10-يناير-2025

(الترا جزائر) دخول مغتربين عبر الميناء

فريق التحرير - الترا جزائر 

لم يتوقّع أحمد، الموظف الشاب، أنّ شراء سيارة مستوردة أقل من ثلاث سنوات سيضعه أمام معادلة معقّدة، فعقب دفع مدخراته في سيارة أوروبية من المنتظر أن تصله خلال أيام، اكتشف أنّه إذا اضطر لبيعها قبل مرور ثلاث سنوات، فإنّه سيكون مجبرًا على إعادة الامتياز الجبائي، مما جعله يتساءل: "هل كان اختياري لهذا النوع من المركبات صحيحًا، أم أنّه يتحمل أعباءً ثقيلة أخرى؟

أسقط نواب المجلس الشعبي الوطني تعديلات من مشروع قانون المالية كان من شأنها أن تعالج أزمة السيارات في السوق

من خلال قانون المالية 2025 تروّج الحكومة لفكرة الحدّ من المضاربة في سوق السيارات التي تقل عن ثلاث سنوات، وذلك بفرض إجراءات تمنع إعادة بيع هذه السيارات قبل مرور 36 شهرًا دون استرجاع الامتياز الجمركي. وتهدف هذه الإجراءات، حسبها، إلى ضمان أن تكون الفائدة موجهة للمستهلكين الفعليين بدلاً من التجار.

إسقاط التعديلات

في مقابل ذلك، أسقط نواب المجلس الشعبي الوطني تعديلات من مشروع قانون المالية، كان من شأنها أن تعالج أزمة السيارات في السوق، وشكّل ذلك "صدمة" كبيرة لكثير من المتابعين، بعد أن راهنوا على استيراد سيارات أقل من خمس سنوات.

معروف أن أسعار السيارات أقل من ثلاث سنوات، تساوي أحيانًا أو توفق أسعار السيارات الجديدة إذا أضيف لها ثمن الضرائب والنقل، ولذلك فإن الاعتماد فقط على هذا الإجراء سيُبقي أسعار السيارات المستعملة في السوق المحلية على حاله، ولكن السيارات أقل من خمس سنوات أقل تكلفة بكثير، وكان بإمكان هذه التعديلات لو اعتمدت، أن تشجع عملية الاستيراد وتساهم في خفض الأسعار وتلبية حاجة السوق المحلية.

قيود وخيارات

ورغم هذه القيود، تظلّ وتيرة الاستيراد كما هي، بينما تتنوع خيارات المواطنين بين السيارات الصينية التي تتميز بأسعارها الاقتصادية، والسيارات الأوروبية، خاصة الألمانية.

ويأتي ذلك في وقت يطمح فيه العديد من الأفراد إلى إدخال المزيد من هذه المركبات إلى السوق الجزائرية خلال عام 2025،وفي الوقت نفسه، يطرح مراقبون تساؤلات حول مصادر استيراد الجزائريين للسيارات التي تقل عن ثلاث سنوات، وكيف سيتعامل المواطنون مع الإجراءات الإدارية والجمركية الجديدة التي تهدف إلى تنظيم عملية اقتنائها وبيعها.

كيف يتم استيرادها؟

رغم الإجراءات الجديدة التي فرضها قانون المالية لعام 2025، والتي تمنع إعادة بيع السيارات المستوردة الأقل من ثلاث سنوات قبل مرور الفترة نفسها، أي ثلاث سنوات أخرى بعد اقتنائها، إلا بعد استرجاع الامتياز الجبائي، من المتوقع أن تستمر عمليات الاستيراد بوتيرة ثابتة.

ورغم أن هذا الإجراء قد يُثني البعض ممن يهدفون إلى إعادة البيع السريع للمركبات، إلا أنه لم يوقف التدفق المتزايد لهذه المركبات نحو السوق المحلية.

وتتراوح أسعار السيارات المستوردة الأقل من ثلاث سنوات بين ثمانية آلاف دولار للمركبات الصينية المتوسطة السعر، وتسعة آلاف أورو لسيارات "فيات تيبو" القادمة من فرنسا، إلى أسعار أعلى تدريجيًا حسب نوع المركبة والعلامة ومكان المنشأ والاستيراد والمزايا التي تتضمنها، وتتصاعد الأسعار تدريجيًا مع زيادة جودة ومواصفات السيارات.

السيارات الصينية

ويفضل مستوردو هذا الصنف من المركبات الخيارات الاقتصادية مقارنة مع السيارات الفاخرة، حيث تمثل السيارات الصينية خيارًا جذابًا للطبقات المتوسطة، إذ تنخفض أسعارها مقارنة بالأوروبية، بينما تقدم سيارات مثل "فيات تيبو" توازنًا بين السعر والمواصفات بتكلفة تفوق تسعة آلاف أورو قليلًا أما السيارات الألمانية، وخاصة "فولكسفاغن" المصنعة في الصين، فتبدأ من 15 ألف دولار، وهي أرخص بحوالي 30 بالمائة من تلك المستوردة مباشرة من ألمانيا.

