13-يناير-2025
أنا وجدي

السلسلة الكرتونية أنا وجدي

بشخصيات مستوحاة من البيئة المحلية الجزائرية، وبحوار ثنائي بين جيلين أبدع في صناعة عمل فني كرتوني مميز لاقى إقبالا واسعا من قبل الجمهور، ينقل من خلاله هموم الناس ومشاكلهم، بدأ إنتاجه في المنزل وذاع صيته عبر منصات التواصل الاجتماعي، فلم يكن بالنسبة إليه مغامرة بل شغفا وتحدّيا.

عماد جغام لـ"الترا جزائر":  كنت أعمل في عطلة الصيف في مجال الطلاء وجمعت مبلغا ماليا اشتريت به أوّل حاسوب، كان ذلك أول نافذة لي على عالم البرمجيات والمونتاج

عن "أنا وجدّي" يتحدث عماد جغام في حوار مع "التراجزائر" كيف أخرج السلسلة من غرفته بالمنزل إلى الفضاء الافتراضي ويعود إلى محطات رافقت شغفه بصناعة الأعمال الكرتونية وما يتخللها من عوائق وأحلام.

سلسلة "أنا وجدّي" التي تقدمها عبر منصات التواصل لقيت شهرة واسعة وسط الجزائريين، لكن الكثير من الناس يجهلون عماد جغام الذي يقف وراءها؟

عماد جغام شاب من مدينة بوسعادة بالجزائر من مواليد 1983 محب للسينما منذ الصغر، كنت مولعا بمشاهدة التلفاز وبرامج الجيل الذهبي، ترعرعت في حيّ شعبي وعائلة متواضعة، كنت شغوفا بقراءة وتأليف القصص و"تقمص الشخصيات"، ثم جاءت أوّل فرصة حقيقية لإبراز مواهبي، حيث أخذني أخي سامي إلى دار الشباب "مفدي زكرياء" بالحيّ، بداية التسعينات، حيث انخرطت في الرسم والإعلام الآلي والمسرح والسينما النظرية، وتحت تشجيع المشرفين على رأسهم الرسام شميسة ومسرح الطفولة تحت إشراف نور الدين برابح.. اعتبرتها أجمل سنوات الطفولة، إضافة إلى شغف الفلاحة مع الوالد رحمه الله.

أنا وجدي

وفي المدرسة الإكمالية "سيدي ثامر" اشتهرت بالفن التشكيلي والكاريكاتير، وفي مرحلة الثانوي، (ثانوية أبي مزراق المقراني)، صار شغفي يتعدى حدود الثانوية، شاركت في مسابقات محلية بين الثانويات، كنت أرسم جداريات للخواص ساعدتني ماديا، وإلى جانب الدراسة كنت أعمل في عطلة الصيف في مجال الطلاء وجمعت مبلغا ماليا اشتريت به أوّل حاسوب، كان ذلك أول نافذة لي على عالم البرمجيات والإمكانيات.

مع اكتشافك عوالم الحاسوب.. كيف طوّعته لخدمة فنّك؟

دخلت عالم المونتاج والصوت وبقيت أمارسهما لسنوات، حيث سافر واشتري الأقراص المدمجة وأتعرف عمن لديهم هذا الشغف مثلي، وأنتجت الكثير من المقاطع المدبلجة المضحكة مثل:"إنه مرقاز (نقانق)، وكرتون "نينجا فوق الجسر".. إلخ، وقمت بتصوير وتركيب فيلم هوّاة بعنوان "الحراقة"، إلى أن اتصلت بي شركة "عمار فيلم للإنتاج السمعي البصري" ببوسعادة، وعملت فيها منذ سنة 2005 إلى غاية 2016، وأنتجنا عدة أعمال وأشرطة تلفزيونية وكليبات محلية وأعددنا تغطيات لنشاطات لمديرية الثقافة بالمسيلة، وفي 2016 تحوّلت للعمل الحرّ، حيث تعاونت مع عدّة  جهات إنتاج وشركات بالعاصمة الجزائر، وهناك كان لي احتكاك بالممثلين المعروفين والمخرجين والمنتجين، الصحفيين والرياضيين، والتقنيين الذين كنت اقرأ أسماءهم في الأعمال التلفزيونية .

