صور وطلاسم حملات تنظيف المقابر تثير جدلًا واسعًا.. ومثقفون: توقفوا عن تعليق الخيبات على مشجب السحر
18 مايو 2025
تشهد الجزائر منذ أسابيع حملات مكثفة لتنظيف المقابر اجتاحت كل الولايات، بترويج واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تحوّل الموضوع من مجرد مبادرات تحرص على العناية والنظافة، إلى هوس شعبي، بما يعتقد أنها أعمال سحر وشعوذة تغزو هذه الأماكن، بفعل ما يتم اكتشافه من طلاسم وصور ورموز، في تعبير عما يصفه البعض بـ"الانتشار المرضي" لمثل هذه الاعتقادات في المجتمع.
الحملات انتشرت في كل الولايات ومطالب بتدخل السلطات
"حراك المقابر" مثلما أطلق عليه من تبنوا الحملة، بدأ بتوثيق فيديوهات وصور صادمة لأكوام من الألبسة وأقمشة الأكفان، وكتب وأوراق وطلاسم وطواقم أسنان وعظام، يعتقد على نطاق واسع أنها تستخدم في أعمال السحر والشعوذة. هذه المشاهد انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل، ما أدى إلى اندفاع شعبي لافت نحو تنظيم حملات مماثلة في ولايات عدّة، على غرار تيارت، تبسة، البليدة، سطيف، وأم البواقي وغيرها.
وفي عدة مقابر مثل "كدية الغراب" بمدينة مليانة، نُشرت صور لما تم وصفه بـ"اكتشافات صادمة" من أدوات تستعمل في السحر، وهو ما شجع هذه الحملات على الانتشار في كل مكان، بدعم من عدد من الجمعيات الدينية والشباب المحليين الذين تبنّوا خطاب مكافحة السحر والشعوذة في المجتمع. وذهب هوس البعض لدرجة كتابة رسالة لوزير العدل تدعي أن "نصف سكان الجزائر يعانون من السحر، ولم يسلم منهم لا الأحياء ولا الأموات"، مطالبين بتطبيق حكم الإعدام على السحرة، على حد قولهم.
وبالنظر للطابع غير العقلاني لهذه الحملات، أثير جدل واسع حولها من قبل مثقفين ونشطاء اعتبروها غير بريئة وحاولوا التصدي لها. ومن هؤلاء الكاتب والأستاذ، عمار شريطي الذي يرى أن هذه الحملة ليست سوى "مؤامرة غيبية تدفن وعي أمة بأكملها في التراب".
ففي رأيه، حين يعجز الإنسان عن تفسير واقعه، يهرب نحو الخرافة، وحين يفتّش الناس في المقابر بحثاً عن قفل صدئ يعتقدون أنه سبب فشلهم أو مرضهم، فإنهم يعكسون لا يقظة، بل حالة إنكار جماعي. "ما يحدث اليوم ليس انتفاضة على السحر، بل هروب من مواجهة الذات"، يقول شريطي الذي يستند إلى أفكار هشام شرابي حول "اللاعقلانية المقنّعة بالتدين"، أي حين يتم اختزال الدين إلى طقوس سطحية، ويُستعمل كغطاء للهروب من فهم الواقع بدلًا من تغييره.
يضيف شريطي أن من يصرّ على رؤية السحر سبباً للفقر أو الطلاق أو المرض، إنما يرسّخ صورة مجتمع مرعوب، لا يثق في عقله ولا علمه، ويحوّل الدين إلى أداة للهروب، بدل أن يكون وسيلة للتحرر.
من جهته، قدّم المدون وسيم أغبلالن إسقاطاً تاريخيًا مثيرًا، مستحضراً حملات مطاردة الساحرات في أوروبا خلال القرن الخامس عشر، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء بدعوى ممارسة السحر.
ويرى الكاتب أن ما يحدث اليوم في الجزائر نسخة معاصرة من تلك المآسي، حيث المجتمع المثقل بالأزمات الاقتصادية والنفسية والسياسية يبحث عن تفسير سحري للفوضى، فيدفن عجزه في المقابر.
أما المحامي هاشم ساسي فقد وصف الظاهرة بـ"عودة إلى الكهوف"، محذرًا من أن الغزو الوهابي للعقول لا يقل خطورة عن الغزو الفرنسي للتراب. ولا يرى الرجل في هذه الحملات سوى تجليًا من تجليات التراجع الحضاري، حين تنشغل الأمة بنبش القبور بدل السعي لبناء مشاريع الذكاء الاصطناعي كما تفعل دول الخليج.
من جهته، اختصر الصحفي محمد علواش السخرية المرة في جملة واحدة: "كنا محسودين، أصبحنا مسحورين"، في تلميح إلى انتقال المجتمع من وهم الحسد إلى هوس السحر، وكأن النكبات لا تأتي من السياسات الفاشلة، بل من السحر والشعوذة، يضيف معلق آخر.
أما الناشط عمر مصطفاي، فشدد بدوره على أن "السحر لا يضر إلا من صدّق به"، مشيراً إلى أن ما يحدث هو تضخيم لخرافة، وتكريس لعبادة الخوف.
وتابع يقول: أعيدوا هذه الحملة إلى سياقها الصحيح: السحر مجرد خداع، لا يضر إلا من صدّق به، والقرآن أكبر من أن يُختزل في طقوس وخرافات؛ ما نحتاجه ليس حملات في المقابر، بل حملات في العقول، فالقبور لا تُنظف بالمعاول فقط، بل بالأفكار الصحيحة، والعودة إلى التوحيد الخالص".
وأردف: "من أعطى للساحر هذه القوة فقد كفر بالتوحيد وإن لم يشعر، ومن خافه فقد ضل الطريق، ومن صدق بأن الساحر يخلق الفعل فقد وضعه موضع الرب.. السحر (أكبر كذبة) عاش عليها الناس، والقرآن جاء صريحاً ليصرخ في وجه هذه الخرافة: "ولا يفلح الساحر حيث أتى“".
ويرى الصحفي عبد القادر جمعة، في المنحى ذاته، في في هذه الحملة "مظهرًا آخر من مظاهر التردي الفكري والاجتماعي"، حين نعجز عن تطهير الواقع من الرداءة فنبحث عن الحلول بين القبور.
وفي خضم هذا الجدل، قال معلقون إنه في الوقت الذي تتقدم فيه الأمم نحو الذكاء الاصطناعي والابتكار، تنشغل شرائح واسعة من المجتمع بالبحث في المقابر عن أسباب فشلها، مطالبين السلطات بالتصدي لمثل هذه الأفكار التي تولد الخمول والكسل الفكري وتبحث عن أسباب الفشل في الغيبيات.
وفي ختام تحليله توصل الأستاذ شريطي إلى هذا الاستنتاج الذي لخصه بالقول: "من يظن أن السحر مشكلة الجزائر، فقد وقع في السحر ذاته. السحر الحقيقي هو هذا العجز عن التفكير، هذا الانبهار بالخرافات، هذا التصديق بأن مفتاح رزقك مدفون تحت رخام قبر. إن الحرب على السحر لا تكون بحفر المقابر، بل بحفر الأسئلة: لماذا نحن في هذا الموضع من العالم؟ ما الذي يجعل عقولنا قابلة للتصديق الساذج؟ وكيف تحوّل الدين عندنا من منهج حياة إلى وسيلة تهرّب من مواجهة الحياة؟".
لينهي تدوينته بهذه الرسالة: "يجب أن نعيد بناء الإنسان الجزائري على أساس من الحرية، العقل، والمسؤولية. فحينها فقط، ستعود القبور موضعًا للرحمة، لا ساحة لمعركة خاسرة ضد المجهول".
الكلمات المفتاحية

