08-يونيو-2023
مجلس الأمن

مجلس الأمن الدولي (الصورة: Getty)

تطمح الجزائر لاستغلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي في العامين المقبلين  للقيام بأدوار في المحفل الأممي وسط تساؤلات حول امتلاكها لوسائل تنفيذ سياساتها في مرحلة تتميز بالاستقطاب الشديد.

المتحدث الإعلامي لـ"الأرسيدي": الجزائر لن تكون قادرة على إحداث الأثر ضمن مجلس الأمن مثلها مثل بقية الأعضاء غير الدائمين

وحدد الرئيس عبد المجيد تبون في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي، أنطونيو غوتيرش، غداة اختيار الجزائر لعضوية المجلس، أولويات الدبلوماسية الجزائرية في هذه الفترة تتصدرها "المشاركة في مسار صنع القرار الدولي الهادف إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين والمساهمة بحيوية وبالتوافق مع جميع الدول الأعضاء في تعزيز وتكريس المبادئ والقيم المقدسة لميثاق الأمم المتحدة وتجسيد الأهداف النبيلة التي ولدت من أجلها المنظمة الأممية".

ووظف تبون مصطلحات من القاموس الدبلوماسي الجزائري الخاص للإعلان عن قائمة الأوليات قائلًا: "إن الجزائر لطالما صاغت التزامها بقيم العمل متعدد الأطراف ووضعت احترام قواعد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في صميم رؤيتها، وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير المصير"، في تلميح إلى قضايا تتقدمها القضية الفلسطينية. 

وتتركز اهتمامات الجزائر على قضايا، أهمها "السلم والتنمية في القارة الأفريقية والشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف"، وفق ما جاء في الرسالة.

إلى هنا يأتي انتخاب الجزائر في مرحلة يعاني فيها المجلس انقسامًا -يُذكّر بمرحلة الحرب الباردة- إذ يعيش جمودًا دبلوماسيًا إثر فشله في الاتفاق على كيفية التعامل مع أزمات دولية عدة ومنها أوكرانيا والسودان، وهو وضعٌ لا يخفى عن متّخدي القرار في الجزائر الذين يُدرِكون، حتمًا حجم المخاطر والتحديات التي ستواجه الجهاز الدبلوماسي خلال شغل الكرسي.

وبحسب الباحث والمحلل السياسي، توفيق بوقاعدة، فإن "عضوية مجلس الأمن قد توفر للدبلوماسية الجزائرية منبرًا للتعبير عن مواقفها."

وفي حديث لـ"الترا جزائر"، قال بوقاعدة إنّه "أتوقع أن يعمل الجهاز الدبلوماسي الجزائري على تسليط الضوء على قضايا وُضِعت على الهامش في أجندة مجلس الأمن وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضايا إقليمية أخرى."

وهنا لفت أيضًا إلى "الصعوبات التي ستواجهها بعد نيل العضوية في هذا الفضاء الخاص بالمداولة واتخاذ القرار، بالنظر إلى اختلاف المرحلة الحالية عن المحطات الثلاث السابقة (سنوات الستينيات والثمانيات من القرن الماضي، وفي مطلع الألفية الجديدة)."

وأردف: "ستواجه (الجزائر) تكاليف التصويت على قرارات ولوائح مجلس الأمن، في ظل معطى تناقض مواقفها مع بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي".

وبعد أن نبّه إلى أن عديد الدول بمن فيها دول عربية فضّلت التخلي عن دورها في عضوية المجلس (المملكة العربية السعودية مثلا في 2013)، تساءل بوقاعدة: "علينا رصد كيف ستتصرف خلال عمليات التصويت وهل ستكّيف مواقفها مع الضغوط المتوقعة أم تجعل من عضويتها أداة للرفض؟"

براغماتية

وتُبين سجلات التصويت بمجلس الأمن الدولي لفترة 2004/2005 مثلًا أنّ المواقف الجزائرية كانت متماهية بصفة شبه كلية مع مواقف الأعضاء الدائمين، وخصوصًا الدول الغربية دائمة العضوية (فرنسا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية)، ومن أصل 120 قرارًا (59 قرارًا في 2004 و71 قرارًا في 2005)، دعمت الجزائر الغالبية العظمى من القرارات واللوائح.