"أنا وجدّي" لقيت نجاحا كبيرا.. حدثنا عن تفاصيل هذا المشروع كيف بدأ ومتى بدأ؟

أوّل حلقة رأت النور من كرتون "أنا وجدّي" يوم 25 ماي 2019 بعدما اقتنعت بصفة كبيرة أنه حان وقت طرح المحتوى للجمهور، في ظل تسارع موجة رواج المحتويات وصنّاعها حيث كان المجال خصبا والفرصة مواتية لفعل شيء ما، لم يكن ذلك بالسهل، كان أساس فكرة سلسلة "أنا وجدّي" الاهتمام بتفاصيل الإنسان البسيط، وهمومه اليومية ونمط حياته، ومشاركة هذه التفاصيل والأحداث مع الجمهور، في قالب كرتوني فكاهي.

حيث اغتنمت حس الدعابة لديّ وموهبتي في تقليد الأصوات، وخيال التأليف مع تقنيات الأنفوغرافيا من رسم وتحريك وتركيب، وقمت داخل منزلي بإنتاج أول حلقة ذاتية دون الحاجة لفريق عمل.

ما حكاية "أنا وجدّي"؟

هما شخصيتان: الجد وحفيده يقومان برحلة يومية بالسيارة، وخلالها يتبادلان أطراف الحديث أو على الأرجح يتجادلان حول موضوع ما كل واحد منهما له وجهة نظره، وفي الأخير يستفيد الطفل من خبرة جده ويعمل بنصيحته، ومن جهة أخرى يستفيد الجدّ من "التحديثات العصرية" التي يشرحها له الطفل وما يجري بعيدا عن حياة الشيخوخة.

لماذا غاب التنويع في شخصيات سلسلتك والاقتصار فقط على  شخصين فقط؟ وما رمزية ذلك؟

بالفعل يغلب على حلقات السلسلة التركيز على مشهد واحد داخل السيارة بين "الجد والحفيد"، وهما يتبادلان الحديث، كما ذكرت بسبب المحتوى العام للكرتون، واختلاف العقليات بينهما، ونظرة كل شخصية للموضوع المطروح، بينما  فرضت بعض المشاهد عليّ  إقحام "الجدة" زخروفة  أو الابن مبروك وأخته نذيرة، صديقه الجار مقران وسعيد، وأحيانا بعض الشخصيات الصوتية العابرة التي تتعلق بموضوع آخر.

 كيف كانت ردّة فعل أوّل من شاهد العمل؟ ومن هم؟

بعد إنتاج الحلقة، عرضتها على أصدقاء الطفولة إسماعيل وزيان، دون أن يعرفا أنني من أنجزها، فكانت ضحكاتهما تعلو وترتفع..، وكانا يعيدان مشاهدة الحلقة، ثم عرضتها على صديق أخر اسمه أيوب، ذوقه صعب، فحصل نفس التفاعل الضحك والمتعة، حينئذ أحسست بنشوة النجاح البسيط وقلت أنّ الوقت مناسب لعرضها لجمهور الكبير، فطرحتها وقمت بإغلاق الحاسوب وانتابني الخوف، من ردة فعل سلبية.. لكن وبتوفيق من الله لاقت الحلقة الأولى بعنوان "كرشي توجع فيا" إقبالا واسعا، عدد مشاهدات بلغ 750 ألف مشاهدة خلال 3 أيام فقط، رغم أن قناتي على "اليوتيوب" بها عدد مشتركين قليل جدا.

