02-أبريل-2020

الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة (تصوير: توماس تروتشل)

في بداية شهر نيسان/أفريل 2019، كان كلّ العالم يتداول ما يُعرف بكِذبة أفريل أو"سمكة أفريل"، غير أن الجزائريين في تلك الفترة، كانوا يتداولون حقيقة واحدة وهي استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 سنة من الحكم، سبع سنوات منها كان هو الغائب الأكبر عن المشهد السياسي بسبب تعرّضه لوعكة صحية منذ 2013، وكان يخاطب الجزائريين بالقرارات والرسائل والبيانات الرسمية.

مشاهد إيداع استمارات ترشّح بوتفليقة، شكّلت استفزازًا كبيرًا لملايين الجزائريين

استقالة بوتفليقة، كانت ثمرة من ثمار الحراك شعبي الذي بدأ لحظته التاريخية في الـ 22 شباط/فيفري 2019، ولازال مستمرًا، مسيرات ضدّ منظومة الفساد التي نشأت في محيط حكمه، بدأت بـشعار" كليتوا لبلاد يا السراقين".

اقرأ/ي أيضًا: عبد العزيز بوتفليقة.. ختام "قسري" لسيرة رمادية

السرقة، الحقرة، الفساد، النهب، الظلم، اللاعدالة، جعلت من هذا الشعار أقوى الشعارات التي ظلت تثير سؤالًا جوهريًا لدى قطاعٍ واسعٍ من الجزائريين، تردّد في الفترة الأخيرة بشكلٍ لافتٍ في العديد من الفضاءات والدوائر، هو: لماذا لم يلاحق الرئيس بوتفليقة ولم يحاسب قضائيًا، ولم تتم مساءلته في قضايا الفساد التي كشفت عنها المحاكم الجزائرية؟

ظروف الراية البيضاء

الظروف التي دفعت بوتفليقة  توقيع استقالته،"لم تكن عادية"، بحسب متابعين للشأن السياسي الجزائري، إذ جاءت الاستقالة بعد عقدين من الزمن، أي  بعد عشرين سنة كاملة مكّنت بوتفليقة من صناعة إمبراطورية محاطة برجالات السياسة والمال، تأتمِر بأوامره في البدايات، وبأوامر شقيقه حتّى آخر أيّام حكمه، إضافة إلى أنّها عمومًا، ستبقى متفرّدة في التاريخ السياسي الجزائري، من حيث التوقيت، إذ وُسِمت وقتها بـ "اللّحظة التاريخية"، لأنّ كلّ مؤشّرات بقائه في الحكم، كانت واضحة وقتذاك للعلن، بل أحاط نفسه بمجموعات من المريدين والتّابعين والأحزاب والجمعيات التي هلّلت وصدحت بصوتها في القاعة البيضاوية بمركب "5 جويلية 1962"، يوم 9 شباط/فيفري 2019، ووجّهت له دعوة للترشّح لعهدة رئاسية خامسة، وتحقّقت نيته في "الاستمرارية" بحسب من دفعوا بملف ترشّحه للمجلس الدستوري.

مشاهد إيداع استمارات ترشّح بوتفليقة، شكّلت استفزازًا كبيرًا لملايين الجزائريين، بل والتجمّعات الداعية إلى ترشّحه أيضًا، حيث ظهرت التجمعات الحزبية وهم يوجّهون دعوة الترشّح لـ "إطار خشبي" يحمل صورة الرئيس، تحت لواء جبهة التحرير الوطني، و من طرف وجوه وسياسيين ووزراء.

إحباط كبير في الشارع الجزائري، وكثيرون عبّروا عن رفضهم أن يترشّح بوتفليقة للعهدة الخامسة، شعارات وتعليقات عجّت بها منصات وسائل التواصل الاجتماعي، "بعد سبع سنوات رئيسنا لم نسمعه تكلّم، ولم نرَ له جانبًا في المحن والكوارث، ولم يؤازرنا في السرّاء والضرّاء، فكيف لنا أن ندعوه للترشّح؟".

إحدى عشر يومًا من الغليان الشعبي، من الرافضين لبقاء بوتفليقة، احتجاجات شهدتها كل من ولايات خنشلة، وبرج بوعريريج، وبجاية، وباتنة، أدت إلى انفجار غضب شعبي في جميع ربوع الجزائر، لاح للناظرين في كل العالم، مليونية الـ 22 شباط/فيفري 2019. الحناجر تردّد "لا للعهدة الخامسة" ونرفض "بقاء العصابة".

عقدان من الزمن، لم يكن هناك ما يوحي أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومن ورائه المنظومة السياسية كاملة سيترك الحكم، كان في زاوية التوقّف عن الحكم، إذ تواترت الأحداث من مساعي بوتفليقة في تنظيم ندوة وطنية جامعة، وتهدئة الشارع، وطلب تمديد عهدته لسنة أخرى، فور إجراء الندوة، لكن معها تعدّدت الخطابات التي كان يطلقها قائد الجيش الجزائري الراحل قايد صالح، آخرها خطاب أمام  لقاء موسّع مع كبار القيادات العسكرية، إذ "وصف جهات تستحوذ على صلاحيات الرئيس بوتفليقة بـ"العصابة"، ودعا وقتها بضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تدعو المجلس الدستوري إلى إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية. هذا الخطاب الشديد اللهجة، أعقبه بيوم كامل إعلان التلفزيون الرسمي استقالة الرئيس بوتفليقة.

