مجتمع

عائشة شيحاني.. أنامل صحراوية تصنع الأثاث المنزلي من القارورات والعجلات المطاطية

15 فبراير 2025
الترا-جزائر-ويب001.png
عائشة شيحاني في أحد المعارض (تركيب: الترا جزائر)
طاهر حليسي
طاهر حليسي

بين مناطق وادي سوف وتقرت، وتيميمون، جنوب الجزائر، تخوض عائشة شيحاني بأنامل ناعمة حربا ضروسا لإثبات ذاتها وسط محيط تقليدي قد يبدو للوهلة الأولى ذكوريًا محضًا، غير أن التسامح الفطري لأهل الصحراء، ذوي الطيبة والهدوء الأسطوريين، لم يكن عائقا أمام استقلالها المالي وارتقائها السلم الاجتماعي، فقد صنعت لها كيانا حيويا تأسس من نقطة الصفر.

عائشة شيحاني:  مكنتني هذه الصنائع البسيطة من الخروج إلى الواقع الاجتماعي، أذكر أني نصبت طاولة وشمسية وسط سوق يعج بالرجال، أبيع ملابس نسائية ورجالية، وقد كان الأمر غير مألوف في ذلك الوسط الذكوري

تقول عائشة شيحاني  لـ" الترا جزائر" وهي منهمكة في صناعة مشغولات يدوية: "حينما انفصلت عن زوجي الذي أنجبت منه أربع أطفال بعد زواج دام سنوات طويلة، لم يكن أمامي خيار آخر، سوى أن أشمر على ساعدي لأكسب قوت يومي، ولم يكن الأمر سهلا البتة. ففي وادي سوف حيث ولدت وعشت كان العرف الاجتماعي السائد قبل عقود طويلة يجبر الأُسر على توقيف بناتهن في الصف السادس ابتدائي، وهذا ما وقع لي وكنت ضحيته".

(الصورة: فيسبوك)

وتابعت: " لكني ما كدت أغادر نطاق الطفولة حتى وجدتُني في معترك الأمومة فتزوجت في سن السابعة عشرة، وبعد فشل تجربتي الزوجية، قررت أن أبدأ حياة أخرى، أن أخرج من ظل تلك التجربة لأصنع شمسي بيدي، وكم كانت الرحلة مضنية".

في سوق الرجال

ساعدت مهن نسائية بسيطة مثل الخياطة والطرز والاشتغال على عقاش العرائس عيشة السوفية لتكتسب نوعا من المهارة اللازمة لصناعة شيء ما، فتضيف لـ " الترا جزائر" في إصرار: " من الضروري أن يتعلم المرء صنعة يدوية، مهما كانت صغيرة أو معقدة، ففي نهاية المطاف ليست الحياة الكريمة غير بنت دائمة لهذه المهن التي تبدو وضيعة. مكنتني هذه الصنائع البسيطة من الخروج إلى الواقع الاجتماعي، أذكر أني نصبت طاولة وشمسية وسط سوق يعج بالرجال، أبيع ملابس نسائية ورجالية، وقد كان الأمر غير مألوف في ذلك الوسط الذكوري والاجتماعي، لكني كسرت الجليد وصرت تاجرة تسعى للكسب الحلال وسط تجار، وشيئا فشيئا كسبت احترام هؤلاء ثم جميع الناس".

عائشة شيحاني: عد فشل تجربتي الزوجية، قررت أن أبدأ حياة أخرى، أن أخرج من ظل تلك التجربة لأصنع شمسي بيدي، وكم كانت الرحلة مضنية

وعمّا إذا كان الأمر سهلا تجيب: " يبدو لي الأمر صعبا وسهلا في آن واحد، لكن التحدي الحقيقي كان في ذهني. إذا ما استسلمت المرأة للواقع الاجتماعي فمن الصعب أن تتجرأ على الخروج من الشرنقة، لكني قررت دخول السوق وكنت مستعدة على مواجهة الأمر، لأنه متعلق ببقائي وكسب الرزق عبر العمل الحلال للتكفل بحاجياتي وإعالة أسرتي".

