مجتمع

عملية إدماج جديدة للأساتذة.. هل هي نهاية نظام التعاقد؟

25 مارس 2025
الأساتذة المتعاقدين
عملية إدماج الأساتذة المتعاقدين ( صورة: أٍشيف)
عبد الحفيظ سجال
عبد الحفيظ سجال صحفي من الجزائر

ينتظر محمد، الذي يُقدّم دروس التربية البدنية في المرحلة الابتدائية بولاية تيبازة غرب العاصمة، بشغف تفاصيل تأكيد إدماجه في منصبه، بعد أكثر من عامين من العمل بنظام التعاقد. 

ويشترك محمد في هذا الترقب مع العديد من زملائه المدرسين المتعاقدين، خاصة بعد إعلان الحكومة عن إدماج أكثر من 82 ألف أستاذ متعاقد في مناصب دائمة. 

مواصلة العمل بصيغة التعاقد في التوظيف لا يخدم قطاع التربية، حيث أنّ الأساتذة المتعاقدين لم يتلقوا التكوين اللازم لممارسة مهنة التعليم

شكّل ملف إدماج محمد وزملائه من الأساتذة المتعاقدين أحد أبرز المواضيع التي تناولتها النّقابات في مناقشاتها مع الوزارة الوصية، سواء في اللقاءات الثنائية أو الجماعية. 

وترى النقابات أنّ نظام التعاقد لا يحقق الاستقرار الوظيفي للأساتذة، ويترتّب عليه آثار سلبية على المستوى الدراسي للتلاميذ. 

ويرجع ذلك إلى أنّ هذه العُقود كانت تُمنح لجامعيين يفتقرون إلى الخبرة، فضلاً عن أنهم لم يتخرّجُوا من المدرسة العليا للأساتذة. 

تحديات الاستقرار المهني

لم تكن موافقة الرئيس عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء على إدماج 82,410 أساتذة متعاقدين في مختلف الأطوار التعليمية الأولى سابقة من نوعها. ففي عام 2022، تم الموافقة على عملية إدماج شملت 62 ألف أستاذ، ليصل بذلك مجموع الأساتذة الذين تم إدماجهم إلى 144,410 في كافة الأطوار التعليمية.

وفي عام 2016، نظّم الأساتذة المتعاقدون ما سُمي آنذاك بـ"مسيرة الكرامة"، حيث قدموا من عدة ولايات احتجاجاً على استمرار عملهم لعدة سنوات بعقود مؤقتة، وعلى خلفية وقف مسابقات التوظيف بسبب خُطّة التقشف التي تبنتها الحكومة آنذاك. وقد تخلل هذا التحرك اعتصام في ولاية بومرداس استمر لأيام، ولم يُنهَ إلا بعد أن أعلنت الوزارة عن تنظيم مسابقة توظيف جديدة تُعطى فيها الأولوية للأساتذة المتعاقدين.

يظلّ اللجوء إلى التعاقد أمراً لا مفر منه بالنّظر إلى زيادة أعداد التلاميذ  وإحالة عشرات الأساتذة على التقاعد

وفي 2011، قامت وزارة التربية أيضا بإدماج الأساتذة المتعاقدين في المناصب الشاغرة، وذلك تصحيحا لعملية إدماج سابقة تمت خلال العقد الأول من الألفية الحالية، والتي تمت إلا بعد اعتصامات أمام وزارة التربية وحتى رئاسة الجمهورية.

كما أنّ عملية إدماج الأساتذة المتعاقدين لم تأخذ وقتاً طويلاً مقارنة بالعملية السابقة، كما أنها لم تأتِ نتيجة لضغوطات الشارع.

وقد أشاد النّاشط التربوي كمال نواري في حديثه مع "الترا جزائر" بهذا القرار، معتبراً إياه دليلاً على "اهتمام رئيس الجمهورية بقطاع التربية، ووفائه بالوعود التي قطعها على نفسه بتقديم العديد من الامتيازات التي نحن بحاجة إليها في مجال التعليم".

