16-أغسطس-2022
عمر بن محمود يتوسط فريق طلائع الجزائر 1927 (فيسبوك/الترا جزائر)

عمر بن محمود يتوسط فريق طلائع الجزائر - 1927 (فيسبوك/الترا جزائر)

شهدت سنوات الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي ميلاد عديد من أندية رياضية جزائرية ولدت من رحم الحركة الوطنية، وكان وراء تأسيسها نخبة مثقفة ومناضلين من الوطنيين، لم يكن الهدف الممارسة الرياضية والترفيهية، بل الغاية من وراء ذلك تقوية الشعور والانتماء الوطني وترقية الحس الوطني، وجاء ميلاد نادي المولودية الجزائر سنة 1921، ليفتح الأبواب أمام مختلف النخب الوطنية والسياسية من كافة أقطار الوطن والانخراط في تأسيس أندية كروية وفروع رياضية ذات مرجعية وطنية، حتى وإن كانت تحت الوصاية الاستعمارية، غير أنها كانت جزائرية الأصل.

فرحات عباس كان من بين مؤسسي الاتحاد الرياضي الفرنسي-المسلم السطايفي في سنة 1942

 في السياق، نُشير على سبيل الذكر لا الحصر، إلى النادي الرياضي القسنطيني الذي تأسس في 26 حزيران/جوان 1926 بعد دمج فريقين محليين، وأعد النظام الداخلي للفريق كل من دكتور موسى والدكتور بن جلول، اللذان يعتبران من أبرز النخب الاندماجية أنذاك، وفي 1 آذار/مارس 1926 تأسس الاتحاد الرياضي لمدينة وهران USMO ،وفي 1932 شهدًا ميلاد الاتحاد الرياضي لمسلمي البليدة USMB.

وكان فرحات عباس من مؤسسي الاتحاد الرياضي الفرنسي-المسلم السطايفي في سنة 1942، وكان بوزيد ولد عبد الرحمان وراء تأسيس الاتحاد الرياضي لمسلمي الحراش (Maison Carrée)، ورفقة محمد شرشالي وبن عيسى مجبري ومساعدة عبد الرحمن عوف تم تشكيل أول فريق في مسابقة ركوب الدراجات(Le vélo sport musulman d’Alger)، وكان العربي بن مهيدي لاعبًا في فريق الشبيبة الرياضية لبسكرة لذي نشأ سنة 1940.

 فريق طلائع الجزائر

وخلال الفترة نفسها تزايد عدد الأندية الكروية والفروع الرياضية كان وراء أنشأها نشطاء سيكون له دور في نهاية الثورة التحريرية، على غرار عبد الرحمان فارس (رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة للدولة الجزائرية 1962) والذي كان عضوًا ولاعبًا في النادي الكروي أقبو قبل انتقاله إلى المولودية، أما المحامي والحقوقي قدور ساطور أحد كوادر حزب فرحات عباس، وكان منسق أعمال المحامين لصالح مساجين الثورة، اشتغل نائب رئيس نادي المولودية سنة 1925، وأسس محمود بن صيام رفقة عائلة بن صيام فريق النجم الرياضي لحسين ونادٍ للملاكمة 1943-1944

الأب الروحي للرياضة الجزائرية

في سياق الموضوع، هذا الانخراط والنشاط في تأسيس فرق ونوادي رياضية في إطار المجهود الوطني، يعود الفضل إليها والسبق إلى شخصية عمر بن محمود، الذي يُعتبر عميد الرياضة الجزائرية، والأب الروحي للنوادي والفرق الرياضية، فمن يكون هو عمر بن محمود؟

عمر بن محمود من مواليد 27 تموز/جويلية 1869 بالجزائر العاصمة ينحدر من عائلة تركية، تلقى التعليم والتكوين الحسن، سنة 1881 وفي الثانية عشر عمر كان ضمن فوج نادي الجمباز في الجزائر العاصمة، وفي سنة 1885 تَحصل على شهادة وتكوين في الألعاب الصالة الرياضية بفرنسا، ووقع عقدًا مع نادي "باتريوت الجزائر" للجمباز إلى غاية 1895، بعد نجاحه في شهادة الكفاءة لتدريس الألعاب بالصالة الرياضية، تم تعينه أستاذًا في هذا التخصص بجامعة الجزائر سن 1892 وهو في الحادي والعشرين من العمر.

