ضرائب على المعاملات المالية للأفراد.. احتواء للسوق الموازية أم حد للتجارة الإلكترونية؟
6 مايو 2025
أثار القرار الوزاري المحدد لمعايير وكيفيات تقدير الطبيعة الاعتيادية والمتكررة للمعاملات بشتى أنواعها المحققة من طرف الأفراد بهدف تحقيق الربح الخاضعة لمختلف الضرائب والرسوم الصادر مؤخرًا جدلًا واسعًا بين ممتهني التجارة الإلكترونية وأصحاب المؤسسات الناشئة، نظرا لتخوفهم من أن يحد من معاملاتهم المالية ويجعلها خاضعةً لتعريفات جديدة، فيما يرى البعض أن التشريع الجديد جاء ليضبط أي تداول مالي اقتصادي خارج الأطر الرسمية.
أبو بكر سلامي: يشكّل القانون الجديد إطارًا تنظيميًا جديدًا كانت المعاملات المالية في حاجة له، لأنه تضمن إجراءات تعد بمثابة طريقة كانت مصالح الضرائب والتجارة تفتقران إليها لمكافحة المعاملات غير الرسمية
وباشرت الحكومة الجزائرية في السنوات الأخيرة، وبالخصوص بعد صدور القانون النقدي والمصرفي جملة من الإصلاحات المالية والضريبية، حيث أتبعته بتشريعات تنظيمية تقول إنها تهدف إلى تيسير المعاملات البنكية والمالية، والسعي في الوقت ذاته لجعل هذه الأخيرة تحت الرقابة الرسمية بهدف تطويق معاملات السوق الموازية التي تظل فضاء لتداول كتلة النقدية تقدر بمليارات الدولارات.
حاجة
يشكّل القانون الجديد بالنسبة للخبير المالي والضريبي أبو بكر سلامي إطارًا تنظيميًا جديدًا كانت المعاملات المالية في حاجة له، لأنه تضمن إجراءات تعد بمثابة طريقة كانت مصالح الضرائب والتجارة تفتقران إليها لمكافحة المعاملات غير الرسمية، بل إن القرار الوزاري الجديد الممضى من وزيري المالية والتجارة يشكل إطارًا تنظيميًا قانونيًا يساعد على احتواء ومحاربة السوق الموازية، وفق ما قاله الخبير ذاته لـ"الترا جزائر".
وجاء في المادة الأولى من القرار أنه يهدف إلى "تحديد معايير وكيفية تقدير الطبيعة الاعتيادية والمتكررة للمعاملات بشتى أنواعها المحققة من طرف الأفراد بهدف تحقيق الربح الخاضعة لمختلف الضرائب والرسوم"
فيما، أشارت المادة الثانية أن أحكام هذه القرار تطبق على المعاملات بشتى أنواعها إذا "كانت تحقق بشكل اعتيادي ومتكرر ويقصد من ورائها تحقيق الربح، وكان عددها يساوي 3 معاملات أو أكثر من نفس السنة، وكانت تتضمن معاملات تجارية ذات نفس الطبيعة بمفهوم أحكام القانون التجاري".
وأثارت هذه المادة لغطًا واسعًا، كونها لم تحدد قيمة المعاملات الثلاث التي بموجبها ستخضع للتعريفات الضريبية، واعتبروا أن طريقة تطبيق القرار غير مفهومة وغير واضحة.
لكن المادة الثالثة من التشريع ذاته بيّنت بأن هذه الأحكام تطبق على "الأفراد الذين لا يحوزون على وثيقة تسمح لهم بممارسة نشاطهم التجاري والذين يحققون بطريقة اعتيادية ومتكررة معاملات بشتى أنواعها".
ولفت القرار إلى أن أعوان الإدارة الجبائية يكلفون بتقدير الطبيعة الاعتيادية والمتكررة للمعاملات "بشتى وسائل المراقبة المنصوص عليها في التشريع الجبائي الساري المفعول"، وفق ما جاء في المادة الرابعة من القانون نفسه.
الأحكام تطبق على الأفراد الذين لا يحوزون على وثيقة تسمح لهم بممارسة نشاطهم التجاري والذين يحققون بطريقة اعتيادية ومتكررة معاملات بشتى أنواعهل
كما أوضح القرار الوزاري المشترك بين وزيري التجارة والمالية أنه في حالة ما إذا تبين تحقيق المعاملات المحققة من قبل الأفراد المعنيين، يقوم أعوان الإدارة الجبائية بإرسال إعذار إلى هؤلاء الأفراد لغرض تسوية وضعيتهم الضريبية، حسب القرار، مع إمكانية تحرير محضر المعاينة من قبل الإدارة الجبائية مباشرة دون إعذار مسبق، إذا تم إثبات تكرار هذه المعاملات أكثر من ثلاث مرات.
هنا، أشار القانون ذاته إلى أنه ترسل المحاضر والوثائق المعدة من طرف أعوان مصالح الإدارة الجبائية، إلى مصالح وزارة التجارة المختصة اقليميًا، خلال أجل لا يتجاوز 30 يومًا، ابتداء من تاريخ إعدادها, وفقا للمصدر ذاته.
امتعاض
لا يخفي المتعامل الاقتصادي رضا علوي الذي حصلت مؤسسته على علامة مؤسسة ناشئة في 2023 مما جاء في القرار الوزاري الجديد، حيث قال " كفاعل و صاحب مؤسسة ناشئة في الدفع الإلكتروني، سررت كثيرا لما لمست توجه الرئيس عبد المجيد تبون نحو اقتصاد مالي شامل وإلكتروني، لكن فجأة تظهر قوانين جديدة تلزم الأفراد بتصنيف معاملاتهم المتكررة (3 معاملات أو أكثر سنويا) كنشاط تجاري خاضع للضريبة، تحديًا كبيرًا لجهود توسيع انتشار الدفع الإلكتروني".