وكانت صفحة رئاسة الجمهورية الجزائرية على فيسبوك مليئة بالتعليقات التي طالبت الرئيس تبون بإدماج الأساتذة المتعاقدين، من بينها وسم يطالب بهذا الإجراء#نناشدكم_بإدماج_الأساتذة_المتعاقدين_وإنصافهم.

 

عامل استقرار

يرى نواري أنّ إدماج الأساتذة المتعاقدين يعد "ضماناً لاستقرار القطاع"، خاصة وأنّ توظيفهم سيتم بشكل شفاف وفق القوانين المنظمة للقطاع، مثل تطابق الشهادات مع التخصصات، والأقدمية، والتوظيف حسب البلدية. هذا يعني القضاء على الأساليب القديمة في التوظيف، والتركيز على استقرار الأساتذة من خلال ضمان بيئة عمل مستقرة، حيث لا يواجهون مشاكل التنقل أو الإطعام أو الإيواء، بل توفر لهم جميع الظروف المناسبة لأداء مهامهم بشكل جيد وممتاز.

من جانبه، أوضح زوبير روينة، الأمين العام لمجلس أساتذة الثانويات، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّ ملف إدماج الأساتذة المتعاقدين كان من أبرز المطالب التي رفعتها نقابته في عدة مناسبات. 

وأكد أنّ هذا الإجراء يسهم في تعزيز التزام الأساتذة بمهنهم التعليمية، حيث يكتسبون الاستقرار الوظيفي عند التحول إلى موظفين دائمين في قطاع التربية، على عكس صيغة التعاقد التي تتيح إنهاء العمل في أي وقت.

 

المعنيون بالإدماج

أكد روينة أنّ جميع الأساتذة المتعاقدين في كل المواد معنيون بالإدماج، مبينا أن العملية ستمس بشكل أكبر أساتذة اللغة الانجليزية بالابتدائي وأساتذة التربية البدنية الذين تم توظيفهم بعقود عند إقرار تعيين أساتذة في هذا الطور لتدريس هاتين المادتين.

تسوية وضعية أساتذة التربية البدينية والانجليزية، حسب المتحدث كان عاملاً رئيسيا في ذهاب الحكومة للقيام بعملية إدماج جديدة، لأنه كان من غير المقبول استمرار تدريس المادتين بأساتذة متعاقدين.

وفي السياق لفت إلى أنّه من المستبعد أن يمس قرار الإدماج الأساتذة المستخلفين، بالنظر إلى أنهم يشغلون مناصب أساتذة آخرين توقفوا مؤقتا عن الدراسة لأسباب مبررة كعطلة الأمومة بالنسبة لعديد الأستاذات.

أمّا النّاشط التربوي كمال نواري، فتوقع أن يتم الاعتماد على التعليمة الوزارية المشتركة الصادرة سنة 2022 من ثلاث هيئات هي وزارة التربية الوطنية والمالية والوظيفة العمومية والتي تتعلق بكيفيات الإدماج، والتي تشير إلى أنّ الأستاذ المتعاقد على منصب شاغر للانتداب أو للاستيداع معني بهذه العملية.

النقابات رحبت بقرار الإدماج لكنها تعتبره حلاً مؤقتاً لسدّ النقص في التأطير، بدلاً من تبني سياسة توظيف شاملة تعتمد على تكوين كمي ونوعي

ولا يستبعد نواري إمكانية إدخال تعديلات جديدة على التعليمة، لكي تمكن بعض المستخلفين من الإدماج.

وجاء في المرسوم التنفيذي المتضمن إدماج الأساتذة المتعاقدين قيد الخدمة في المؤسسات العمومية للتربية والتعليم الصادر في 2022 أنّه "يدمج الأساتذة المتعاقدون (قيد الخدمة في المؤسسات العمومية للتربية والتعليم) الذين يستوفون شروط الالتحاق بمناصب الوظيفة العمومية، الموجودون قيد الخدمة عند تاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2022، الذين تم توظيفهم في مناصب مالية شاغرة نهائيا و يؤدون المدة القانونية للعمل في الرتبة الموافقة لمستوى تأهليهم وتخصصهم".