دعوة نائب لإلغاء الفلسفة من التعليم تثير استهجانا واسعا.. ومعلقون: كيف يجهل أهمية أم العلوم؟
أثار النائب البرلماني رشيد شرشار، عن حركة البناء الوطني، جدلاً واسعاً بعد دعوته إلى إلغاء مادة الفلسفة من امتحانات شهادة البكالوريا، في منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك كتب فيه: "سوف أطالب بإلغاء مادة الفلسفة في البكالوريا... ما رأيكم؟ وماذا استفدنا منها كمادة؟".

الإفراج عن صنصال مقابل إعادة الجماجم.. "سقطة" مذيعة فرنسية شهيرة تحيي جرحا غائرا في الذاكرة الجزائرية
أعادت المذيعة الفرنسية الشهيرة ذات الأصول اللبنانية ليا سلامي، من حيث لا تريد، طرح قضية جماجم المقاومين الجزائريين المحتجزة في متحف الإنسان بباريس، بعد الطريقة التي حاورت بها مؤرخا متخصصا في الجرائم الاستعمارية خلال القرن التاسع عشر.

المقابر وشبح الشعوذة.. هل هي ثورة وهمية ضدّ الخُرافات في الجزائر؟
عادت قصص الشعوذة والسحر إلى الواجهة، كأنّ رماد الجن ّوالشياطين يُعاد إيقاده من جديد. بين الطقوس القديمة، وحملات تنظيف المقابر، والبرامج التلفزيونية التي تستضيف الرقاة، تتصاعد موجة من الغموض والخرافة، فتختلط الحقيقة بالأسطورة.

"زُناة التاريخ" لرشيد بوجدرة.. جدل الطبعة المنقّحة وإشكالية تناول الإعلام
أثار صدور الطبعة المنقّحة من كتاب "زناة التاريخ" للروائي رشيد بوجدرة جدلًا واسعًا في الوسطين الثقافي والإعلامي. ليس فقط بسبب محتوى الكتاب، بل للطريقة التي روّجت بها بعض وسائل الإعلام للعمل، حيث قدمته كأنه إصدار جديد تمامًا، رغم أن طبعته الأولى تعود إلى سنة 2017.

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.