شعرت بالخوف، وعرضت السلسلة على المّقرّبين في الوهلة الأولى، هل فكّرت في البدايات أنّ تقديمك هذا العمل بطريقة كرتونية قد يكون مغامرة؟

ربما العكس، مغامرة تقديم سلسلة كرتونية بدل التمثيل بشخصيات حقيقية، لم أره مغامرة، ما رأيته مغامرة، هو تمثيل السلسلة بأشخاص حقيقيين، ما قد يؤثر على الفكرة بأكملها لعدة أسباب منها أنّ الحلقة هي عبارة عن مشهد واحد وحوار متسلسل دون تقطيع أو اجتزاء أو أخطاء، عدم توفر ممثلين محترفين يتقيدون بالنص دون انقطاع والذي تكون مدته 4 أو 5 دقائق.

أنا وجدي

وبالتالي من الصعب أن يكون الممثل رجلا مسّنا مع طفل صغير يقومان بهذه المهمة ويحافظان على زخم الفكاهة، إضافة إلى عدم وجود فريق عمل متكامل وانعدام عتاد التصوير، وصعوبة التنفيذ التقني بالنسبة للتصوير عبر الطريق من خارج السيارة، وظروفها غير المتوقعة كالمناخ وحركة المرور.. إلخ، لذلك كان الأفضل استخدام شخصيات كرتونية يمكن التحكّم فيها بما يناسب كل موضوع، مع تفاصيل حركات الجسم وتفاعل العيون بحسب المواقف، مع العلم بأن الكرتون محبوب لدى جميع الأعمار تقريبا وتنشرح له النفوس ويسهل عملية التواصل.

بعد النجاح والتفاعل الذي حققته "أنا وجدّي" على اليوتيوب، هل اقترحت مشروعك على القنوات التلفزيونية لعرضه على الشاشة؟

بالفعل، تم ذلك، وتم بث سلسلة كرتون "أنا وجدّي" على القناة الثالثة الوطنية في رمضان سنة 2020 ومكونة من 24 حلقة، وما جعل الأمر أجمل فقد اختارت اللجنة توقيت الإفطار لعرض السلسلة، كان البرنامج عبارة عن هبة مني للمؤسسة العمومية التلفزيونية ، وفي فترة الضروف الاستثنائية لجائحة كورونا، وكانت الحلقات الـ3 الأولى تتناول هذا الموضوع وكيفية التعامل والوقاية منه في قالب هزلي، ممّا جعل الأجواء لطيفة وتتضمن إفادة أيضا بالنسبة للكثير من المشاهدين على مائدة الافطار، وهذا ما لمسته من التعليقات على مواقع التواصل، وأشير فقط إلى أنّ المنتج المعروف صابر عيادي هو من كان همزة وصل بيني وبين التلفزيون الجزائري، وهو الذي جهّز لي طاقم العمل، حيث قمت بمعيه بإنتاج كل الحلقات في ظرف قياسي، فشكر له ولكل من ساعدني.

ما سرّ نجاح هذه السلسلة التي بدأت بحلقة أنتجت في المنزل؟

عدم اختيار شخصية شاب في السلسلة هو واحد من بين أسرار كرتون "أنا وجدّي"، حيث اخترت الجدّ والحفيد كنوع من التناقض بين الأعمار، والتضارب في الأفكار، مما يجعل المشاهد وخاصة شريحة الشباب الواسعة يعوضون ذلك الفراغ بمشاهداتهم وحضورهم، وتعليقاتهم، أي تحقيق التفاعل وسد الفراغ، فالشاب له رأي في المواضيع المطروحة وأكثر نشاطا في الحياة خلافا لجدّه، إضافة إلى البساطة في الجانب التقني من خلال عدم استعمال جينيريك أو موسيقى، والدخول مباشرة في الموضوع ممّا يكسر الرتابة والانتظار، اللهجة المحلية المنتشرة وسط الجزائر والتي تكاد تكون مفهومة في باقي ولايات الوطن، وهي اللهجة التي وظفها الفنان المعروف عثمان عريوات في أفلامه وممثلون آخرون، فضلا عن رسومات أشكال الشخصيات المضحكة، حيث منحتها ملامح تشبه قليلا السكان المحليين، واللباس التقليدي الأصيل للجد من الشاش (العمامة) إلى القندورة البوسعادية وسروالها، إلى "الصندالة" المحلية الجلدية التي تظهر في بعض الحلقات الخاصة، أمّا الحفيد يرى فيه الأطفال والشباب ما يريدون من "قميص رياضي" لفريق أمل بوسعادة الكروي، وتسريحة شعر غريبة بعض الشيء، عادة ما تشكل جدلا بينه وبين جده.

