29-ديسمبر-2019

الحراك الشعبي حافظ على سلميته في الشارع منذ عشرة أشهر (أ.ف.ب)

حين انطلق الحراك الشّعبيّ في الـ 22 شبّاط/فيفري الفائت، إثر دعوات في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، كان ثمّة تخوّفان سائدان هما تخوّف من أن يُقدم المتظاهرون على ممارسة الشّغب في الشّوارع، وتخوّف من أن تقابل القوّات المسلّحة على إطلاق الرّصاص عليهم، بناءً على تجارب سابقة، خاصّة مظاهرات تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1988، حيث بلغ عدد القتلى 500 شخص.

سرعان ما تبنّى فيسبوكيون جزائريّون صيغة يشكرون فيها طرفًا ما، لأنّه كان قادرًا على إيذائهم لكنّه لم يفعل

غير أنّ العكس هو الذّي حدث تمامًا، بما فيها العاصمة التّي كانت مستثناةً من حقّ التظاهر، بعد رفع حالة التّظاهر إثر ما عرف بانتفاضة الزّيت والسكّر عام 2011.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل قايد صالح وتعيين سعيد شنقريحة قائدًا للأركان بالنيابة

 

لقد استطاعت قوى الحراك أن تقرن صفة "الشّعبيّ" بصفة "السّلميّ"، حتّى باتت السّلميّة عقيدة عامّة. وقد مات كلّ شهداء الحراك الذين لم يتجاوزوا العشرة، بسبب حوادث لا بسبب مواجهات مع أسلاك الجيش، الذّي قال رئيس أركانه أحمد قايد صالح إنّه لن يسمح بسقوط قطرة دم واحدة و"إنّ السّلاح موجّه للعدوّ وليس للشّعب"ّ.

تردّدت هذه العبارة كثيرًا في وسائل الإعلام الجزائريّة، مباشرةً بعد إعلان موت الرّجل، وكانت في مقدّمة المزايا التّي امتدحه بها المتدخّلون والصحافيّون في تلك المنابر الإعلاميّة، بنبرة توحي بأنّ الفضل الكامل في سلميّة الحراك يعود إليه وحده، لأنّه لم يأمر، حسبهم، بإطلاق الرّصاص على المتظاهرين.

يقول النّاشط محمّد زرواط لـ "الترا جزائر"، إنّ في هذه النّبرة إساءة للجيش أصلًا، "فليست وظيفته إطلاق النّار على الشّعب، حتّى يعدّ عدم القيام بها فضلًا يُشكر عليه، فوظيفته الدّستوريّة والأخلاقيّة هي العكس تمامًا، حماية الشّعب وأملاكه. كما فيها كثير من استفزاز الضّمائر الحراكيّة وتشويه، لها كأنّها مارست العنف خلال عشرة أشهر والجيش تجاوز عنها".

لم تمنع هيبة الحداد قطاعًا واسعًا من الجزائريّين في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، من التّفاعل مع نبرة أنّ رئيس الأركان الرّاحل كان صاحب الفضل في عدم إطلاق النّار على المتظاهرين، في ردود غلبت عليها السّخرية.

ثمّ سرعان ما تبنّى الفسابكة الجزائريّون صيغة يشكرون فيها طرفًا ما، لأنّه كان قادرًا على إيذائهم لكنّه لم يفعل، قياسًا على أنّ القايد صالح كان قادرًا على أن يضربهم بالرّصاص لكنّه لم يفعل، بحسب ما ركّزت عليه وسائل الإعلام الحكوميّة والخاصّة.

في هذا الباب كتب الصّحافي إيدير دحماني، أنّ جارًا له طلب منه حمد الله، لأنّ الخبّاز كان قادرًا على أن يسمّم الخبز ولم يفعل. وفي تغريدة أخرى كتب ساخرًا أنّه رأى مواطنًا قبّل شرطيًّا وهو يشكره على أنّه لم يقتله. وكتب النّاشط عبد النّور عليم أنّه مرّ عليه من يحمل مطرقة ولم يضربه. فيما كتب النّاشط نسيم ساسي: "شكرًا لكلّ صاحب شاحنة كان بإمكانه أن يدهسني ولم يفعل".

ويقرأ الفنّان ربيع قشّي، هذه الطّريقة في تفاعل الحراكيّين مع القول إنّ الفضل في سلميّة الحراك يعود إلى الجيش وحده، في إطار ما أسماه "المواجهة بالمنطق".

يقول محدّث "الترا جزائر" إنّها طريقة ذكّية وطريفة تجعل ما يبدو مزيّة وفضلًا يصبّ في خانة الإدانة. "فليست وظيفة الجيش أن يطلق الرصاص على الشّعب وهو يرفع شعارات تؤكّد الأخوّة المشتركة". يختم قشّي: "في مقابل سذاجة مستفحلة في الخطاب الإعلاميّ الموالي للسّلطة، ثمّة ذكاء ووعي في تفاعلات الحراكيّين".

بالموازاة، اعترف البعض بمساهمة الجيش في تكريس البعد السّلميّ للحراك، لكن من غير طمس السّلميّة الذّاتية والأصيلة في الحراك نفسه. كتب الصّحافيّ إسماعيل طلّاي: "نعم القايد رحمه الله حافظ على الدّماء. لكن لا تنسوا أيضًا أنّ الجزائريّين أثبتوا أنّهم شعب متحضّر وواعٍ. فالحراك أبهر العالم بسلميّته".

يبدو أنّ السّلطة الجزائريّة تحاول أن تستغلّ جنازة قائد الأركان لتختطف ما استطاعت من مكاسب الحراك 

يبدو أنّ السّلطة الجزائريّة تحاول أن تستغلّ جنازة قائد الأركان لتختطف ما استطاعت من مكاسب الحراك وميزاته وتنسبها إليها، تمهيدًا منها لتطويقه ودفعه إلى منصّة الحوار من غير ضمانات واضحة، غير أنّ الحراك تفطّن إلى هذه المسعى فقابله بالسّخرية والتندّر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

من ثورة التحرير إلى حراك 22 فيفري.. هذا هو قايد صالح

رحيل قايد صالح وتعيين سعيد شنقريحة قائدًا للأركان بالنيابة