(الصورة: فيسبوك)

هذه الفكرة، تقول عائشة، هي التي مكنتني من القيام بذلك عندما أقنعت نفسي أولا قبل التفكير في إرضاء الآخرين، لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك. ثم لا تنس أن لي سوابق في مواجهة الناس، فقد كنت ممثلة مسرحية ومارست دور المهرجة للأطفال. في مكان ما ساعدني ذلك على كسر حاجز الخجل والانطواء. طبعا ثمة فرق بين الحياء والخجل، فالأول قيمة أخلاقية، أما الثاني فهو عقدة نفسية وطوق مرضي قد يقف حائلا أمام النجاح، وعلى المرء أن يكسره لا أن يستسلم لسلطانه، طالما أن العمل أمر شريف شريطة احترام القواعد الاجتماعية".

في واقع الحال ظهرت "عيشة" متعددة الأدوار والهوايات في عدة أعمال تلفزيونية شهيرة، فقد مثلت دور الخادمة في الجزء الثاني من مسلسل الخاوة الشهير رفقة عبد القادر بن جريو، وعزالدين قطعة، ثم في فيلم آخر عنوانه زهرة الصحراء، وقبل فترة وجيزة أنهت تصوير مشاهد في فيلم " القلعة" لمخرجة أجنبية.

رسكلة التنمر

من بيع الملابس والعطور والمساحيق في الأسواق، واستغلالا للتطور الرقمي الهائل، أنشأت "عيشة" صفحة "فيسبوك" لتباشر البيع عن بعد، قبل أن تفكر في خوض سوق آخر هو اقتصاد التدوير ولو في أشكاله البسيطة.

عائشة: في فترة من الفترات داومت على التنقل من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، وحتى من مكب إلى مكب، لالتقط زجاجات بلاستيكية فارغة، أو قناني زجاجية

تقول ضاحكة لـ "الترا جزائر": " في فترة من الفترات داومت على التنقل من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، وحتى من مكب إلى مكب، لالتقط زجاجات بلاستيكية فارغة، أو قناني زجاجية، وطبعا قد يتخيل من يراني أجمع تلك البقايا البلاستيكية، أني معتوهة. ثم صار الناس يتنمرون عليّ بألقاب مضحكة مثل " عيشة قرعة"، لكن تلك القناني الفارغة كانت تتحول في بيتي إلى تحف مكتملة الأبهة والجمال".

لقد كانت عائشة تحوّل زجاجات الزيت والجافيل والقازوز ومختلف القناني إلى تحف فنية مثل الأباريق والفناجين المطرزة بالأقمشة وحجارة التزيين، أمام دهشة الناس الذين أصبحوا يشترونها مني لتكون ديكورات حيّة في غرف الاستقبال والنوم أروقة الفيلات الفاخرة".

(الصورة: فيسبوك)

وبشيء من الدعابة الحقيقية تضيف: " قضت طريقتي في الرسكلة على ذلك التنمر، إذ صار الأطفال والكبار والنساء، الذين كانوا يسخرون مني بمسمى "عيشة قرعة" يجمعون لي القناني والزجاجات ويحتفظون بها كي يسلموها لي في محبة كلما مررت بالقرب من عتباتهم، وهكذا لقد ترسكل التنمر إلى إعجاب بما أفعله وإلى احترام لكينونتي الشخصية، والأهم إلى تقدير للعمل الفني الذي أقدمه للناس وللحياة التي انفخها في بقايا لم تعد مستعملة، وكانوا يعتقدون أنها لا تصلح لشيء".

وبشكل سريع، انتقلت هذه المرأة العنيدة من فكرة تدوير القناني إلى رسكلة العجلات المطاطية، بعدما راودتها فكرة تحويلها إلى أثاث منزلي صالح للاستعمال اليومي، منخفض التكاليف، يساعد العائلات المتوسطة على اقتنائه بمبالغ زهيدة تقل عن المصنعة في الورش بثلاثة أو أربعة أضعاف.

عائشة: قد يتخيل من يراني أجمع تلك البقايا البلاستيكية، أني معتوهة. ثم صار الناس يتنمرون عليّ بألقاب مضحكة مثل " عيشة قرعة"، لكن تلك القناني الفارغة كانت تتحول في بيتي إلى تحف مكتملة الأبهة والجمال

تقول باسمة: "رأيت الكثير من العجلات المرمية على قوارع الطرقات الصحراوية. فبسبب قساوة المناخ وطول المسافات، عادةً ما يتخلى السواق مكرهين عن عجلات مطاطية جراء الاستهلاك الطويل لها على الأسفلت. فقررت أن أعيدها للحياة ولو بطريقة أخرى. ومن هنا، صارت عجلات الشاحنات طاولات، فيما تصلح عجلات الدراجات النارية تابوريهات متوسطة، أما إطارات الدراجات الهوائية، فتحولت إلى مرايا معلقة على الجدران وفي الحمامات".