ميلاد طلائع الجزائر

وفي12 تموز/حزيران 1894 تحصل على اعتماد وأسس النادي الأول للجمباز الجزائري، يحمل اسم "طلائع الجزائر" l’avant-garde d’Alger"، كان مقر النادي في شارع سالوست خلف مسجد كتشاوة، وكان أول نادٍ رياضي جزائري تَخصص في رياضة الجمباز وعزز مختلف التخصصات الرياضية وترقيتها وسط الجزائريين المسلمين، وقد تميز عمر بن محمود بالتكوين الأكاديمي والعلمي، وفي 1909 تحصل على ميدالية الإنقاذ بعد إنقاذه سبعة عشر شخصًا من النيران، علاوة على عديد من التكريمات.

شارك النادي "طلائع الجزائر" في منافسات محلية ودولية، واستطاع الفريق من تسجيل مشاركات مٌشرفة أمام النوادي الأوروبية بكل من بلجيكا، فرنسا، لكسمبورغ وغيرها، رغم ضعف الإمكانيات بسبب الظروف الاستعمارية.

وبفضل مبادرة عمر بن محمود، تمكن جزائريون من توسيع وبناء فرق في رياضة الجمباز على غرار أولمبيك تيزي وزو سنة 1900، وأولمبيك سانت توجان (بولوغين حاليا) سنة 1903، وفريق بتريوت كيوفيل (عين البنيان حاليًا) سنة 1904.

الرياضة مدرسة سياسية وفنية  

شكلت مختلف نوادي الجمباز وعلى رأسها "طلائع الجزائر"، مدرسة وبيئة ساهمت بقسط أوفر في الحفاظ على الشخصية والهوية الوطنية، وأثمرت الفرق الرياضية بمختلف فروعها شخصيات وطنية وفنية ونضالية، فضلًا على تحول الكثير منهم إلى ثوار وشهداء معركة تحرير الوطن، أمثال محي الدين بشطارزي، بوناطيرو، باشا عمار، الاخوة دريس، حسان خوجة، بن دالي، دمرجي، الإخوة جعفر، وعائلة موهوب التي قدمت يد العون في تطوير رياضة الجمباز وتوفير مقر لطلائع الجزائر.

في هذا السياق، يذكر أن أرزقي بوزرينة الملقب"حديدوش" الذي انتدب طالب عبد الرحمن إلى معركة الجزائر، وسيد أحمد غرمول وعيد الحميد زني، وهما الثلاثي الذين سقطوا شهداء أثناء الثورة التحريرية، فقد استشهد أرزقي بوزرينة تحت التعذيب 1985 سنة، وعبد الحميد زني في ميدان الشرف، واستشهد أحمد غرمول سنة 1957 تحت التعذيب أيضًا من طرف فوج المظليين في مقر القوات الفرنسية الذي كان مقره في (Notre dame D4afrique) السيدة الأفريقية.

l’avant-garde d’Alger

مسار عمر بن حمود متواصل

بعد رحيل عمر بن حمود سنة 1931، تمكن أحد تلامذته المدعو عبد الله بن محمد، من مواصلة المهام والإشراف على النادي الذي تحول اسمه إلى "طلائع الجزائر، الحياة في الهواء الطلق"، النادي الذي تمكن رفقة 12 لاعب جمباز من الفوز بالبطولة الفرنسية التي أقيمت بمدينة ديجو Dijon الفرنسية سنة 1932 ومن بين الأسماء التي شاركت تواشي محمد، يماني محمد.

وفي 1933 أطلق كل من بن دالي وبوزرينة فريق تحت مسمى "التنانين لاعبي الجمباز الجزائر" les Dragon Gymnastes D’Alger، والذي تَحول إلى فرع رياضي لنادي المولوية الجزائر.

لم يحظ تاريخ الرياضة الجزائرية في فترة ما قبل الثورة التحريرية بكثير من الاهتمام

ختامًا، لم يحظ تاريخ الرياضة إبان فترة ما قبل الثورة التحريرية بكثير من الاهتمام، ماعدا  شهادات ومذكرات لاعبي الفرق الكروية، وهذا نظرًا إلى شعبيتها وقدرتها على التجنيد وتعبئة الجماهير التي كانت ترفع شعارات وطنية واستقلالية، دون أن ننسى أيضًا رياضة الملاكمة التي كانت تستقطب الكثير من الجزائريين آنذاكـ، لقد لعبت الرياضة بمختلف فروعها دورًا بارزًا في يقظة الوعي الوطني، فالفعل الرياضي ولد مناضلًا إبان الحركة الوطنية، وقدمت الرياضة مساحات وفضاءات تكون وتخرج بفضلها سياسيين ونقابيين وعلماء وفنانين ومجاهدين.