نجاح لافت، وبالمقابل غياب شبه تام عن صفحات ومواقع الإعلام.. لماذا؟

في بدايات انتشار السلسلة، أجريت مقابلات صحفية مع مواقع إلكترونية وصفحات اجتماعية وإذاعات محلية، لكن على صعيد القنوات التلفزيونية ترددت كثيرا، لا أحب الأضواء والكاميرا، وأعتبر نفسي رجل خفاء، أعمل في المونتاج والأنفوغرافيا منذ 2005، إلى أن استضافني التلفزيون الجزائري (القناة الثالثة) عبر "السكايب" للحديث عن السلسلة وكنت محظوظا برنامج الصحفي محمد شوماني، وحضور الفنانين العمري كعوان وزوبير بلحور ووالمخرجيحيى مزاحم والفنان الراحل ياسين زايدي، فكان واجبا علي الحديث على عملي الفني مثل البقية، أكملت اللقاء بصعوبة، خوفا من أي خطأ، ومنذ ذلك الحين انتظرت العروض من جهة راعية أو قناة تلفزيونية حتى أستطيع توسيع السلسلة وتطويرها والاعتماد على شباب مختصين في مجال الكرتون، لكن للأسف، لم تمض الأمور كما توقعت من جانب الاستثمار، بما في ذلك الجانب الإعلامي.

على ضوء تخصصك في الأعمال الكرتونية كيف ترى واقع هذه صناعة هذا اللون الفني في الجزائر؟

واقع صناعة الأعمال الكرتونية في بلادنا، لم يصل مرحلة ما يسمى بالصناعة بعد، ولم يؤخذ بجدّية من عدّة نواحي، لكونه يستهلك الوقت والمال والجهد والموارد البشرية، ومقابل ذلك أرباحه عالية جدّا بالنظر لقيمته التعليمية والترفيهية، ما يزال مجالا خصبا ولم يستغل كصناعة إنتاجية، وعلى سبيل المثال بالنسبة لي العائق الأساسي في إنتاج سلسلة "أنا وجدّي" هو تكوين فريق عمل متكامل وتوفير إمكانيات الإنتاج، وبالتالي رغم رواج السلسلة وتخطّيها حدود الجزائر، هناك من يتساءل لماذا لا يراها على القنوات؟ وأعتقد أنّ المشكلة الرئيسية هي عدم تبنّي الرعاة (الممولون) للشباب الذين أثبتوا جدارتهم في صناعة محتويات في مجال الكرتون وتقديم صناعة حقيقية ومستمرة، لكنهم ينتظرون من يستثمر في مواهبهم.   

ما مشاريعك القادمة، بغض النظر عن تطوير سلسلة "أنا وجدّي"؟

بالطبع هناك عدة مشاريع مكتوبة وأفكار أخرى في طور التشكل، مثل سلسلة "حميد وخلاص" وهي شخصية كرتونية صامتة يدعي دائما انه بدون حظ ولكن تصرفاته هي التي تقوده للمأزق، سلسلة أخرى بعنوان (مطرح خويا) تجري بين أخوين واحد منهما يعمل بجد و ينفق على أخيه الكسول المتحذلق، تتضمن مغامرات كوميدية ودرامية.