على خلفية قضية أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث.. الحريات الأكاديمية تحت الاختِبار

تعرِف الساحة الجامعية والأكاديمية في الجزائر جدلاً جديدًا يُثير الانتباه في أعقاب قرار من جامعة الشلف (غرب) الذي يمنع أساتذة قسم التاريخ من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية دون الحصول على ترخيص مُسبق من إدارة الجامعة. 

المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي: القرار "سابقة خطيرة" ويُضرّ بسُمعة الجامعة الجزائرية

وأثار القرار الذي أصدره عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة الشلف (جامعة حسيبة بن بوعلي)، موجة من الانتقادات والقلق بشأن تأثيره على الحريات الأكاديمية في البلاد، لا سيما في سياق حساس يتعلّق بقضية أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث الذي أدلى بتصريحات صنعت الجدل حول قضايا تتعلق بالهوية الوطنية.

وفي بيان صدر عنه، أبدى المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي (CNES) استنكاره الشديد لهذا القرار الذي وصفه بـ"السابقة الخطيرة جدًا" على المستوى الوطني والدولي. 

وأشار البيان إلى أنّ مثل هذه الإجراءات قد تهزّ قيمة الجامعة الجزائرية في الساحة العالمية، وتجعلها محل سخرية وتنمر. كما طالب المجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتدخل العاجل لوقف هذه التصرفات التي تمس سمعة الجامعات الجزائرية وحريتها الأكاديمية.

وفيما يتعلّق بالموقف الأكاديمي، اعتبر المجلس أنّ الحريات الأكاديمية، بما في ذلك حرية التعبير، البحث، والرأي، تعد حقًا دستوريًا وإنسانيًا أساسيًا، وفقًا للمادة 75 من الدستور الجزائري. 

كما شدّد على أنّ ممارسة هذه الحريات يجب أن تتم دون رقابة أو تحفظ، بشرط عدم المساس بالنظام العام أو حقوق الآخرين. 

وأكد المجلس أن هذا القرار، الذي قيد حرية التعبير للأساتذة، لا يتماشى مع السياسة الأكاديمية السليمة، بل يضر بسمعة المؤسسة الأكاديمية الوطنية أولاً، ثم سمعة الجزائر بشكل عام.

 صورة المؤسّسة

أوضحت جامعة الشلف، في بيان رسمي لها، أنّ التصريحات التي تتطلّب إذنًا مسبقًا هي تلك التي تصدر باسم الجامعة أو إحدى كلياتها، وذلك بهدف الحفاظ على صورة المؤسسة وضمان انسجام الخطاب الأكاديمي مع توجهات الدولة. 

وأكدت الجامعة أنّها لم ولن تمنع أعضاء هيئة التدريس من الإدلاء بتصريحات أو المشاركة في وسائل الإعلام الوطنية أو الأجنبية، وذلك احترامًا لحرية التعبير التي يكفلها الدستور الجزائري.

جامعة الشلف: التصريحات التي تتطلّب إذنًا مسبقًا هي تلك التي تصدُر باسم الجامعة، وذلك لحماية سُمعتها 

يمكن أن تكون إفادة الجامعة التي تطلب الحصول على ترخيص مسبق قبل الإدلاء بتصريحات باسم الجامعة أو إحدى كلياتها؛ مثار جدل في بعض الأوساط الأكاديمية والإعلامية. 

من جهة، تُبرّر الجامعة ذلك بأنّها تسعى للحفاظ على صورة المؤسسة ومصداقيتها، وهذا يعد أمرًا مشروعًا من منظور إداري وواقعي، حسب الأستاذ كريم بورنان من جامعة الجزائر.

واعتبر  أنّ "المؤسسات التعليمية، مثل الجامعات، قد تشعر بضرورة ضبط الرسائل التي تُنقل باسمها لتجنب الإساءة إلى سمعتها أو نشر معلومات قد تكون مضللة".

