في عام 2024، برز التزام الجزائر بالدفاع عن القضايا العادلة وبرز اسم المندوب الدائم ورئيس البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، في المشهد الدولي، فمن هو هذا الرجل الدبلوماسي، الذي رفع صوت الجزائر خلال 2024 ودافع عن قضايا الشعوب المضطهدة في مجلس الأمن؟
بعد سنوات من الغياب كانت عودة عمار بن جامع إلى الدبلوماسية فُرصة لإعادة إحياء الدور الفاعل للجزائر في الساحة الدولية
برز اسم الدبلوماسي عمار بن جامع بشكل ملحوظ في مجلس الأمن الدولي عندما رافع باسم الجزائر لأجل القضية الفلسطينية ولبنان وسوريا والمسائل الإفريقية العادلة، وقدّم مداخلات قوية لترسيخ العديد من اللحظات التاريخية المهمة
- ولاية رابعة.. بـ 184 صوتاً
ارتبطت عودة بن جامع إلى العمل الدبلوماسي بتعيين وزير الخارجية أحمد عطاف في 2023، ليعيد هذا التعيين الدبلوماسي المخضرم إلى الساحة الدولية بعد غياب دام سنوات، عقب إقالته من منصب سفير الجزائر في باريس عام 2016.
بتاريخ الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير 2024، عادت الدبلوماسية الجزائرية من بعيد، في خطى ثابتة، إذ باشرت ولايتها الرابعة في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، كعضو غير دائم وذلك للفترة من 2024 إلى 2025.
وبذلك وضعت الراية الوطنية أمام مدخل قاعة مجلس الأمن، بعد أن نالت الجزائر صوت 184 بلداً من أصل 193 (95 في المائة من الأصوات) بـ "نعم" لانتخابها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن إلى جانب سيراليون وكوريا الجنوبية وغويانا وسلوفينيا.
وفي هذه المناسبة؛ أكد السفير بن جامع في كلمته على التزام الدبلوماسية الجزائرية القوي، وذلك بتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مشيرًا إلى أنّ الجزائر ستواصل العمل من أجل تعزيز قيم السلام وفضائل الحوار لتجاوز الخلافات وتعزيز التعاون الدولي.
- نصرة القضايا العادلة
من خلال عقيدتها الدبلوماسية على مرّ عقود من الزمن؛ رافع السفير بن جامع عن أحد التزامات القيادة العليا للبلاد، مؤكدا أنّ الجزائر ستظل طوال فترة ولايتها في المجلس، صوت الدول والشّعوب المضطهدة التي تعاني من الاستعمار، وتسعى لدعم حقوق هذه الشعوب في تقرير مصيرها.
وأضاف أنّ الجزائر ستُواصل تعزيز التعددية من خلال الدفاع عن مبادئ القانون الدولي، خصوصًا مبدأ الحل السلمي للنزاعات وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
وفي سياق حديثه؛ تأسّف بن جامع للتصاعد الكبير في تهديدات السلم والأمن الدوليين، مشيرًا إلى جرائم الحرب الفظيعة التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني الأعزل منذ عدة أشهر.
وأكد أنّ القضية الفلسطينية ستكون على رأس أولويات الجزائر في مجلس الأمن، وأن الجزائر ستعمل على إنهاء الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، داعية إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار والانتقال إلى مسار تسوية سلمية. كما شدد على أنه "قد حان الوقت لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
وتعتبر ولاية الجزائر الرابعة في مجلس الأمن الدولي، -حسب بيان الخارجية- "فرصة جديدة للمساهمة في تعزيز السياسة الخارجية الجزائرية والمضي قدمًا في تحقيق أهدافها في القضايا المدرجة على جدول أعمال المجلس".
- فلسطين.. رمز الدبلوماسية الجزائرية
من أهم تلك اللحظات العرض الذي قدمه عندما اشتدّ الحصار على الفلسطينيين واستمرار الحرب على غزة، مٌشدداً على أنّه طالما تمتع الاحتلال الإسرائيلي بـ"إفلات من العقاب بالمجلس فإنّ العمل العسكري الذي تنفذه القوات الإسرائيلية المحتلة لن تقتصر حدوده على القطاع والضفة الغربية".
ورفع الدبلوماسي الجزائري صوته في مجلس الأمن، عندما أكد أن "التصويت لصالح مشروع قرار ودعوات لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، يمثل دعماً لحق الفلسطينيين في الحياة، بينما التصويت ضده يعدّ تأييدًا للعنف الوحشي والعقاب الجماعي المفروض على الفلسطينيين".
بن جامع عن فلسطين والتطورات في غزة: "الصمت ليس خياراً"
وأضاف قائلاً: "الصمت ليس خياراً"، محملاً أعضاء مجلس الأمن مسؤولية اتخاذ الموقف الذي يدعم السلم والأمن الدوليين.
