17-ديسمبر-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

سنة مرّت على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في ظلّ توتر شعبي كبير وانتفاضة الشارع الجزائري لمدة تزيد عن 54 أسبوعًا، وُسمت بـ" جمعات الغضب" طيلة عام 2019، لتنتهي بانتخابات الـ 12 كانون الثاني/ديسمبر، وفوز المرشح الحرّ تبون بورقة الطريق نحو قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية، الذي ورث حصيلة 20 سنة من حكم سابقه للحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وغليان في الشارع.

كان تعديل الدستور أولى الخطوات التي باشرها الرئيس بعد انتخابه رغم الانتقادات التي طالته

في أوّل خطاب فور إعلان فوزه من بين المرشحين الخمسة، أقرّ الرئيس تبّون بأنّ المهمّة ليست سهلة، وأنه يحترِم منافسيه ومعارضيه، كما أنه "سيُلبي مطالب فواعل الحراك الشعبي العظيم"، داعيا إلى رأب الصّدع والالتفاف حول خطّة البناء وترك القضاء يشتغل على ملفات محاسبة الفاسدين من النّظام السابق.

مسار التهدئة

في البداية، تمحورت أجندة الرئيس تبون حول عامل نفسي مؤدّاه إعادة الثّقة بين السلطة من مؤسسات الدولة والشّعب الجزائري، خاصّة عقب سبع سنوات من غياب شبه تامّ للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والانسداد الحاصل على المستوى السياسي والاجتماعي، فيما ركّز في أولى خطوات هذه الأجندة على البدء في تنفيذ وعوده الانتخابية، و"إجراء تغييرات سياسية الكبرى، وفتح المجال نحو الإقلاع الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة للجزائريين وتسليم المشعل للشباب في المؤسسات".

في مقابل ذلك، واجه الرئيس الجزائري، رفضًا كبيرًا في بداية حكمه، لأسباب أهمها: "عودة الوجوه السياسية في النظام السابق من رموز أحزاب كانت موالية للرئيس بوتفليقة والداعية لعهدة انتخابية خامسة، علاوة على إعادة خطابات سياسية قديمة، الأمر الذي أثار الكثير من التوجّس لدى الطبقة السياسية وفواعل الحراك الشعبي في الشارع، مقابل استمرار تكميم الأفواه واعتقال النشطاء السياسيين ومحاكمة بعض شباب من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل من التسويق للتّغيير عصيًا على الوافد الجديد على قصر الرئاسة بأعالي العاصمة الجزائرية.

محطات كبرى

توقّف الرئيس تبون عند محطات كبرى في هذه الفترة القصيرة من الحكم، إذ أقرّ أجندة سياسية لبناء ما أسماه "الجزائر الجديدة". مصطلح تغلغل في لغة السياسيين من الأحزاب الموالية له، ولمختلف وزراء الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني التي تروّج لبرنامجه طيلة السنة التي أعقبت الانتخابات، فالجزائر الجديدة التي يراها هؤلاء هي إعادة تأسيس مواد الدستور كأول مشروع سياسي قدّمه الرئيس تبون للرأي العام في الجزائر ومضى فيه للنّهاية".

وبذلك كان أوّل منجز للرئيس هو المضي في إجراءات تعديل الدستور، رغم الانتقادات الكبرى التي طالت الطريقة في صياغة بنوده، وعدم إشراك المعارضة السياسية في التعديلات، والأخذ بمختلف الآراء، بل تمت المصادقة عليه بالإجماع من طرف نواب البرلمان دون عرضه على المناقشة العلنية بند ببند، رغم ارتفاع الأصوات المندّدة ببعض مواده المدرجة والمحاور الكبرى المعلنة عن هذه الوثيقة العليا في تنظيم مؤسسات الدولة، وطريقة عرضه على الشعب الجزائري.

عشرة أشهر هي المدة التي استغرقتها الرئاسة في صياغة الدستور الجديد، قبل أن يعرض للاستفتاء الشعبي في الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، غير أن النتائج المخيّبة للاستفتاء، تطرح اليوم العديد من التساؤلات، كما قال النشاط السياسي فريد بودهان لـ"الترا جزائر"، فالمقاطعة التي بلغت 77 بالمائة، تعني أن الدستور الجديد لا يشكّل اتّفاقًا بين مختلف أطياف المجتمع الجزائري، وهو ما يُضعِف من مصداقية العملية السياسية برمّتها رغم شفافية الأرقام التي أعلنتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، كما وصف المتحدّث.

ورغم قانونية نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، المنتظر التوقيع عليه من طرف الرئيس ليكون ساري المفعول، "تظل ّوثيقة عليا مبتورة من عامل المشروعية الشعبية"، كما أضاف الأستاذ بودهان، مشيرا إلى أن الفعل السياسي في الجزائر بات يطرح عدة شكوك حول شرعية المرور نحو المحطات السياسية الكبرى خاصة فيما تعلّق بإعادة النظر في قوانين الانتخابات والتعديلات التي ستطال المؤسسة التشريعية لاحقًا.