هذا الفرق في الأسعار، يعود إلى انخفاض تكلفة الإنتاج في الصين بفضل العمالة الرخيصة وعدم الالتزام الصارم بالمعايير البيئية الأوروبية، وهو ما يقلّل من كلفة التصنيع، رغم زيادة تكاليف الشحن التي تصل إلى 2000 دولار إضافية.

ولم يقتصر استيراد السيارات على أوروبا والصين فقط، بل اتجه الجزائريون أيضًا إلى دول مثل ليبيا والامارات العربية المتحدة، حيث تتزايد شعبية السيارات الفاخرة الخليجية في السوق المحلية.

كما تعززت واردات سيارات "كيا" من كوريا الجنوبية، و"رونو"، و"بيجو"، و"سيتروين" من فرنسا، مما يخلق مشهدًا متنوعًا يعكس تطلعات المستهلكين الجزائريين وتغير أنماط الطلب في السوق.

معلوم أن السوق الجزائرية على موعد مع مزيد من التنوع والتحديات، حيث تتشابك التكاليف والإجراءات الجديدة مع خيارات لا حصر لها وإلى جانب موجة الاستيراد المتواصلة، تبرز جهود الجزائر لتعزيز التصنيع المحلي للسيارات كخيار استراتيجي لتقليص فاتورة الواردات وتوفير فرص عمل جديدة.

وتعمل الحكومة على دعم استثمارات الشركات العالمية في القطاع، مثل "فيات" و"جيلي"، بهدف إنتاج مركبات محلية الصنع بمواصفات عالية وأسعار تنافسية، ويُتوقع أن يُسهم هذا التوجه في خلق ديناميكية جديدة في سوق السيارات، حيث ستتنافس السيارات المحلية مع المستوردة على استقطاب المستهلك الجزائري الذي أصبح أكثر وعيا بالخيارات المتاحة وبمعايير الجودة والتكلفة.

وثائق بديلة

وفي خطوة وُصفت بـ "التنظيمية"، أوقفت وزارة الداخلية والجماعات المحلية إصدار البطاقات الرمادية على مستوى البلديات لسيارات أقل من ثلاث سنوات منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما دفع أصحاب المركبات المستوردة إلى الاعتماد مؤقتًا على النموذج رقم 846 الصادرة عن الجمارك مع البطاقة الرمادية الأجنبية للسير في الطرق.

هذا الإجراء يظلّ ساريًا إلى حين استئناف إصدار بطاقات السيارات التي تقل أعمارها عن ثلاث سنوات، ومع رغبة البعض في بيع سياراتهم قبل انتهاء مدة الامتياز الجبائي البالغة 36 شهرًا، قد يلجأ هؤلاء مستقبلًا إلى تسجيل وعد بالبيع أو التنازل لدى الموثق كوسيلة قانونية لتفادي إعادة الضرائب الجمركية.

وكان قد أوضح عادل حابسة، مسؤول التشريع والأنظمة الجمركية بالمديرية العامة للجمارك، خلال يوم إعلامي حول قانون المالية 2025 بتاريخ 6 جانفي/كانون الثاني الجاري بالجزائر العاصمة أن السيارات المستوردة ابتداء من الفاتح كانون الثاني/جانفي الجاري، ستتضمن ختمًا يمنع التنازل عنها، وأضاف أن حذف هذا الختم يتطلب إعادة تقديم الملف الجمركي ودفع المستحقات اللازمة لإلغاء الامتياز الجبائي.

وفي هذا السياق، أكد كمال بلخضر، عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، أن إجراءات ضبط استيراد السيارات المستعملة تهدف إلى القضاء على المضاربات وضمان استفادة المواطنين بشكل حصري؛ لكنه شدد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لسد العجز الكبير في السوق.

وقال بلخضر في حديث إلى "الترا جزائر": "إذا كان الهدف هو خدمة المواطن، فيجب فتح باب الاستيراد بكميات تواكب الطلب، ولو ضمن حصص مدروسة، للتخفيف من أزمة السيارات التي أثقلت كاهل الجزائريين".

ما زال ملف السيارات غامضًا لأسباب لم تفسرها الحكومة، ولم يجد بعض نواب البرلمان أجوبة مقنعة على أسئلتهم الموجهة إلى وزراء التجارة والصناعة

عمومًا، ما زال ملف السيارات غامضًا لأسباب لم تفسرها الحكومة، ولم يجد بعض نواب البرلمان أجوبة مقنعة على أسئلتهم الموجهة إلى وزراء التجارة والصناعة وحتى مصالح الوزارة الأولى، حول سبب تأخير استيراد السيارات وعدم التزام الحكومة بدفتر الشروط، وتوريط الوكلاء مع زبائن أودعوا ملفاتهم منذ أكثر من سنة دون الحصول على سياراتهم.