وفي اجتماع لمجلس الأمن دعت إليه الجزائر حول التهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم طالبت على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك، السفير بن جامع، المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن، أن يتكلم بصوت واحد وقوي، لرفض تهجير الفلسطينيين.
- مسيرة .. انعطافات و 4 رؤساء
بدأت مسيرة عمار بن جامع الدبلوماسية بعد تولي الرئيس السابق الشاذلي بن جديد رئاسة الجزائر (1979-1992)، حيث عين سكرتيرًا أول في السفارة الجزائرية في روسيا بين عامي 1980 و1984.
أتاح هذا المنصب الفرصة لخريج المدرسة الوطنية للإدارة، لتولي منصب مدير قسم الدول الشرقية في وزارة الخارجية الجزائرية، وهو القسم الحيوي بالنسبة لبلد كانت له علاقات وثيقة مع دول المعسكر الشرقي.
بعد ذلك، تمّ تعيينه نائبًا للمندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة بين عامي 1989 و1991، ثم سفيرًا في إثيوبيا، حيث مقر الاتحاد الأفريقي، قبل أن يتم نقله إلى لندن كسفير للجزائر حتى عام 1996.
لكن أكثر الفترات حساسية في مسيرة بن جامع كانت عقب تعيينه أمينًا عامًا لوزارة الخارجية في منتصف التسعينيات، حينما تولى أحمد عطاف وزارة الخارجية للمرة الأولى في عهد الرئيس ليامين زروال(1994-1999).
أكثر الفترات حساسية في مسيرة بن جامع كانت عقب تعيينه أمينًا عامًا لوزارة الخارجية في منتصف التسعينيات
تلك الفترة تميّزت بتحديات صعبة، مثل الأزمة الأمنية العنيفة في الجزائر ومساعي تدويل الأزمة التي انتهت بقدوم لجنة تحقيق دولية في عام 1998.
خلال توليه منصب أمين عام وزارة الخارجية، كان بن جامع له دور بارز في إدارة العلاقات المتوترة مع المغرب وقرار الجزائر إغلاق الحدود.
ومع وصول الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة (1999-2019)، تمّ إيفاد بن جامع سفيرًا للجزائر في طوكيو بين عامي 2001 و2005، بعدها شغل منصب مستشار مكلف بملف الشّراكة مع الاتحاد الأوروبي والتعاون المتوسطي.
بعد فترة من الزمن، عُين عمار بن جامع سفيرًا للجزائر في بروكسل ومندوبًا لدى الاتحاد الأوروبي بين 2010 و2013، قبل أن ينتقل إلى باريس. وبقي بن جامع في منصبه ثلاث سنوات ليتم تنحيته من قبل بوتفليقة في الـ 5 كانون الأول/ ديسمبر 2016.
- من مدرسة الإدارة للخارجية
ينحدر عمار بن جامع من مدينة سكيكدة شرقي الجزائر، وتخرج عام 1975 من قسم الدبلوماسية بالمدرسة الوطنية للإدارة بالعاصمة، ضمن دفعة ضمت عددًا من الشخصيات البارزة؛ منها وزير الخارجية الأسبق رمطان لعمامرة، والدبلوماسي عبد العزيز رحابي.
في تلك الفترة، كانت الجزائر تقود حركة دول عدم الانحياز، مدافعة عن نظام دولي عادل وداعمة لحركات التحرر في مختلف أنحاء العالم.
تُجسِّد عودة عمار بن جامع إلى الساحة الدبلوماسية، بعد سنوات من الغياب، عقب إعفائه من منصبه كسفير بباريس في العام 2016، فُرصة لإعادة إحياء الدور الفاعل للجزائر في الساحة الدولية.
تُجسِّد عودة عمار بن جامع إلى الساحة الدبلوماسية، عقب إعفائه من منصبه كسفير بباريس في 2016، فُرصة لإعادة إحياء الدور الفاعل للجزائر في الساحة الدولية
وتزامن ذلك مع تولي وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الأفريقية، أحمد عطاف، في شهر آذار/ مارس 2023، حقيبة مبنى هضبة العناصر بالعاصمة، ويبدو أنّ هناك عزم على تعزيز التعاون الدبلوماسي بين الجيل الجديد من القادة وكوادر وزارة الخارجية المتمرِّسة.
لعودة بن جامع مبرّراتها؛ إذ كان جزءًا من مرحلة تاريخية هامة في الدبلوماسية الجزائرية، تعكس التزام الجزائر بتوسيع علاقاتها وتعزيز حضورها في قضايا العالم الكبرى، بما يتماشى مع التوجهات الحديثة في السياسة الخارجية.
بعد نحو ثماني سنوات من ذلك الغياب، تمّ تعيينه في أبريل 2023 رئيسًا للبعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة، خلفًا لنذير العرباوي الذي تم تعيينه وزيرًا أولاً، ليكون صوت الجزائر المسموع بمجلس الأمن.