15-فبراير-2022

شكيب خليل، وزير الطاقة الأسبق (الصورة: APP)

حكمت النيابة العامّة غيابيًا على وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل بـ 20 سنة سجنًا نافذًا بتهم متعلقة بالفساد، في الفاتح من شهر شبّاط/فيفري الجاري، حيث تُعد قضية شكيب خليل، وزير الطاقة السابق (1999-2010)، ومدير شركة سوناطراك (2001-2003)، ورئيس منظمة "أوبك" ما بين 2001 و2008 واحدة من المسلسلات السياسية والألغاز القضائية في تاريخ الجزائر المعاصرة.

رغم تكوينه التقني ومساره التكنوقراطي وابتعاده عن الإعلام إلا أن شكيب خليل كان دائمًا وسط العواصف السياسية والصراعات داخل سرايا الحكم

 الرجل القوي خلال فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة وأحد مقربيه من الدائرة الضيقة، أدين في قضيّة فساد وجرائم اقتصادية، بعدها يتم إلغاء المتابعات القضائية في حقه وحق أفراد عائلته.

اقرأ/ي أيضًا: 20 سنة سجنًا لشكيب خليل وأمرٌ دولي بالقبض عليه

كرونولوجيا الأحداث

كرونولوجيا القضيّة، بدأت في 2010 بعدما تفجّرت قضية شركة "إيني" الإيطالية، والتي تحصّلت على صفقات وامتيازات مقابل تقديم رشاوي وعمولات، وهي القضية التي ورّد تورّط شكيب خليل في القضية، ما دفعته إلى الاستقالة، ومغادرة البلاد إلى الولايات المتحدة الأميركية.

في سنة 2013 أصدرت النيابة العامّة، مذكرة توقيف دولية بحق شكيب خليل وزوجته ونجليه، إضافة إلى فريد بجاوي، قريب وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، والمدير العام لشركة سوناطراك محمد مزيان ورئيس ديوانه رضا حماش، وبعد ثلاث سنوات أُقيل بلقاسم زغماتي النائب العام، الذي أصدر مذكرة التوقيف، وإلغاء مذكرة الاعتقال الدولية في حق شكيب خليل بسبب عدم احترام إجراءات المتابعة.

وبعد ثلاثة سنوات، أي في عام 2016 عاد شكيب خليل إلى أرض الوطن، عبر بوابة مطار أحمد بن بلة بوهران غرب البلاد، بعد وقف العمل بمذكرة التوقيف الدولية، أمام دهشة الرأي العام.

وتحت رعاية وتوصيات عبد العزيز بوتفليقة، ورئاسة الجمهورية، قام شكيب خليل بجولة أدّت إلى  زيارات قادته إلى الزاوية والمؤسسات الدينية التقليدية، وحُظيت تلك الزيارات باستقبال رسمي وتغطية إعلامية، كما ألقى شكيب خليل محاضرات وندوات أمام جموع غفيرة لطلبة الجامعة، تناولت آفاق السياسة الطاقوية في الجزائر والعالم.

  حينها ثمة تأويلات في الصالونات السياسية، توقعت أن صديق طفولة بوتفليقة، سيكون أحد المرشحين الاقوياء لاستخلاف الرئيس المريض، و مباشرة انطلقت حملة التودد والتقرب إلى الرجل.

رياح الحراك تعصف

لكن رياح حراك 22 شبّاط/فيفري 2019 أخلطت أوراق السلطة الحاكمة وطموحات شكيب خليل، والذي غادر البلاد بشكل سريع ومفاجئ، وخلال فترة 2020-2021 أُعيد فتح ملف سوناطراك 1-2 من طرف النيابة العامة، وفي الفاتح شبّاط/فيفري الجاري تم إدانة شكيب خليل بسجن 20 سنة في قضايا فساد تتعلق بمصنع الغاز الطبيعي بأرزيو في ولاية وهران غرب البلاد، ومنح امتيازات غير مبررة، وسوء استغلال الوظيفة وابرام صفقات مخالفة للتشريع والقوانين.

من هو شكيب خليل؟

شكيب خليل من مواليد 8 آب/أوت 1939 بمدينة وجدة المغربية، وهوأب لولدين من زوجته نجات عرفات، أمريكية الجنسية من أصول فلسطينية، وبعد مسار دراسي أنهاه بالمغرب في مرحلتي الابتدائي والمتوسط، تحصل ما بين سنتي 1959 -1960 على منحة دراسية من طرف الحكومة المؤقتة الجزائرية، قادته إلى الاستقرار والدراسة بالولايات المتحدة، والحصول على بكالوريوس، ودكتورة في مجال  هندسة الطاقة من جامعة تكساس الأميركية.

اشتغل شكيب في كبرى الشركات العالمية والأمريكية على غرار (shell /شال أويل) و/philips petroleum)فيليبس بيتروليوم)، و في سنة 1971 عاد إلى الجزائر واشتغل رئيس مدير عام لشركة َمختلطة جزائرية-أمريكية تسمى (ALCOR/ لاكور).