وتشرح طريقة التدوير قائلة: "أقوم بثني العجلات وأكسوها بقطعة من الخيش المشدود بخيوط القنب، ثم ألبّسها القماش المختار وأزينه بطرز بديع يحمل أشكالا ورموزا بهية. في العادة، أفضل الألوان الحارة والداكنة كي لا تتسخ بسرعة".

10 ملايين في أسبوع

لا تتأخر عيشة في شدّ الرحال إلى المعارض التجارية المنظمة عبر مختلف الولايات الجزائرية، حاملة معها أدواتها البسيطة: مقص، ومسدس الصامولة لتثبيت البراغي، بغرض صناعة الأرائك والمرايا من المطاط والكتان، أو حتى الاشتغال على الإكسسوارات اليدوية.

فتقول: "رغم عدم حيازتي على إمكانيات كبيرة، خاصةً ما تعلق ببعض الأدوات المتطورة في التقطيع واللصق أو التثبيت، أو بندرة بعض المواد الأولية التي أضطر لجلبها من العاصمة، ويدفعني ذلك إلى أشتغل بمفك براغٍ فقط لخرق العجلات وتمرير الخيوط عبرها".

وعمّا إذا كان عملها ينطوي على فائدة مادية توضح جازمة: " بالتأكيد هو مجز، قد لا تصدق لو قلت لك أنه يوفر رغم بساطته دخلًا محترمًا، إذ يبلغ قرابة مائة ألف دينار جزائري أسبوعيًا، وهذا رزق جيد يكفيني شر الحاجة إلى الناس".

وإلى ذلك، تضيف: "طورت مهاراتي في صنع الإكسسوارات، فعلاوة على تحصلي منذ عقود على شهادة الاشتغال على "الماكرامي"، فقد تلقنت مهارات جديدة في الترصيع بالمجوهرات والألماس بواسطة موقع يوتيوب. أما طريقة تركيب الخيوط وكتابة الأسماء للزبائن فوق تلك القطع، فقد علّمني إياها زميل حرفي من العاصمة".

لا تكل عائشة عن البحث عن مصادر الرزق، ولو بتعلم شغلات جديدة، كما توضح: "يمكن لأي فرد أن يتعلم مجانًا مهارات مفيدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك محتوى رقمي جيد متاح الوصول إليه بمجرد نقرات بسيطة وبالبحث في المحركات، سواء في مجال اللغات أو الحرف التقنية والمهارات اليدوية".

فرقة عائلية

في نهاية كل يوم، تلتحق هذه المرأة ببيتها، وهو شقة بغرفتين، لتلتئم مع أولادها، سرّ سعادتها، فتوضح: "مع أني أصارع القوت طيلة ساعات النهار، كما لو أني أتولى وظيفة رب الأسرة، فإن السعادة الحقيقية هي كوني أعيش أولادي وهم يعيشون لي. يحدث أن نشكّل مجموعة، أنا وابني وبنتيّ، ونبدأ في العزف على آلة القنبري، فنغني ونرقص على وقع الدربوكة والتارة، في أجواء مرح عائلية كبيرة. كما نشارك في إحياء حفلات الأعراس، ذلك أن ابنتي قارعة قرقابو في فرقة بنات جلاب الشهيرة".

عائشة شيحاني:  أظن أن تعاسة البشر تبدأ منذ اللحظة التي يشرعون فيها بالنظر إلى أرزاق الآخرين والدخول في مقارنات منهكة لا نهاية لها

رغم المشاق، تبدو الحياة في نظر هذه السوفية بسيطة للغاية ومفعمة بالسعادة، إذ تختم حديثها لـ"الترا جزائر" في تفاؤل كبير و إيجابية فائضة: "أنا سعيدة رفقة بنتيَّ اللتين تعيشان معي، وولدَيَّ اللذين يزورانني من حين إلى آخر.

