30-مارس-2022

بعض أعمال الفنان عماد بن سبع (فيسبوك/الترا جزائر)

حين وُلد عماد بن سبع في ولاية باتنة، 400 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، عام 2000، كانت الجزائر قد شرعت في الخروج من مشاهد العنف والإرهاب التّي أرّقتها على مدار ثمانية أعوام كاملة، راح ضحيّتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين؛ بما راكم في الوجدان والمخيال الشّعبيّين طبقاتٍ من الخوف تعدّت حتّى إلى الأطفال!

 ظلّ عماد يشعر بأنّ هناك بقايا قلقٍ وخوفٍ وحيرةٍ داخله،ولا بدّ لها من ممارسة فنّيّة أخرى لتخرج فاستقرّ على فنّ الماكياج السّينيمائيّ

يقول عماد بن سبع إنّه ولد في ظلّ تلك الترسّبات؛ "فرغم أنّني جئت بعد العنف المباشر، إذ كانت المصالحة قد بدأت تتكرّس خطابًا وسلوكًا، إلّا أنّي فتحت عينيَّ على حكاياته التّي كانت تصلني من محيطي العائليّ والشّعبيّ، بل إنّه كان لي أصدقاء وزملاء في الشّارع والمدرسة فقدوا واحدًا أو أكثر من أهاليهم، فكنت أعاين ثمار ذلك العنف السّابق يوميًّا وأعانيه بطرق غير مباشرة".

اقرأ/ي أيضًا: انطلاق أيام المونودراما الأفريقية في طبعتها السادسة

ولولا أنّ أبي لطفي بن سبع؛ يقول محدّث "الترا جزائر"، كان يُمارس المسرح تمثيلًا وإخراجًا وكتابةً وتكوينًا، لتمكّنت المشاعر السّلبيّة التّي كانت تخلقها فيَّ الأحاديث عن العشريّة السّوداء من تحطيم نفسيّتي، إذ كان يصحبني إلى فضاءاته المسرحيّة، فأتنفّس فيها داخل تعدّد أصواتها، ذلك أنّ المسرح عمل جماعيّ وعائليّ، ويمنح المشتغلين فيه فرصًا للتّعبير والبوح والتّطهّر، إذ مثّلتُ في سنّ الحادية عشر في عرض للأطفال أنتجه مسرح باتنة، إلى جانب مسلسل "شجرة الصّبّار" للمخرج السّوريّ هيثم الزّرزوري".

غير أنّ عماد ظلّ يشعر بأنّ هناك بقايا قلقٍ وخوفٍ وحيرةٍ داخله، ولا بدّ لها من ممارسة فنّيّة أخرى لتخرج، فاستقرّ على فنّ الماكياج السّينيمائيّ، "فقد وجدت أنّ التّخلّص من بقايا الخوف من العنف في وجداني بصفتي طفلًا جزائريًّا ولد داخله لن يكون إلّا بممارسة فنٍّ يقوم على تمظهر العنف نفسِه، من منظور فنّيّ وجماليّ".

يقول: "كنت مبهورًا منذ صغري بالمكياج السّينمائيّ لِما كنت أشاهده من أفلام مغامراتٍ وخيال علميٍّ، فكنت دائمًا أطرح على نفسي أسئلةً عن كيفية إنجاز الشّخصيات الغريبة والمخيفة وكيفية تصوير الحوادث التّي تؤدّي إلى جروح ورضوض، رغم علمي أنّها من الخدع السّينمائيّة التّي تستعمل المكياج، فوُلد لديّ فضول لتعلّم تقنياته".

بدأت مغامرة عماد بن سبع مع "الفنّ البشع الجميل" عام 2018؛ من خلال ورشة تكوينيّة نظّمتها جمعيّة "وسام للثّقافة والفنون" تخصّ المكياج السّينمائيّ والمؤثّرات الخاصّة، فأخذ عن  المؤطّرة حكيمة جلايلي ما كان محتاجًا إليه شغفُه ومعارفه الأوّليّة من تقنيات وأصول؛ ظلّ مواظبًا على تعزيزها بالدّراسة والتّكوين؛ "رغم التّكاليف الباهظة؛ بالنّظر إلى ندرة المكوّنين في هذا الحقل الذّي لم ينتشر كثيرًا بالنّظر إلى افتقار الجزائر إلى صناعة سينيمائيّة حقيقيّة ودائمة".

 لم تُتح لعماد بن سبع إلا فرص الاشتغال في الأفلام القصيرة التّي باتت خيارًا شبابيًّا رائجًا فرضه الفقر في الإنتاج السّينيمائيّ

في ظلّ هذا الواقع، لم تُتح لعماد بن سبع إلا فرص الاشتغال في الأفلام القصيرة التّي باتت خيارًا شبابيًّا رائجًا فرضه الفقر في الإنتاج السّينيمائيّ الذّي فشل وزراء الثّقافة المتعاقبون في وضع حدٍّ له؛ بعد ستّة عقود من الاستقلال الوطنيّ، "فلا نحن أرسينا قواعد صناعة سينيمائيّة وطنيّة وفق المعايير الدّوليّة، مثلما هو حاصل في مصر، ولا نحن أنجزنا مدنًا سينيمائيّة تستقطب شركات الإنتاج الأجنبيّة، مثلما هو حاصل في المغرب، رغم ثراء وإغراءات المكان الجزائريّ".

ويرى محدّث "الترا جزائر" أنّ فنّان الماكياج السّينيمائيّ لا يكتفي بتوفير شروط الخدعة السّينيمائيّة فقط، بل عليه أيضًا أن يتشرّب فلسفة السّيناريو، حتّى تكون منسجمةً مع طبيعة الشّخصيّة والمشهد لتكون خادمةً لهما؛ فتحقّق الحدّ الأقصى من الإيهام والتّأثير؛ "فالسينما هي فنّ الإيهام بامتياز".   

ويشكو عماد بن سبع؛ بالإضافة إلى ندرة فرص التّكوين والإنتاج، من ندرة الموادّ الأوّليّة التّي يتطلّبها فنّه؛ "فأنا أقتنيها من الخارج بالعملة الصّعبة لتبقى على مستوى ممارسة الشّغف الشّخصيّ إذ لا وجود لفرص عمل حقيقيّة تعود عليّ بالفائدة ماليًّا وفنّيًّا".

يشكو عماد بن سبع؛ بالإضافة إلى ندرة فرص التّكوين والإنتاج، من ندرة الموادّ الأوّليّة التّي يتطلّبها فنّه

من هنا؛ لا يخفي محدّثنا استعداده للهجرة إلى مشهد سينيمائيّ وتلفزيونيّ في الخارج يقوم على غزارة الفرص واحترام الكفاءة؛ "فالفنّ الذّي لا نمارسه باستمرار يصبح عبئًا علينا. وعلى المنظومة الثّقافيّة في الجزائر أن تنتبه إلى هذا المعطى، فكلّ الفنون أصبحت عبئًا على أصحابها؛ بما يجعل دواعي النّفور أقوى من دواعي الحماس والانخراط".

 

اقرأ/ي أيضًا

السينما الجزائرية.. أفلامٌ في العراء

حوار| الناقد محمد عبيدو: السينما الفلسطينية انتماء نضالي وإنساني أولًا