وينتظر أن تكون عملية الإدماج الجديدة من تاريخ اتخاذ هذا القرار من قبل رئاسة الجمهورية أي من شهر آذار/ مارس الجاري 2025.

وأشار الأمين العام لمجلس أساتذة الثانويات إلى أنّ الأساتذة المتعاقدين سيدمجون في الرتب القاعدية لكل طور، والمتمثلة في الرتبة 13 بالنّسبة لأساتذة التعليم الثانوي.

 

 

 

حلّ مؤقت

مواصلة العمل بصيغة التعاقد في التوظيف لا يخدم قطاع التربية، حيث أن الأساتذة المتعاقدين لم يتلقوا التكوين اللازم لممارسة مهنة التعليم. 

وبالإشارة إلى ذلك فإن تكوينهم جامعي وليس في المدارس العليا للأساتذة أو معاهد تكوين المعلمين التي ما زالت مغلقة حتى اليوم ولا تقوم بدورها، رغم تصريح وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريت حول وجود 13 معهداً لتكوين الأساتذة عبر الوطن. ومع ذلك، رحب النقابيون بقرار الإدماج.

الحل الأمثل هو تبني سياسة توظيف شاملة تعتمد على التكوين الكمي والنوعي لسد احتياجات المدرسة

وأضاف روينة أنّ عملية الإدماج أصبحت واقعاً مفروضاً لسد النقص في التأطير، إلا أن نقابته لا ترى فيها الحلّ الأمثل. فهو يرى أنه من الأجدر تبني سياسة توظيف شاملة مبنية على الاستشراف، تعتمد على تكوين كمي ونوعي يلبي احتياجات المدرسة، مما يمنع حدوث نقص في عدد الأساتذة مع كل دخول مدرسي.

وطالب روينة بضرورة توفير منتج تكوين موجه للأساتذة في المدرسة الجزائرية لتحقيق الأهداف التربوية وتحسين المستوى التعليمي. وأكد أن غياب سياسة توظيف شاملة وواضحة أدى إلى تراجع مستوى التلاميذ، مشيراً إلى أن خريجي المدرسة العليا للأساتذة لا يتعدون 5 آلاف أستاذ سنوياً، وهو رقم غير كافٍ لمدرسة تضم حوالي 12 مليون تلميذ.

وينصح العديد من التربويين بضرورة إنهاء العمل بصيغة التعاقد، والاعتماد على استراتيجية توظيفية شاملة تعتمد على توظيف خريجي الجامعات المتخصصين في التعليم، مثل خريجي المدرسة العليا للأساتذة، لتحسين المستوى التعليمي. 

 

عدد خريجي المدرسة العليا للأساتذة لا يتجاوز 5 آلاف أستاذ سنوياً وهو رقم غير كافٍ لمدرسة تضمّ حوالي 12 مليون تلميذ

دعا كمال نواري إلى ضرورة إعادة النظر في القرار الوزاري الذي يحدد الشهادات والتخصصات المعنية بالتوظيف، مشيراً إلى ضرورة أن يخضع المتعاقد المدمج إلى تكوين لمدة سنة على الأقل، وأن يكون التربص لمدة سنتين. 

كما اقترح أن يتم الإدماج في بداية السنة الدراسية بعد توظيف كافة خريجي المدارس العليا للأساتذة، خاصة وأن عدد المتخرجين لا يتحكم فيه وزارة التربية الوطنية. 

وطالب بضرورة التنسيق بين وزارتي التربية والتعليم العالي بشأن عدد المتخرجين، بحيث يتم تحديده وفقاً لاحتياجات القطاع في فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، لتجنب الفائض في بعض التخصصات.

وفي انتظار اتخاذ استراتيجية توظيفية جديدة في قطاع التربية تستشرف حاجيات القطاع، يظل اللجوء إلى التعاقد أمراً لا مفر منه بالنظر إلى أن القطاع يشهد كل عام إحالة عدد كبير من المؤطرين على التقاعد، مقابل الزيادة المستمرة في عدد التلاميذ في كل دخول مدرسي جديد.