فساد ونهب المال العام

ستبقى ذكرى الـ 2 من نيسان/أفريل 2019، مختلفة عن كل ذكريات الجزائريين، لافتة ومحيرة في الوقت ذاته، إذ برزت كبرى قضايا الفساد، وهي قضايا "كبرى" تتصل برأس هرم الدولة، وكشفت أن " فترة حكم بوتفليقة كانت بهتانا كبيرا" بحسب الناشط الحقوقي المحامي عبد القادر عماني في حديثه لـ"الترا جزائر" معتبرا أن " المرحلة البوتفليقية فيها الكثير من الثغرات السوداء التي تبقى أسئلة مفتوحة، رغم بدء القضاء في تفكيك بعض شفراتها" مواصلًا: " فترة الحكم شهدت أكبر فضائح النّهب للمال العام، أحيانًا لا يصدقها العقل وأحيانًا أخرى، نحن أمام فساد مسؤولين وعائلاتهم".

قضائيًا، يتحدّث متابعون للشأن العام، عن سبب عدم ملاحقة بوتفليقة قانونيًا، رغم ضلوعه في كل القضايا باعتباره رئيس جمهورية، وتورّط رجالاته المقرّبين منه، علاوة على "مسؤوليته السياسية والأخلاقية، إذ يحصي القضاء اليوم تورّط 30 وزيرًا في قضايا فساد مالي"، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله بوفنداسة لـ "الترا جزائر" لافتًا إلى أن ما جرى في فترة حكمه، تتوجّب محاكمته رأسًا.

تعالت أصوات كثيرة، منذ بدء الحراك الشعبي في الجزائري، وقوى سياسية وشخصيات وطنية ومحامين، بمحاكمة بوتفليقة، ارتفع منسوبها، عندما طالب الوزير الأوّل الأسبق عبد المالك سلال أثناء محاكمته، بأنه "يجب استدعاء الرئيس بوتفليقة لسماع شهادته".

سياسة وموانع

الثابت أنّ الرئيس بوتفليقة، كان يسبح في فلك قضايا فساد، تمدّدت عبر فترات حكمه الأربع، إذ وُصفت من طرف السياسيين بـ "فترة تهميش المؤسّسات"، إذ ألغى وظائفية المؤسّسات التي كانت قائمة، يشير الأستاذ بوفنداسة في حديثه، قائلًا: "ما عرّته العدالة الجزائرية خلال المحاكمات تكشّف من وراءه أن المؤسّسات القائمة لا تحكم، بل كانت تنفذ فقط، كالبرلمان والمجالس القضائية، ومختلف أجهزة الدولة"، موضحًا بالقول أن أهم ملمح من ملامحها هو "الحكم الفردي".

وصفت فترة بوتفليقة من طرف بعض الاقتصادييين، بأنها " فترة الفساد بالأرقام الفلكية"، شارك فيها وزراء ورجال أعمال وولاة ورؤساء بلديات، وعرفت توظيف المال لفائدة ترشّحه للعهدة الخامسة وتورّط أسماء ثقيلة.

المتغير اللافت، بعد عام من استقالة الرئيس بوتفليقة، وجود مانع قانوني يحول دون استدعاء بوتفليقة للقضاء، وهو غياب "محكمة الدولة الخاصّة" برأي المحامي حميد بلكربي، هي "محكمة كان من المفروض أن يتمّ إنشاؤها دستوريًا"، الغرض منها "محاكمة رئيس الجمهورية، إن وجهت له تهم بالفساد أو الخيانة العظمى".

إضافة إلى هذا المانع القانوني، هناك من ذهب إلى القول بوجود "اتفاق ضمني" بين الرئيس بوتفليقة وقيادة الأركان، في شخص الراحل القايد صالح،  في دفعه لوضع الاستقالة مقابل إبعاده من الملاحقة القضائية، لكن هناك مانع ثالث يبدو أنه أيضًا له مفعول قيمي مجتمعي في حالة عبد العزيز بوتفليقة، إذ بات المانع الأخلاقي أكثر عقلانية، يقول الأستاذ بلكربي "نظرًا إلى وضعه الصحّي الصّعب، وكبر سنه، فالجزائريون لا يريدون لرئيسهم السابق أن يسلك المصير نفسه لرؤساء عرب، إما مقتولًا أو مطاردًا أو مسجونًا".

عدم مسائلة بوتفليقة ومحاسبته عن قضايا الفساد في فترة حكمه، ستترك نقاط ظلٍّ لدى الجزائريين

عدم مسائلة بوتفليقة ومحاسبته عن قضايا الفساد في فترة حكمه، ستترك نقاط ظلٍّ لدى الجزائريين، في فترة من فترات التاريخ، في مقابل أن كثيرين يرون في شخصية الرجل "اللاّمعة"، التي حملت إشعاعًا سياسيًا في فترة السبعينات، وعاصر كبار السياسسين في العالم، إلا أنّ نهايته كانت مخيّبة، ولا تنسجِم مع ماضيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أين بوتفليقة من محاكمات الفساد في الجزائر؟

لماذا فشل بوتفليقة في تحديث الجزائر؟