وسرّ ذلك، أننا "نعيش لبعضنا. كما أنني مكتفية بعملي الذي يعيلني، ولا أنظر إلى الآخرين قط. أظن أن تعاسة البشر تبدأ منذ اللحظة التي يشرعون فيها بالنظر إلى أرزاق الآخرين والدخول في مقارنات منهكة لا نهاية لها. ثمة فوارق طبيعية بين البشر في المواهب والأموال والبنون، لذا علينا أن نكفّ عن التطلع لما في أيدي الناس، ونكتفي بما في أيدينا. ولكيلا تتعب نفسك، عليك أن تعيش لنفسك".

 

 

 

 

الكلمات المفتاحية

أعمال خيرية خلال رمضان

"المطبخ المُتنقل".. جسر للتّضامن وإفطار الصائمين في رمضان


(الصورة: فيسبوك)

الأرق الرمضاني في الجزائر.. ظاهرة متزايدة تهدّد الصحة

مع حلول شهر رمضان، تتغير العادات اليومية بشكل كبير في الجزائر، حيث يصبح النوم أحد أكبر التحديات التي يواجهها الصائمون. فبين السهر الطويل لمتابعة البرامج التلفزيونية الرمضانية، تغير أوقات الوجبات، وضغط الالتزامات اليومية، تتأثر الساعة البيولوجية للجسم بشكل ملحوظ، مما يجعل النوم غير منتظم ويؤدي إلى الأرق الرمضاني.


جدارية للشهيدة حسيبة بن بوعلي

عيد المرأة: بطولة الشهيدة حسيبة بن بوعلي.. فُرصة لتجديد الذّاكرة

في زاوية من زوايا القصبة العتيقة؛ سطع نجم فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة، رمزًا للتضحية والفداء في سبيل الوطن، إبان فترة الاستعمار الفرنسي؛ إنّها الشهيدة حسيبة بن بوعلي .


"طيّاب الأوراس".. كفاحٌ بطعم الخبز والخير على كرسي متحرك

"طيّاب الأوراس".. كفاحٌ بطعم الخبز والخير على كرسي متحرك

كل ظهيرة، يشقّ عبد الكريم شافعي، 28 سنة، طريقه على كرسيه المُتحرّك من حي سلسبيل إلى موقف "باركافوراج" المُقابل لبلدية الزمالة بباتنة (شرق). تسبقه زوجته، ذات الثلاثين ربيعًا، إلى مقر عمله الصغير جوار محطة الحافلات.

(الصورة: فيسبوك)
ثقافة وفنون

المخرج عباس فيصل: تمثيل الجزائر في مهرجان "العودة" الفلسطيني شرف لا يقدّر بثمن

عباس فيصل ممثل مسرحي ومخرج سينمائي صاعد متخصص في صناعة الأفلام الوثائقية، حاصل على شهادتي تقني سامي في المحاسبة والتسيير، وليسانس في علم المكتبات والمعلومات، يترأس نادي الفن السابع بالجزائر العاصمة، شارك في عدد من المهرجانات الدولية وسيكون له حضور في مهرجان فلسطيني قريبا، سيتحدث عنه وعن تيمته وعن فيلمه الذي سيعرض ضمن هذه الفعالية، كما سيتطرق عبر حواره مع "الترا جزائر" إلى السينما…

عبد العالي حساني شريف
أخبار

حساني: لن نتخلى كجزائريين على دعم ومساندة فلسطين

أكد رئيس حركة مجتمع السلم "حمس"، عبد العالي حساني شريف، اليوم الجمعة، أن الجزائريين لن يتوقفوا ولن يتخلوا عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية، بكل الوسائل المتاحة والممكنة.


عمار بن جامع_0.jpg
أخبار

الجزائر تدعو إلى العودة لقرار وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ جميع مراحله

دعت الجزائر، اليوم الجمعة، إلى العودة لوقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ جميع مراحل الاتفاق الذي خرقه الكيان الصهيوني.

بيتكوفيتش
رياضة

بيتكوفيتش: حققنا فوزًا مهمًا في ظروف قاسية وصعبة

قال مدرّب منتخب الجزائر لكرة القدم، اليوم الجمعة، إنّ المقابلة التي واجه فيها أشباله منتخب بوتسوانا، بملعب بملعب "أوبيد إيتاني تشيلومي" بمدينة فرنسيس تاون، جرت في ظروف "صعبة وقاسية".