في هذه النقطة تحديدًا، تشير المعطيات الرقمية أن الرئيس تبّون خسِر في سنة واحدة أزيد من مليون ونصف من الأصوات في استفتاء الدستور ( 5.5 مليون ناخب من أصل 23.5 مليون مسجّل)،  بعدما حصل على أربعة ملايين و945 صوت في انتخابات الرئاسة، وهو ما يُفهم على أساسه حسب الناشط السياسي بودهان "اتساع الهوة بين الشعب والسلطة السياسية وعدم اقتناع قطاع واسع من الجزائريين في التغيير السياسي المنشود".

في هذا السياق، يعتقد المتابعون للشّأن السياسي في الجزائر، أن تقييم هذه الفترة "غير كامل ولكنّه صحّي"، يهدف إلى وضع الأصبع على الجرح، ومعرفة أين نحن وإلى أين نريد أن نذهب، رغم الوعود التي أطلقها الرئيس منذ بداية حكمه، ورغم الآفاق التي فتحها أمام الجزائريين، غير أنها اصطدمت بأوّل اختبار مع الأزمة الصحيّة التي تعشيها الجزائر ومختلف بلدان العالم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا.

هل من بدائل؟

عاملٌ مفاجئ، دفع إلى توجيه خطة الرئيس، بسبب الأزمة الوبائية فيروس كورونا، وهي الأزمة التي عرّت الكثير من النقائص على المستوى الصحّي في الجزائر، إذ عرج الرئيس إلى استحداث وكالة التعاون الدولي ووكالة الصحّة، فضلًا عن وكالات أخرى تلبية لمتطلبات المرحلة الحالية منها تعيين مستشار لمناطق الظلّ، وهيئة وسيط الجمهورية، ومستشارًا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية.

ولفتت بعض الأطياف السياسية في الجزائر إلى أن حلحلة الأزمة التي تعرفها الجزائر، لا يمكن أن يتمّ عبر مؤسّسات جديدة تستنزف موارد البلاد، في مقابل ملفات الفساد الذي نخر المؤسّسات وطال الخزينة العمومية وأفرغ جيوب المواطن لأكثر من عقدين من الزمن، ودون إشراك مختلف الفواعل السياسية في الجزائر والاستماع إلى آرائها ومقترحاتها.

وبالحديث عن حرّية الرأي والمعارضة، يبدو أن أهمّ ملف لازال يطرح الكثير من التساؤلات هو ملفّ الحرّيات، كما قالت الأستاذة في القانون الدستوري فريدة بلفراق لـ "الترا جزائر"، معتبرةً أن قضيّة الحرّيات جوهرية ولا يمكن أن نمارس الديمقراطية دونها، إضافة إلى تكريس الحقوق وعدم التضييق على الإعلام".

وأضافت المتحدّثة أن هذه المسألة تبقى من بين أهم التدابير التي يمكن للرئيس أن يعالجها في الفترة المقبلة، "بتخفيف الضغط على النشطاء السياسيين والحقوقيين، ودون ذلك سنعود لنقطة الصفر" حسب تعبيرها.

 عقدة الأزمات

اجتماعيًا واقتصاديًا، دعا الرئيس تبون إلى إحصاء وتنمية "مناطق الظلّ"، تلك المدن والتجمعات السكانية التي تعيش الغبن والفقر والهشاشة التنموية من انعدام الماء الصالح للشرب والمدارس والمرافق الصحيّة والطرقات، حيث كلف لمتابعة هذا مستشار خاصّ بتأهيل هذه المناطق، التي بلغت 15 ألف منطقة يقطنها ثمانية ملايين ساكن، والبدء في تنفيذ 2000 مشروع بغلاف مالي قارب المليار يورو.

بحسب متابعين للشأن العام في الجزائر يُعتبر هذا الملف، ثقيلًا وملغومًا، كما قال الباحث في العلوم السياسية عبد الله سعيدوني لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أنّ "الهشاشة في المدن الجزائرية حصيلة تراكمات الأزمة الأمنية والاجتماعية وتداعياتها لأزيد من ربع قرن من الزمن"، مضيفًا أن "الحلّ ليس غدًا، خصوصًا مع ارتفاع منسوب الغضب الشعبي حول ظروف المعيشة والمقدرة الشرائية وانتظار السكن والعمل". 

مرض الرئيس تبون  أعاد لأذهان الجزائريين فترة مرض الرئيس السابق بوتفليقة

بصرف النظر عن مختلف المحطات التي عرفتها السنة الأولى من حكم الرئيس الجزائري، إلا أن الأزمة الصحية المفاجئة التي يمرّ بها منذ أزيد من شهر، أعادت لأذهان الجزائريين فترة مرض الرئيس بوتفليقة، وأرجعت الغموض السياسي في أفق الجزائر، وهو ما دفع بالأحزاب السياسية إلى تجديد الدعوة لحوار سياسي وطني شامل بإمكانه أن يعيد الحركية في المجتمع في مواجهة التحديات الكبرى، أهمها معالجة تداعيات أزمة " كورونا" اقتصاديا واجتماعيا، والبحث عن شكل محدّد من التوافق السياسي بين السلطة والمعارضة السياسية، علاوة على محاولة تشديد جدار وطني داخلي لحماية البلاد من التوتّرات الخارجية.

 

 اقرأ/ي أيضًا:

تعديل الدستور في زمن كورونا.. لمَ الاستعجال؟

بن قرينة يهاجم لعرابة ويشكك في الدستور المقبل