وقال علوي لـ" الترا جزائر" إنه يعتقد أن "هذا القرار سيحد من نمو قطاع التجارة الإلكترونية في الجزائر لـ 3 أسباب منطقية، أولها عدم ثقة فئة كبيرة من التجار الصغار الذين يمارسون التجارة الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي في النظام الضريبي وخاصة ما تعلق بنسب الضريبة".
وأضاف أن "المناخ الاقتصادي في الجزائر غير ملائم لهذه الفئة للدخول للنظام المقنن، لسبب بسيط هو أن غالبية تجارتهم مبنية على الخدمات الصغيرة أو المنتجات التي تأتي غالبيتها من تجارة الشنطة، وهذا اقتصاد لا يمكن الاستناد عليه لبناء خطة وإستراتيجية".
وتابع: " السبب الثالث يتمثل في عقلية الجزائري وعدم رغبته في دفع أي شيء لا غرامة ولا غيرها، وهذا نتاج عقود من الزمن وبالتالي من الصعب جدا تغيير الذهنيات بقانون أو اثنين أو في سنة أو اثنين".
ويرى رضا علوي أنه "في بلد لا يزال فيه الأفراد والتجار مترددين في تبني وسائل الدفع الإلكتروني، قد تؤدي هذه القوانين إلى نتائج عكسية، حيث سيدفع الخوف من الرقابة الضريبية إلى تفادي الدفع الإلكتروني والعودة إلى التعاملات النقدية التي يصعب تتبعها".
رضا علوي لـ "الترا جزائر": في بلد لا يزال فيه الأفراد والتجار مترددين في تبني وسائل الدفع الإلكتروني، قد تؤدي هذه القوانين إلى نتائج عكسية، حيث سيدفع الخوف من الرقابة الضريبية إلى تفادي الدفع الإلكتروني والعودة إلى التعاملات النقدية التي يصعب تتبعها
وأوضح علوي أن القرار الوزاري المشترك "حدّد أن مدققي الضرائب هم من سيقررون طبيعة المعاملات (تجارية أم شخصية) وفقا لمعايير غامضة نسبيًا مثل النية في الربح والتكرار. والسؤال المطروح هنا هل يمكن لإدارة الضرائب، التي تعاني أصلا من ضغط كبير في العمل، أن تتحمل هذا العبء الإضافي؟ وهل ستستطيع تحديد كل معاملة بدقة دون وقوع أخطاء أو تجاوزات؟"
بلا تأويل
لا يوافق الخبير الاقتصادي المختص في المعاملات الضريبية أبو بكر سلامي التخوفات التي أبداها رضا علوي، مبينا أن ما جاء في القرار "واضح ولا يحتاج إلى أي تأويل"، لأنه يخص المعاملات الربحية ولا يطبق على التحويلات والتعاملات المدنية.
أبو بكر سلامي: المعاملات المذكورة في القرار تخص تلك التي تتكرر، بالنظر إلى أنه لم يكن يوجد سابقًا نص تنظيمي يفصل بين المعاملات المدنية والتجارية
وبيّن سلامي أن المعاملات المذكورة في القرار تخص تلك التي تتكرر، بالنظر إلى أنه لم يكن يوجد سابقًا نص تنظيمي يفصل بين المعاملات المدنية والتجارية، مشيرًا إلى أن النص الجديد يمكن موظفي قطاعي الضرائب والتجارة بالتدخل ميدانيًا لمراقبة مبيعات العقار والمركبات وغيرها من السلع ذات الطابع الربحي المستغلة في إطار مدني، فعلى سبيل المثال يمكن اليوم لشخص بيع 5 إلى 10 سيارات في السنة دون الخضوع لأي رسوم، بالرغم من أن معاملته تجارية بحتة، وهذا الواقع كرس منافسةً غير شريفة مع أصحاب السجلات التجارية.
ولفت الخبير الاقتصادي ذاته أن القرار لا يتحدث عن جميع الأفراد والمعاملات، فبعض المعاملات حتى ولو حققت أرباحًا لا تترتب عنها ضرائب مثل بيع شخص لبيت إذا لم يتكرر هذا البيع.
ورافع سلامي لأهمية القرار إذا طبق بحذافيره وتوفرت الوسائل لمصالح التجارة والضرائب لتنفيذه، حيث سيساهم في التقليل من المعاملات في السوق الموازية الجزائرية التي تقدر قيمتها النقدية من قبل خبراء بـ90 مليار دولار، وهي العملية التي ستسمح بمراقبة هذه المعاملات المالية وإخضاعها للضرائب ستحقق عائدات كبيرة للخزينة العمومية وتساهم في رفع الناتج الوطني الخام، إضافة إلى التصريح بالعمال غير المؤمنين وخفض نسب البطالة والتضخم.
واعتبر أن ثمار هذا القرار ستكون إيجابية كونه سيغير بعض المعطيات الاجتماعية، لأنه سيكشف قائمة المسجلين كبطالين أو مستفيدين من سكنات اجتماعية، فيما هم يملكون دخلًا مقبولًا من السوق الموازية.
أما رضا علوي، فقال "إذا كانت الرغبة فعلا في ضم السوق الموازي، وإدخال رؤوس الأموال المخفية للاقتصاد المسجل، فمن أهم الأدوات لعمل ذلك هو الشمول المالي وتعميم الدفع الإلكتروني، بهذا ستعود الأموال للنظام الرسمي وبطريقة قانونية وسهلة تمكن من القضاء تدريجيًا على الاقتصاد الموازي".
وأضاف: "بالنسبة لي، لست مع قيام الأشخاص بنشاطات تجارية، وفي الوقت ذاته لست أيضًا مع نسب ضريبة مرتفعة تثقل كاهل التجارة والاقتصاد وتنفر الأشخاص من العمل حسب القانون."
وفي انتظار توضح الرؤية وفهم القانون الجديد لجميع النشطين في مجال التجارة الإلكترونية، يرى كثيرون أن الحل لتجنب أي تطبيق لهذا القرار عليهم يكون بالعمل على حيازة بطاقة المقاول الذاتي التي بموجبها تطبق رسوم زهيدة على أصحاب المؤسسات الناشئة.
الكلمات المفتاحية

