتدق أبواب مجلس الأمن وتطالب بوقف حمام الدم في فلسطين ولن نتوقف، فلنا نفوسًا لا تمل وعزيمة لا تكل."

وكان هذا المقطع من المداخلة محط اهتمام واسع، حيث نشرته حسابات الأمم المتحدة على منصتي "أكس" وفيسبوك، لما فيه من قوة وإصرار، ولشبه الإجماع الذي يحظى به مشروع القرار الجزائري من قبل أعضاء مجلس الأمن.

كما كانت هناك فرصة بارزة أخرى استعمل فيها بن جامع نفس التعبير في شهر أيلول/سبتمبر خلال جلسة بمجلس الأمن الدولي حول اعتماد عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة. بعد أن استخدمت الولايات المتحدة "الفيتو" ضد المشروع الجزائري، قال بن جامع: "إننا سنعود أقوى وبدعم من الجمعية العامة من أجل العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة."

وشدد بن جامع، الذي تخلى عن قبّعة الدبلوماسي ليعبّر بصوت الجزائري الثوري، على أن "هذه ليست سوى خطوة أخرى في الرحلة نحو العضوية الكاملة لفلسطين"، مضيفًا: "نعم سنعود أقوى وأكثر صخبًا. فإن هذه ليست سوى خطوة أخرى في الرحلة نحو العضوية الكاملة لفلسطين."

وأكد بن جامع أن "التأييد الساحق لتطبيق دولة فلسطين يبعث برسالة واضحة وضوح الشمس بأن دولة فلسطين تستحق مكانها الصحيح بين أعضاء الأمم المتحدة".

وحملت كلمة بن جامع قبل التصويت بالمجلس عبارات أشدّ تأثيرًا حين قال:  "هذا أضعف الإيمان لنسدّد الدين الذي علينا تجاه شعب فلسطين وعلى أنه يجب معالجة الظلم التاريخي ويجب إعادة التوازن إلى ميزان العدالة".

بلسم للجراح

ولأنّها لطالما كانت بلسمًا لجراح الفلسطينيين، أعلنت الجزائر في نهاية 2023 عن فتح مستشفياتها لاستقبال الأطفال الجرحى ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة. وكان ذلك بإعلان نقل 400 طفل فلسطيني مصاب إلى الجزائر لتلقي العلاج من جروح وآثار القصف الصهيوني.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية، حينها، عن مصدر وصفته بـ"الرسمي" توجيه هؤلاء الأطفال إلى "المستشفيات المدنية والعسكرية لولايات الجزائر العاصمة، وهران وقسنطينة."

وكانت أوّل عملية شهر آذار/مارس 2024، بإجلاء الجزائر لـ 46 طفلا فلسطينيا مصابا ومعهم 67 مرافقًا أي بعدد إجمالي بلغ (113)، من قطاع غزة، لتلقي العلاج والرعاية بمستشفياتها.

لم يكن التكفّل الرسمي بأطفال فلسطين ضحايا العدوان الإسرائيلي وحده "بلسم الجراح" فقد بادر أطباء متطوّعُون بالتنقل إلى قطاع غزّة للمشاركة في حملات العلاج الميداني للفلسطينيين

وأفادت الرئاسة الجزائرية في السياق أنّ "الأطفال الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم سيتم التكفل بهم على مستوى المستشفيات العسكرية ونوادي الجيـش بالجزائر حيث تم توفير كافة الإمكانيات والوسائل لإنجاح هذه العملية ذات الطابع الإنساني."

وجاءت ثاني عملية إجلاء للمصابين من غزة في الثالث من أيار/ماي الماضي، حيث وصل أطفال فلسطينيين جرحى إضافة إلى مرافقيهم، للقاعدة الجوية ببوفاريك بالناحية العسكرية الأولى بالبليدة، انطلاقا من المطار الدولي القاهرة بمصر.

ولم يكن التكفّل الرسمي بأطفال فلسطين ضحايا العدوان الإسرائيلي وحده "بلسم الجراح". فقد بادر أطباء متطوّعُون بالتنقل إلى قطاع غزّة في دفعتين للمشاركة في حملات العلاج الميداني للفلسطينيين.

وأدّى الفريق الطبي الجزائري خلال شهري تموز/جويلية الماضي وكانون الأول/ديسمبر الجاري (مدّة 15 في كلّ شهر) مهمّته الإنسانية الصحيّة رغم "الظروف الصعبة التي اعترضت عملهم خاصة في شمال القطاع، الذي انهارت به المنظومة الصحية بشكل كلّي"، وفق تصريحات سابقة لمنسّق البعثة لـ"الترا جزائر."

"من المسافة صفر"

"لقد أخرجوها".. كانت هذه هي كلمة السر التي وصلت مسامع وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، وهو يشهد طرد وزيرة خارجية "إسرائيل" السابقة، تسيبي ليفني، من أشغال النسخة العاشرة لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، الذي أقيم في مدينة كاشكايش البرتغالية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الجزائر المحتل الإسرائيلي عن قرب أو من "المسافة صفر"، فقد سبق أن قاطعت الجزائر في عدة مناسبات خطابات وتدخلات مسؤولي الكيان الصهيوني في جلسات الأمم المتحدة ومنابر دولية أخرى. ففي السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قرّرت الجزائر مغادرة قاعة أعمال الدورة الـ 149 للاتحاد البرلماني الدولي في جنيف بسبب كلمة ممثل الكيان الصهيوني.

وفي تمسّكها الثابت بموقفها الرافض لكل أشكال التطبيع، انسحب وفد الجزائر من قاعة قمة الشراكة في العاصمة الهندية نيودلهي في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2024، فور دخول ما يسمى بـ"وزير الاقتصاد في حكومة الكيان الصهيوني" لإلقاء كلمته.

 وفي السياق نفسه، قاطع ممثل الجزائر، وزير التجارة الداخلية وضبط السوق، الطيب زيتوني، والوفد المرافق له كلمة ممثل الكيان الصهيوني، ليؤكد مرة أخرى "التزام الجزائر الثابت بمبادئها الداعمة للقضية الفلسطينية."