11-مايو-2022
الصحافية شيرين أبو عاقلة (فيسبوك/الترا جزائر)

كنت أحاول وقت الفجر إتمام ترجمة مداخلة مهمة، لمقال قادم عن شاعرة جزائرية راحلة وجب تخليد ذكراها، ورحتُ أطلّ كعادتي بين الحين والآخر على الأخبار العاجلة التي تصلني عبر تطبيق تلغرام.

إن شيرين امرأة تدين بدين فلسطين، أتت من القدس وترهبنت في دير الحقيقة، لأن صوت الواقع الذي نقلته بلا كلل طوال سنوات عملها كان كافيًا ليهبها جنتها الخاصة

رنّ إشعار جديد، كان يعتلي الخبر اسم فلسطين، الاسم الذي ألفناه في الجزائر مرادفًا للمقاومة وللنضال طيلة وجودنا، مع ذلك، وحينما نلمحه مسجونًا في العواجل الكثيرة، تنخطف قلوبنا وننفصل عن الزمن، ندرك أن الجرم مستمر، أننا سنبكي مرّة أخرى لقلة حيلتنا أمامه، ندرك أيضًا أن الكيان الصهيوني المحتل ما يزال يصطاد بدقة رؤوس الأبرياء، الأبطال منهم والشجعان، نساء ورجالًا وأطفالًا، ليُسكِت فيهم صوت الحقيقة ويشوه صورتها..

عاجل....

  استشهاد شيرين أبو عاقلة، يا الله، اسم آخر رافق اسم فلسطين في المباشر والأخبار من قلب الحدث، حيث كانت تقف واثقة في وجه عدو صنع لنفسه بيننا أذرعًا وأرجلًا طويلة كأطراف الأخطبوط التي تطبق على أنفاسنا.

استُشهِدت شيرين أبو عاقلة.. إنها الحقيقة يا بشر،  طلقة في الرأس كانت كافية لتصنع جثة امرأة أخرى ستحملها الاكتاف في فخرٍ نحو قبرها وهي تؤكد شهادتها، لأن فلسطين مهد الشهداء مهما كانت ديانتهم.

طلقة في الرأس ساهمت في ولادة بطلة ستخلدها الإنسانية أيضًا، امرأة بُعثت روحها من جديد فينا لتفضح ذكراها في كل مرة، جرم هذا الكيان الذي صارت تحميه وتحيطه بالرعاية دول تدعي العروبة أيضًا، حيث الصمت المخزي، حيث سقطت الأقنعة وانتصرت المصالح على الحق.

ماتت شيرين، وفي الواقع.. اغتيلت سياسيًا وتاريخيًا وإنسانيًا، لكن شعب فلسطين اعتاد هذا الفقدان، ولم يعد بحاجة إلى كل تلك الأصوات المترددة والخائفة والخانعة المبرِّرة للجريمة وللاحتلال، بقدر ما صار الآن ومع الوقت، ذاتي الدفاع عن الأرض أكثر فأكثر، صامدا في وجه من يشوهون التاريخ....

قُتلت شيرين أبو عاقلة، في الوقت الذي يواصل فيه الكثيرون منا حياتهم بكل اعتيادية، ستستمر تلك الأرض المقاومة في احتضان شهدائها وضمهم إلى قلبها .

إن شيرين امرأة تدين بدين فلسطين، أتت من القدس وترهبنت في دير الحقيقة، لا يهم أيّة ديانة كانت تمارس، لأن صوت الواقع الذي نقلته بلا كلل طوال سنوات عملها من قلب فلسطين المحتلة، كان كافيًا ليهبها جنتها الخاصة.

اصمتوا، سدوا آذانكم أيضا عن كل شيء الآن إلا عن الجريمة، إن التاريخ يُكتب أمام أنظاركم،  فلا تشوشوا على كتابه الحقيقيين، انفضوا أيديكم عن كل ما يشوه وجه الحقيقة أو يغفل بكم عنها، شيرين شهيدة مُغتالة، والمجرمون كثر يصطفون في الطابور مبتسمين وهم يشاهدون ورطتكم، أول الطابور يقوده الكيان المحتل.

وبعده تأتي الأصوات الناعقة، كل منها يبحث عن تبرير للقتل، عن سبب للاحتلال الذي عمل لعقود على ترويج شرعية وجوده في العقول التي لا تفكر، وفي القلوب التي تحجرت، حتى صارت فلسطين المقسمة حلمهم الذي تجسد، واقعًا رغمًا عن كل ما فقدناه من أرواح وأصوات، ورغم نظرات كل المعتقلين والأسرى الذين رأوا الحياة تهرب منهم من خلف القضبان، وكل المهجرين قسرًا ممن كان المنفى لهم سجنا آخر أقسى.

اصمتوا، سدوا آذانكم أيضًا عن كل شيء الآن إلا عن الجريمة، إن التاريخ يُكتب أمام أنظاركم

الرحمة والخلود لشيرين أبو عاقلة، المرأة الشهيدة الفلسطينية الخالدة، واللعنة اللعنة على الاحتلال وعلى كل من دعمه بكلمة أو بإشارة أو حتى بفكرة غبية عابرة.