كما أنها لم تلجأ إلّا في حالات استثنائية للامتناع، ومن ذلك خلال جلسة التصويت بتاريخ الثاني أيلول/سبتمبر 2004 على القرار1559 الذي قدمته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية الداعي لـ"خروج الجيوش الأجنبية من لبنان"، أي القوات السورية (شهدت الجلسة أيضا امتناع الاتحاد الروسي، باكستان، البرازيل، الصين، الفلبين عن التصويت).

كما لم يشكل دعم القرار1556 الداعي لفرض حظر السلاح على أطراف النزاع في دارفور (السودان) أيّ عقدة للدبلوماسية الجزائرية في تلك المرحلة، التي شهدت صعود تيار منفتح على الغرب إلى الحكم، لكنها امتنعت عن تأييد القرار1593 الداعي لإجراء تحقيق دولي في الفظائع التي شهدها الإقليم خلال الحرب الأهلية التي اشتعلت من جديد.

دبلوماسي يعرف المكان

ويتولى الدبلوماسي عمار بن جامع، الممثل الدائم للجزائر بالأمم المتحدة البالغ من العمر 72 عامًا مهمة تنفيذ خارطة الطريق، التي رسمها الرئيس تبون ومراقبة وزير الخارجية المخضرم أحمد عطاف الذي سبق وأن انتدبه للعمل معه كأمين سرّ لوزارة الخارجية بين 1996 و2000.

عمار بن جامع
الدبلوماسي عمار بن جامع ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة (الصورة: جون أفريك)

وسيُحاول مثل أسلافه ترك بصمته في سجلات الأمم المتحدة التي عمل في أروقتها قبل 35 عامًا، ويحوز بن جامع خريج المدرسة العليا للإدارة (فرع دبلوماسية) في العام 1975 على خبرة واسعة في العمل الدبلوماسي، حيث استهل عمله في الخارج بالسفارة الجزائرية بموسكو، ثم عمل ضمن وفد بعثة الأمم المتحدة كنائب للسفير بين عامي 1988 و1991.

وعُيّن سفيرًا في أديس أبابا للفترة (1991/1994) ثم المملكة المتحدة (1994/1996)، ثم أمينا عامًا للخارجية وسفيرًا بعد ذلك لدى اليابان ثم فرنسا بين 2013 و 2017.

استهلاك داخلي

وبالموازاة مع التسويق الدولي للإنجاز والعمل على تحقيق مكاسب دبلوماسية دوليّة ومحاولة الخروج من عزلة دبلوماسية، سيُراهن "أنصار" الرئيس تبون على الاستثمار بقوة فيما يُقدّم على أنه نجاحٌ كبيرٌ لهم لتعزيز موقفهم الداخلي، حيث ورغم أن رسالة الرئيس تبون للأمين العام للأمم المتحدة ومعه المجموعة الدولية، فهي تتوجه أيضا بشكل مباشر إلى الرأي العام المحلي أي للاستهلاك الداخلي، وبهدف إحداث أكبر تأثير لدى الموطنين ولفترة أطول حتى قبل استلام كرسي مع كبار مجلس الأمن الدولي، لكن من غير المؤكد أن يحقق هذا الترويج أهدافه في إحداث أثر دائم، لدى العامة المشغولين بصعوبات المعيشة اليومية.

وترى أطياف المعارضة أن التسويق الإعلامي للانتصار الدبلوماسي "تضليل سياسي يهدف إلى خدمة الأجندة الداخلية للسلطة"، في تلميح إلى خُطط الذهاب إلى عهدة رئاسية جديدة.

وهنا صرّح حساني رشيد، المتحدث الإعلامي باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية  لـ"الترا جزائر"، قائلًا: "نحن أمام مغالطة كبيرة؛ فالعضوية كانت مضمونة وفق قاعدة المُحاصصة ولم يكن هناك انتخاب فعلي."

وأضاف: "ستضع هذه العضوية النظام السياسي الجزائري أمام تناقضاته، زيادة عن عدم القدرة على إحداث الأثر ضمن نادي القوى العظمي، مثلها مثل بقية الأعضاء غير الدائمين".