18-نوفمبر-2020

أوسكار أولارتي/فرنسا

بقاء وزير الرّياضة، رغم الإساءة لوطنيّة الشّعب، إذ خيّر الجزائريّين بين قبول التّعديل الدّستوريّ أو مغادرة البلاد، وكأنّ الجدارة بالجنسيّة الجزائريّة مرتبطة بتبنّي خيارات السّلطة السّياسيّة القائمة، لا بالانتماء إلى مفردات الهوّية الجزائريّة، ومحدّدات الجنسيّة التّي تقرّها قوانين الجمهوريّة.

ماذا استفدنا من اكتشاف مفاسد المرحلة البوتفليقيّة والثّورة عليها؟

وبقاء والي وهران، رغم الإساءة لهيبة المعلّمة التّي ترمز إلى قيم العلم والمعرفة والتّربية، وبقاء وسيط الجمهوريّة في ولاية أدرار، رغم الإساءة إلى مثقّفيها وفنّانيها، بأن أطلق عليهم أوصافًا منافية للذّوق والبصيرة، وبقاء مدير مسرح أمّ البواقي، رغم رفض الفنّانين له، وقد مضت أيّام على اعتصامهم المُطالب برحيله، ولهم في ذلك أسبابهم الموضوعيّة، يمكن أن يُفهم في سياقات كثيرة.

اقرأ/ي أيضًا: ما يقوله الشّارع عن مرض الرّئيس تبّون

منها سياق تعامل السّلطة مع الطّبقات الشّعبيّة على أنّها خصم، ومع الطّبقات الإداريّة على أنّها نصير. ولا ينسجم مع منطق التّحكم (المسؤول عندنا يتحكّم لا يحكم) أن يُنصر طرف شعبيّ خصم على طرف إداريٍّ نصير.

السّلطة تفكّر بمنطق أنّ الطّرف الشّعبيّ لا يمكن أن ينتخبها إذا حدث أن كانت الانتخابات حرّةً ونزيهة. ولديها معطيات أكيدة في هذا الباب، عكس الطّرف الإداريّ الذّي لا يكتفي بالدّعوة إلى انتخابها فقط، بل يعمل أيضًا على جعل نتائج الانتخابات تطلع وفق مصالحها وهواها.

ومنها أيضًا أنّ السّلطة تخشى إن استبعدت طرفًا من الأطراف الإداريّة سابقة الذّكر، بسبب الإساءة لطرف شعبيّ، أن يكون ذلك مدخلًا لتوسّع المطالبات الشّعبيّة باستبعاد كلّ من تسوّل له نفسه بإهانة الشّعب، أو التّخاذل في خدمته، فيتشكّل نوع من الحراك هو أخطر، في نظرها، من الحراك الذّي يتبنّى شعار "يتنحّاو قاع". ذلك أنّ الحراك الأوّل يتميّز بالدّيمومة والاستهداف النّوعي الذّي يؤدّي بالتّراكم إلى التّنقية، بينما يتميّز الثّاني بالموسميّة وقابليّة التّحكّم فيه، بالنّظر إلى روحه الاستعراضيّة.

لذلك فإنّ السّلطة تلجأ، في مثل هذه المواقف، إلى سياسةٍ تقوم على عدم منع الاحتجاج، على هذا النّوع من المسؤولين؛ حتّى يجد الغضب الشّعبيّ مفرغةً له، فيتلاشى مع الأيّام، في مقابل الإبقاء على ذلك المسؤول، حتّى تُعطي انطباعًا بأنّ الاستجابة للمطالب الشّعبيّة غير متاحة، فيرسخ في الأذهان أنّ التّغيير ليس سهلًا، بما يُكرّس الرّوح الانهزاميّة، في تحالفٍ مع سلوكات أخرى تُكرّس الرّوحَ نفسَها.

غير أنّ السّؤال الذّي يطرح نفسه على الشّعب والسّلطة معًا، إذ علينا ألا نفرِّق بين الطّرفين، في الأمور المتعلّقة بالمصير الوطنيّ: إلى متى تستمرّ هذه العقليّة؟ سلطة تحاول ضمان استمرارها بتدجين الشّعب، وقطاع واسع من شعب يحاول ضمان مصالحه البطنيّة بالصّبر على ما يخدش سيادته وكرامته؟ والنتيجة دولة مبنيّة على التشنّج والاعوجاج؟

ماذا استفدنا إذن من اكتشاف مفاسد المرحلة البوتفليقيّة والثّورة عليها، بكلّ ما ترتب عن تلك الثّورة من أعصاب وجهود ومغامرات؟ لماذا أزحنا الرّجل ما دمنا لم نتخلّص من منطقه؟

إنّ الافتخار بكوننا نملك جيشًا مسلَّحًا بشكلٍ جيّد، وهو جدير بالافتخار فعلًا، لا يمكن أن يُسعفنا، بصفتنا مجموعةً وطنيّة إلّا في مفاصلَ معينةٍ ونادرة، مثل المفصل الذّي تعرفه حدودنا هذه الأيّام، لكن من يسعفنا في فترات السّلم والاستقرار لاستمرار السّلم والاستقرار، غيرُ إحساس المواطن بأنّ المسؤول وُجد لخدمته لا للتسلّط عليه؟ إذ علينا الانتباه إلى خطورة أن يصبح العدل مرتبطًا في ذهن المواطن بالخارج لا بالدّاخل.

من هنا، لا يمكن أن يتحقّق شعار "الجزائر الجديدة" إلّا بإعادة الثّقة بين المواطن والمسؤول. ولن تحصل هذه الثّقة إلّا بالدّخول في مرحلة يلمس فيها الشّعب أنه يُمارس السّلطة لا أن تُمارس عليه. وإذا مورست عليه ففي إطار القانون، بما يُحقّق العدل والأمن العامّين.

لقد غرقنا في سياق متابعتنا للانتخابات الأميركيّة في الانتباه إلى عقليّة جو بايدن وعقليّة دونالد ترمب

لقد غرقنا في سياق متابعتنا للانتخابات الأميركيّة في الانتباه إلى عقليّة جو بايدن وعقليّة دونالد ترمب، والمقارنة بينهما، لكنّنا غفلنا عن الانتباه إلى أهمّ طرف في المعادلة الانتخابيّة الأميركيّة هو المواطن الأميركيّ الذّي ظلّت الدّيمقراطيّة لديه خيارًا لا انتظارًا.فهل يجوز لنا تمنّي أن لو كنّا نملك في الجزائر انتخاباتٍ بنفس حرارة ونزاهة الانتخابات الأميركيّة، من غير أن نتحلّى بتقديس حقوقنا الدّيمقراطية، لصالح معارك وهميّة تتعلّق بفخاخ الهوّيّة، مثلما يفعل المواطن الأمريكيّ؟

 

اقرأ/ي أيضًا

:رصيد من الاعتزاز بالفشل.. متى نؤمن بالمراجعة؟

من شعار "الإسلام هو الحل" إلى "عروبة الجزائر"