الاستدانة الخارجية بين الشيطنة والحاجة الاقتصادية.. أي خيار للجزائر لسد العجز؟
تَتحفظ السلطات الجزائرية منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 عن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من أجل تمويل الموازنة العامة أو المشاريع الاستراتيجية، والعامل الرئيسي الذي شَجع عدم اللجوء إلى القروض الخارجية هو ارتفاع النسبي لأسعار النفط، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على استقرار احتياطي الصرف، والذي يَصل اليوم في حدود 63 مليار دولار.

انضمام قريب للجزائر إلى معاهدة منظمة آسيان..أي فوائد سياسية واقتصادية؟
تتجه الجزائر إلى الانضمام الرسمي قريبا إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان"، بعد أن أعلن هذا التكتل الجهوي ترحيبه بالانضمام الوشيك للبلد المغاربي الباحث عن تنويع شراكاته السياسية والاقتصادية، واسترجاع العلاقات الممتازة التي كانت تجمعه بعدة دول من هذه المجموعة في مقدمتها إندونيسيا وفيتنام، والتي يجب أن تترجم في شراكة اقتصادية بحاجة لها البلاد الهادفة إلى أن تتحول…

خيارات عديدة لتطوير استقبال السفن.. هل الجزائر بحاجة فعلا لميناء الحمدانية العملاق؟
أصبح ملف تطوير أداء الموانئ يشكل أحد المحاور الرئيسية التي تعمل الحكومة الجزائرية على تسريعها في الفترة الأخيرة، بإصدار مجموعة من القرارات الخاصة بذلك، ومتابعة مدى تنفيذها ميدانيا بهدف رفع مساهمة المرافئ في تسريع السيرورة الاقتصادية للبلاد، وبالخصوص مع تزايد الاهتمام العالمي بهذا القطاع جرّاء التوترات الحادثة في عدة مناطق، والتي تحاول خلاله الحكومة جعل موانئها نقطة أساسيا للمبادلات التجارية ومركز…

"الكاش" ممنُوع.. هكذا تتغير قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر
بين ليلة وضحاها، تغيّرت قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر، ولم يعُد "الكاش" سيد الموقف كما كان في السابق، وتراجعت الصفقات التي كانت تُبرم خلف الأبواب المغلقة أو عبر وسطاء غير رسميين. لكن، هل انتهى فعلاً عهد البيع والشراء نقدًا في الجزائر؟

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.