ما بين سنتي 73 و76 عُيّن الوزير السابق، مستشارًا تقنيًا في رئاسة الجمهورية، ومكلفًا بالدراسات ومشروع "فالهيد الجزئري" إلى غاية 1978، وما بين سنتي 1980 و1999 عمل في البنك الدولي، مكلفًا ومشرفًا على برامج الطاقة ومشاريع بترولية على مستوى أفريقيا،أميركا اللاتينية وآسيا، ثم رئيس دائرة الطاقة للبنك الدولي بأمريكا الجنوبية.

مع انتخاب عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، رئيسا للجمهورية تم تعين شكيب خليل كمستشار خاص، وفي 20 ديسمبر 1999 تم تعينه وزير الطاقة والمناجم وليراكم إدارة شركة سوناطراك ما بين 2000/.2003

الرجل اللغز

رغم تكوينه التقني ومساره التكنوقراطي وابتعاده عن الإعلام إلا أن شكيب خليل كان دائمًا وسط العواصف السياسية والصراعات داخل سرايا الحكم، فالتحكم في قطاع الطاقة وشركة سوناطراك يُعد مشروعا سياسيا وطنيا، أكبر منه اقتصادي ومالي، فشركة النفط الجزائرية هي مصدر الحصري لمداخيل العملة الصعبة، وهي قاطرة القطاعات الصناعية البيتروكيميائية والصناعات التحويلية الكبرى، وُتشكل الطاقة في الجزائر أبعاد في السياسية الدولية والإقليمية، كما يُعد قطاع النفطي من بين القطاعات الريعية، وغالبا ما تكون أبعد من التسيير الشفاف.

قانون محروقات 2005 لصالح من؟

في 2005 أصدر شكيب خليل قانون المحروقات، بهدف جذب المستثمرين الأجانب وعصرنة النظام الجبائي في مجال المحروقات، حينها تعالت أصوات من داخل السلطة ومن المعارضة السياسية حول مخاطر القانون على سيادة الدولة على ثرواتها الطبيعية، وتهديد مستقبل مخزون الطاقوي الذي بات لصالح الشركات الأجنبية بدل الأجيال القادمة، زيادة على انهاك حقول النفط والغاز، وقد عُرف فترة ترأس شكيب خليل لسوناطراك ،الاستغلال المبالغ لحقول النفط والغاز، إذ نصت بعض بنود القانون على تقاسم الإنتاج بين شركة سوناطراك والشركات البترولية الأجنبية، وضمان امتيازات، واستغلال لـ 100 سنة لصالح الشركات البترولية العالمية في حالة اكتشاف حقول بترولية جديدة.

وتحت ضغط أطراف حتى من النظام والمعارضة السياسية، وفي 2006 تم تعديل قانون المحروقات 2005، واسترجعت سوناطراك دورها كفاعل رئيسي يضمن احتكار الدولة في القطاع مع الزامية أن تحوز على مساهمة 51 في المئة في كل مشروع بحث وإنتاج العقود وفرض ضريبة على فائض الأرباح وفق تطور الأسعار وهو النقطة التي ألغها قانون شكيب خليل.

في قلب العاصفة 

مسلسل فضائح الفساد واستغلال النفوذ التي طالت قطاع المحروقات، وشركة سوناطراك التي كانت في قلب الهزات السياسية والأمنية، أظهر تحولات أمنية وسياسية ما تزال تداعياتها إلى غاية اللحظة في البلاد.

ففي سنة 2013 اتهم عمار سعيداني أمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني حينها، في إحدى خرجاته الإعلامية، بشكل مباشرالفريق محمد مدين، المعروف بـ " الجنرال توفيق" مدير دائرة الأمن والاستعلامات، أنه وراء تحريك قضايا الفساد، واستهداف شكيب خليل وتشويه سمعته، وفجر سعيداني عدة ملفات قال إن استهداف شكيب خليل من طرف المخابرات هي مساس بالرئيس بوتفليقة ومحيطه المقرب.

وفي 13سبتمبر/أيلول 2015 أقيل رئيس المخابرات الجزائرية الأسبق الفريق محمد مدين، وفي كانون الثاني/جانفي 2016 وقع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مرسومًا يقضي بحل جهاز الاستعلام والأمن وتعويضه بمديرية المصالح الأمنية تابعة لرئاسة الجمهورية منفصلة عن وزارة الدفاع.

يُقيم شكيب خليل بالولايات المتحدة الأميرمية، وهو الآن مدان بالسجن، وتحت طائلة أمر بالاعتقال الدولي، فهل ستتمكن الجزائر من تَسلم الرجل صاحب 82 عامًا والمتواري عن الأنظار.

 المؤكد هو وجود هناك اعتبارات سياسية وقضائية معقدة في قضية تسليم بعض الشخصيات من طرف الولايات المتحدة الأميركية

 المؤكد هو وجود هناك اعتبارات سياسية وقضائية معقدة في قضية تسليم بعض الشخصيات من طرف الولايات المتحدة الأميركية، وقد يحظى شكيب خليل ببعض الحماية من طرف الشركات النفطية الأميركية في إطار رد الجميل.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مشروع قانون المحروقات.. عودة إلى حرب لويزة حنون ضدّ شكيب خليل

الجزائر.. عودة شكيب خليل تثير الجدل