وأضاف في إفادته لـ" الترا جزائر" قائلاً: " في المقابل فإنّه يمكِن أن يُنظر إلى هذا الإجراء على أنه يقيد حرية التعبير الأكاديمية". 

اللاّفت أنّ رئاسة الجامعة هي من نفت تعلمية العميد، وليست إدارة الكلية، وهو ما دفع بالبعض إلى الحديث عن الحريات، إذ كتبت الإعلامية عبير ملاك في حسابها على منصة التواصل الاجتماعي " فيسبوك" أنّ أي منع يعتبر ضرب من جديد للحريات وللديمقراطية في البلاد.

حق دستوري ومسؤولية فردية

من المعروف أنّ الحريات الأكاديمية جزء أساسي من البيئة الجامعية، التي تهدف إلى تحفيز البحث والنقاش والتعبير عن الآراء بحرية. 

يُثير الإشراف أو القيود على التصريحات العامة للأساتذة، تساؤلات حول مدى احترام الجامعة للحُقوق الدستورية لأعضاء هيئتها التدريسية، وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير، التي ينص عليها الدستور الجزائري.

وقالت الأستاذة سهام بوجليدة إنّ "المنع المقصود يتعلق بتصريحات الأساتذة باسم الجامعة فقط، أما إذا كان التصريح يعبّر عن رأي شخصي، فالمسؤولية تكون فردية أمام القضاء في حال حدوث أي طعن في الأمور التي قد تتعارض مع الدستور، مثل التحريض".

وواصلت في إفادتها لـ" الترا جزائر" مؤكدة:" إذا كان التصريح بأسلوب أكاديمي، حتى في حال تنظيم مؤتمر علمي، فهذا أمر طبيعي جداً، فإنّ المُبالغة في التهويل حول هذا الموضوع لا مُبرر لها."

المنع يتعلّق بتصريحات الأساتذة باسم الجامعة فقط، أما إذا كان التصريح يعبّر عن رأي شخصي، فالمسؤولية تكون فردية أمام القضاء

من النّاحية الإعلامية، هذا المطلب قد يُثير انتقادات، خاصة في سياق قضايا حساسة مثل قضايا أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث، حيث قد يُنظر إلى مثل هذه الإجراءات على أنّها محاولة للرقابة على المعلومات أو الحد من حرية الباحثين في التعبير عن آرائهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا وطنية أو تاريخية.

كما يمكن أن يكون هذا الإجراء  مُبررًا من منظور تنظيمي، وفقا لتصريحات العديد من الأساتذة الجامعيين لـ" الترا جزائر"، ولكن ينبغي أن يتمّ بعناية، بما يضمن توازنًا بين الحفاظ على سمعة المؤسسة واحترام الحريات الأكاديمية.

قيود إدارية 

استغرب الأستاذ طه زروقي في تدوينة له في حسابه الشّخصي " فيسبوك"، استنكار الكثيرين لمنع أساتذة التاريخ من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام دون إذن مسبق من الإدارة، حيث أنّ يرى هذا الإجراء ينسحِب أيضًا على أي مشاركة للأساتذة في ندوات أو مؤتمرات علمية دولية، حتّى وإن كانت محلية أو عبر الإنترنت، إذ يتطلب الأمر الحصول على ترخيص إداري مسبق.

وتمّ إيداع الدكتور محمد أمين بلغيث، الباحث الذي أثار الجدل بمواقفه وآرائه، السجن المؤقت بناءً على قرار من قاضي التحقيق بمحكمة الدار البيضاء بالعاصمة. 

وتم توجيه تُهم للأستاذ بلغيث تتعلق بـ"المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على خطاب الكراهية"، على خلفية تصريحاته المثيرة التي أدلى بها عبر قناة "سكاي نيوز عربية"، حيث زعم أنّ "الأمازيغية مشرُوع فرنسي صهيوني".