12-يونيو-2019

ملصق دار نشر ضمة

يقول المدوّن والطّالب الجامعيّ ومصمّم الكتب عبد الفتّاح بوشندوقة (1995)، إنّه يُمكننا أن نسأل أيّ جزائريّ شارك في ثورة التّحرير، خلال خمسينات القرن العشرين: "كيف غيّرت الثّورة ذهنيات وسلوكات الجزائريّين؟"، فسنجد عنده من الإجابات، بناءً على واقع كان قائمًا حينها، ما يجعلنا نؤمن بجدارة ثورة المليون ونصف المليون شهيد بالألقاب، التّي أطلقها عليها روّاد الحرّية من العرب والغربيّين.

هناك قطاع واسع في المشهد الثقافيّ الجزائري، كان يرفض الأبجديات، التّي كان يقوم عليها النّشر في العقدين الأخيرين

قياسًا على ثورة التّحرير، يسأل محدّث "الترا جزائر"، هل يُمكننا أن نسأل عن تغييرات نفسيّة وذهنيّة وسلوكيّة يكون الحراك الشّعبي والسلميّ، قد أحدثها، منذ باشره الجزائريون يوم 22 فيفري/ شبّاط الفائت، رافعين مطلب التّراجع عن ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسيّة خامسة، ثمّ رفعوا السّقف إلى المطالبة برحيل جميع "الباءات" التّي خلّفها؟

اقرأ/ي أيضًا: دُور الثّقافة في الجزائر.. لأيّة ثقافة؟!

ويخلص عبد الفتّاح بوشندوقة إلى القول إنّ مقارنة بسيطة بين ثورة التّحرير، في خمسينات القرن الماضي، والحراك الشعبيّ، بعد 57 سنة من الاستقلال الوطنيّ، تجعلنا ندرك كونهما فعلين شعبيّين هادفين إلى تحقيق أشواق الإنسان الجزائريّ إلى التحرّر. "ولئن حرّرت الثّورة الأولى المكان، فعاد إلى أهله منتصف عام 1962، بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسيّ المباشر، فإنّ الثّورة الثّانية تهدف إلى تحرير الإنسان الجزائري، من "عصابة" حكمته عقدين من الزّمن.

"إنّ كلّ فعل ثوريّ يخلق بوادر تغيير على مستوى النّفسيات والذّهنيات والسّلوكات، عادةً ما تكون مطروحة بصفتها مشاريعَ حضاريّةً قبل حصوله، لكنّها تبقى معلّقة، لأنّها تحتاج إلى شرارة تحوّلها إلى وعي شعبيّ عامّ".

 

إذا انطلقنا من هذه الرّؤية، يواصل بوشندوقة، فإنّ قطاعًا واسعًا في المشهد الثقافيّ الجزائريّ، كان يرفض الأبجديات، التّي كان يقوم عليها النّشر في العقدين الأخيرين، حيث كان يقوم على الدّعم العبثي والشّللي والرّيعي، الخاضع للولاءات لا الكفاءات من طرف الحكومة، ويتطلّع إلى واقع أفضل في مجال الكتاب، من غير أن يمارس ضغوطًا أو يقترح مبادراتٍ تصبّ في تغيير الوضع. يسأل: "هل علينا أن نبقى خاضعين للتعسّفات والاختلالات نفسها، بعد الحراك الذّي هو مسعى تغيير؟".

من هنا، يرى عبد الفتّاح بوشندوقة، الذّي يحوز شهادة تقني سامٍ في المحاسبة والمالية، ويواصل دراسته في العلوم الاقتصاديّة والتّجاريّة وعلوم التّسيير، وسبق له أن مارس شغفه بتصميم الكتب مع عدّة دور نشر جزائريّة، أن إطلاق دار نشر تنسجم مع الحاجات والهواجس الجديدة للشّباب القارئ والكاتب في الجزائر، "ذلك أن ثمّة حاجاتٍ وهواجسَ جديدةً لم تستوعبها منظومة النّشر القديمة".

يذكر محدّث "الترا جزائر" بعض تلك الحاجات والهواجس بالقول: "في عزّ عودة فعل القراءة لدى الجيل الجديد بطرق مختلفة عمّا كانت عليه في السّابق، من خلال مجموعات القراءة، على غرار مبادرة "تنوين"، بقي النّاشر الجزائريّ يشكو من غياب القارئ، بما جعل مساهمته في مواكبة التحوّل المذكور صفريّة. إنّه يمارس الشّكوى ليبرّر حصوله على الدّعم المباشر من الحكومة، التّي لا تملك مؤسساتها المعنيّة بالكتاب أيَّ حسٍّ برعاية فعل القراءة، ومرافقة الجهود الموجودة في هذا الباب".

ويستطرد المتحدّث، أن نشوء قارئ جديد في الجزائر، يتميّز بمشاركة فعل القراءة مع غيره، من خلال مواقع التّواصل الاجتماعي، والسّاحات لمفتوحة في الواقع، قابله نشوء كاتب جديد، قد يكون ضاجًّا بالنّقائص والعيوب، لكنّه موجود في الواقع. وعلينا مرافقته في مسعى تطوير وإثبات الذّات، على حدّ تعبيره.

 تقوم سياسة دار "ضمّة" على الاحتفاء بالكتاب، الذّي يحتفي باللّحظة الجزائريّة القائمة، بكلّ أشواقها وأعماقها، "سمِّهِ أدبًا استعجاليًّا أو أيَّ شيئ آخر. المهمّ أن يكون للحياة الجزائريّة الجديدة كتّابها وكتابها". كما يكشف بوشندوقة لـ"الترا جزائر" أنّ الدّار ستطلق ورشاتٍ تكوينيّةً في الكتابة. وستقوم بنشر الكتب التّي تفرزها تلك الورشات.

كانت باكورة الدّار كتابين اشتغلا على الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، من زوايا تأمّلية تهدف إلى تثمينه بصفته مسعًى ثقافيًّا وإنسانيًّا وحضاريًّا

بالإضافة إلى نخبة من الّروايات، التّي ستصدر قريبًا، مثل"شنكالنامه" للرّوائي الكردي المقيم في ألمانيا إبراهيم اليوسف، و"شيئ ما" لوفاء تفّاح، و"وادي الخوف" لشارلوك هولمز" ترجمة إخلاص حاجّي، كانت باكورة الدّار كتابين اشتغلا على الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، من زوايا تأمّلية تهدف إلى تثمينه بصفته مسعًى ثقافيًّا وإنسانيًّا وحضاريًّا، قبل أن يكون مسعًى سياسيًا، "ومن واجب النّخب المختلفة أن تواكبه باقتراح مشاريع ثقافيّة وحضاريّة تعزّز وتكرّس أهدافه، التّي يأتي في طليعتها حرّية الكلمة والفكرة والانتخاب والمبادرة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ترجمة الأدب الصهيوني بين التطبيع والمقاومة الثقافية

رواية "هالوسين" لإسماعيل مهنانة.. كتابة الكارثة