 

 

الكلمات المفتاحية

علاج الأسنان

الزئبق في علاج الأسنان بالجزائر.. بين القلق والتوجُّه نحو بدائل آمنة

يشهدُ قطاع طب الأسنان في الجزائر تحولًا ملحوظًا مدفوعًا بتزايد الوعي الصحي لدى المواطنين والتقدّم العلمي في مجال المواد المُستخدمة في العلاجات.


تحدي البراسيتامول

"تحدّي البراسيتامول"يطرُق أبواب المدارس.. هذه قصّة الجُرعة القاتلة

قد يعتقد البعض أنّ الباراسيتامول دواء "بسيط" أو "غير مضرّ" لأنّه يستخدم بشكل شائع لتخفيف الحمى والألم. هذا الاعتقاد الخاطئ " يقلّل من تقدير البعض لمخاطر الجرعات الزائدة وكشفته لعبة "تحدّي البراسيتامول" الذي طرق أبواب المدارس، لكنه أصبح الخطر الصامت الذي يُهدّد التلاميذ، فماهي قصته؟.


الأخصائية النفسية آيت خليفة سميرة

حملات توعية بالمدارس.. خبيرة نفسانية تُحذّر من العزلة الإلكترونية وتدعو لضوابط رقمية

يُشكّل الإفراط في استخدام الشاشات والأجهزة الذكية من أكبر التحديات التي تهدد الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال والمراهقين، وذلك في ظل الانتشار المتزايد للتكنولوجيا الرقمية التي غيرت ملامح الحياة اليومية.


اجتماع وزير التربية مع النقابات

القانون الأساسي لقطاع التربية.. مفاوضات حاسمة بعد سنوات من الجدل

جولة مُفاوضات جديدة انطلقت الثلاثاء بين وزارة التربية ونقابات القطاع، محورها تعديل القانون الأساسي والنظام التعويضي، في محاولة لاحتواء التوترات القديمة وبحث حلول توافقية ترضي جميع الأطراف.

جني محصول البطاطا بولاية مستغانم
أخبار

ردّ ميداني على الاحتكار.. محصول البطاطا يُسكِت المضاربين

أعلنت مصالح ولاية مستغانم غرب العاصمة، عن بدء عملية جني محصول البطاطا من قبل الفلاحين في الولاية.

علاج الأسنان
مجتمع

الزئبق في علاج الأسنان بالجزائر.. بين القلق والتوجُّه نحو بدائل آمنة

يشهدُ قطاع طب الأسنان في الجزائر تحولًا ملحوظًا مدفوعًا بتزايد الوعي الصحي لدى المواطنين والتقدّم العلمي في مجال المواد المُستخدمة في العلاجات.


أمطار رعدية ورياح
أخبار

انخفاض في درجات الحرارة وأمطار رعدية على عدة ولايات

حذّرت مصالح الديوان الوطني للأرصاد الجوية، اليوم الثلاثاء من تساقط أمطار رعدية معتبرة محليا وبهبوب رياح قوية على عدة ولايات بالوطن.

شنقريحة أفريكوم.jpg
أخبار

تشهد حضور "إسرائيل".. أفريكوم تؤكد رفض الجزائر المشاركة في مناورات الأسد الأفريقي

رفضت الجزائر المشاركة في تمرينات "الأسد الأفريقي 2025" بصفتها عضواً مراقباً، وذلك رغم توجيه دعوة رسمية لها من قبل القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم".

الأكثر قراءة

1
أخبار

فتح تحقيق في ملابسات العثور على جثة شخص أمام مستشفى في الدبداب


2
أخبار

ميناء الجزائر يستقبل سفينة ثانية محمّلة بـ 12 ألف رأس غنم من رومانيا


3
راصد

تصنفها الجزائر "إرهابية".. حركة الماك الانفصالية ترفع أعلام "إسرائيل" في باريس


4
أخبار

توقيف 3 تُجار حرّضوا على عدم جني محصول البطاطا بمستغانم


5

فيدان: ندعم موقف الجزائر الذي ينظر إلى حل المسائل الإقليمية بسهولة ويُسر